هل يجوز لصاحب محل مسلم أن يوظف كافراً يبيع فيه وقت نداء الجمعة الثاني؟
السؤال: 140550
أنا مسلم ، ولديَّ محل تجاري أغلقه أثناء صلاة الجمعة ، مما أثار استياء بعض الزبائن غير المسلمين ، فهل يجوز أن أبقيه مفتوحاً في هذا الوقت ليعمل فيه عمّال غير مسلمين ؟ لأنني أخشى أن أخسر هؤلاء الزبائن .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
المسلم هو من استسلم لأمر الله تعالى ، والظن بك – أخي السائل – أنك تبحث عن الحكم
الشرعي بقصد التمسك والعمل به .
ولتعلم – أخي السائل – أن الله تعالى أمر بنص كتابه الكريم بترك البيع بعد نداء
الجمعة ، وهو النداء الذي يكون بعد صعود الخطيب للمنبر فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ) الجمعة/9 .
ولم
يختلف الفقهاء في المنع من البيع بعد نداء الجمعة الثاني .
وانظر : “الموسوعة الفقهية” (9/225) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
”
إن
البيع بعد نداء الجمعة الثاني : حرام ، وباطل أيضاً ، وعليه : فلا يترتب عليه آثار
البيع ، فلا يجوز للمشتري التصرف في المبيع ؛ لأنه لم يملكه ، ولا للبائع أن يتصرف
في الثمن المعين ؛ لأنه لم يملكه ، وهذه مسألة خطيرة ؛ لأن بعض الناس ربما يتبايعون
بعد نداء الجمعة الثاني ، ثم يأخذونه على أنه ملك لهم” انتهى .
“الشرح الممتع على زاد المستقنع” (8/190 ، 191) .
ويُستثنى من الحكم السابق : من لا يلزمهم السعي لصلاة الجمعة ، وهم : المرأة ،
والعبد ، والمسافر ، والمريض ، والصبي الذي لم يبلغ ، فهؤلاء يصح بيع بعضهم لبعض ،
على أن يكون كلاً من البائع والمشتري منهم ، ولا يصح البيع إن كان أحدهم طرفاً وكان
الطرف الآخر ممن يلزمه السعي لصلاة الجمعة .
قال
ابن قدامة رحمه الله :
“وتحريم
البيع ووجوب السعي يختص بالمخاطَبين بالجمعة ، فأما غيرهم من النساء والصبيان
والمسافرين : فلا يثبت في حقه ذلك ، لأن الله تعالى إنما نهى عن البيع مَن أمَرَه
بالسعي ، فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي ، ولأن تحريم البيع معلَّل بما يحصل
له من الاشتغال عن الجمعة ، وهذا معدوم في حقهم .
وإن
كان أحد المتبايعيْن مخاطَباً ، والآخر غير مخاطب : حرُم في حق المخاطَب ، وكره في
حق غيره ؛ لما فيه من الإعانة على الإثم ، ويحتمل أن يحرُم أيضاً ؛ لقوله تعالى : (وَلا
تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)”
انتهى من “المغني” (2/145) باختصار .
وهذا الاحتمال الذي ذكره ابن قدامة رحمه الله هو الصواب الراجح ؛ لأن النهي في
الآية عن التعاون على الإثم والعدوان ظاهر في التحريم ، وهو قول مالك والشافعي ،
وهو مذهب أحمد .
ثانياً :
هل
يأخذ ” الكافر ” حكم المكلفين من الرجال بصلاة الجمعة ، أم يأخذ حكم النساء وغيرهم
ممن لا تلزمهم صلاة الجمعة ؟
هذا
الحكم مبني على مسألة وهي : هل الكفار مخاطَبون بفروع الشريعة أم لا ؟
فإن
كانوا مخاطبين فلا يجوز البيع لهم ولا الشراء منهم ، وإن كانوا غير مخاطبين جاز
البيع لهم ، بشرط أن يكون الطرف الثاني غير مكلف بحضور صلاة الجمعة ، كالنساء
والصبيان .
والصحيح الراجح من أقوال أهل العلم : أن الكفار مخاطَبون بفروع الشريعة .
قال
النووي رحمه الله :
والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة .
“شرح مسلم” (14/39) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
والتكليف بالأمر والنهي شامل للمسلمين والكفار ، لكن الكافر لا يصح منه فعل المأمور
به حال كفره ؛ لقوله تعالى : (وَمَا
مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)
،
ولا يؤمر بقضائه إذا أسلم ؛ لقوله تعالى : (قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)
، وقوله صلي الله عليه وسلم لعمرو بن العاص : (أما علمتَ يا عمرو أن الإسلام يهدم
ما كان قبله) ، وإنما يعاقب على تركه إذا مات على الكفر ؛ لقوله تعالى عن جواب
المجرمين إذا سئلوا : (مَا
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ
نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)”
انتهى .
“مجموع فتاوى الشيخ العثيمين” (11/31) .
وعلى هذا ، فلا يجوز تمكين الكافر من البيع والشراء بعد النداء الثاني للجمعة ، لأن
في ذلك تمكيناً له من أمر محرم .
وأما قولك بوجود استياء من الزبائن لإغلاقك لمحلك ، وأنك تخشى أن تخسر هؤلاء
الزبائن ، فنبشرك بأن (من ترك شيئاً لله تعالى عوضه الله خيراً منه) ، كما أخبرنا
بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن تكون تقوى الله تعالى سبباً للتضييق
في الرزق ، وإنما تكون سبباً لسعة الرزق والبركة فيه ، كما قال الله تعالى : (وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا
يَحْتَسِبُ)
،
كما أن في إغلاقك لمحلك دعوة للإسلام ، فوضعك للافتة كُتب عليها “مغلق لفترة صلاة
الجمعة” : قد يفتح أبواباً من الأسئلة عن هذا الفعل ، وقد يكون سبباً في إسلام بعض
هؤلاء الزبائن ، ممن يقودهم ذلك الإغلاق للسؤال عن الإسلام ، والقراءة في تشريعاته
وأحكامه .
فاستقم كما أمرك الله تعالى ، ولا تشتر دنياك الفانية بآخرتك الباقية ، واعلم أن
الأرزاق بيد الله تعالى ، يبسط الرزق لمن يشاء ، ويضيقه على من يشاء ، ولن تموت نفس
حتى تستوفي رزقها كما تستوفي أجلها .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟