نسيان النذر ، وعدم الالتزام به
السؤال: 140754
إنني كلما أمر بأزمة أوعد نفسي ـ مثلا ـ أصلي ركعتين ، أو أستغفر 100 مره بعد كل صلاة ، ولكنني لم ألتزم .
وأيضا فإنني أنسى ما نذرت وما وعدت ، ولم أذكر ، فماذا عليّ أن أفعله .
وأيضا أنقذني الله تعالى من أزمه ، فقلت : كل يومين أصلي ركعتين له تعالى حمدا وشكرا إذا استطعت ، والتزمت بها لمده سنتين ، ولكني تخلفت عنها منذ أشهر ، لأن البعض يقول لا تجوز هذه الصلاة ، وإنما الحمد الله هو أن تسجد فقط له ؟!
وأما من نذر صلاة أو صياما ـ مثلا ـ ونسي قدره ، فقد نقلت ما يوافق كلامه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
إن
مجرد وعد النفس ، بتعبير السائل ، أو العزم على فعل معين ، أو تحديث النفس به ، كل
ذلك لا يدخل في باب النذر ، ولا يلزم المكلف أن يفعل ما عزم عليه أو نواه ، إذا لم
يجعله نذرا على نفسه ، بصيغة تدل على ذلك ؛ مثل أن يقول : إن ذلك نذر عليه ، أو :
لله عليه أن يفعل كذا ، أو نحو من ذلك ؛ فمجرد النية لا تجعل الأمر المنوي نذرا ،
ما لم يذكر معه قولا يدل على ذلك .
قال
الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في بيان أركان النذر :
“الرُّكْنُ الثَّانِي : الصِّيغَةُ ؛ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي النَّذْرِ ؛ فَلَا
يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ
الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ ، وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ مَعَ
النِّيَّةِ .. ” انتهى .
“أسنى المطالب” (1/576) .
وقال المرداوي رحمه الله :
”
ولا يصح إلا بالقول فإن نواه من غير قول لم يصح بلا نزاع ” انتهى .
“الإنصاف” (11/90) .
وجاء في الموسوعة الفقهية :
”
اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ مِمَّنْ
يَتَأَتَّى مِنْهُمُ التَّعْبِيرُ بِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ مُشْعِرًا
بِالاِلْتِزَامِ بِالْمَنْذُورِ ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُعَوَّل عَلَيْهِ فِي
النَّذْرِ هُوَ اللَّفْظُ ، إِذْ هُوَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ النَّاقِل لِذَلِكَ
الْمَنْدُوبِ الْمَنْذُورِ إِلَى الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ ، فَلاَ يَكْفِي فِي
ذَلِكَ النِّيَّةُ وَحْدَهَا بِدُونِهِ .
وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ الْمَقْرُونَةُ بِنِيَّةِ النَّذْرِ ،
أَوْ بِإِشَارَةِ الأَْخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ الدَّالَّةِ أَوِ الْمُشْعِرَةِ
بِالْتِزَامِ كَيْفِيَّةِ الْعُقُودِ ” انتهى .
“الموسوعة الفقهية الكويتية” (40/140) .
فعلى ذلك لا يلزم السائل أن يفعل ما وعد نفسه به ، أو نواه ، ما لم يقترن بذلك صيغة
تدل على النذر .
ثانيا :
من
نذر طاعة من الطاعات ، صلاة أو زكاة أو غير ذلك ، سواء نذر ذلك ابتداء ، أو علقه
على حصول أمر ، وحصل ما علق عليه نذره : وجب عليه الوفاء بذلك ، وحرم عليه الإخلال
بما نذر به ؛ لمار ورى البخاري (6696) وغيره ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ
نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا
يَعْصِهِ ) .
قال
الحافظ ابن حجر رحمه الله :
”
الطَّاعَة أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُون فِي وَاجِب أَوْ مُسْتَحَبّ , وَيُتَصَوَّر
النَّذْر فِي فِعْل الْوَاجِب بِأَنْ يُؤَقِّتَهُ , كَمَنْ يَنْذُر أَنْ يُصَلِّيَ
الصَّلَاةَ فِي أَوَّل وَقْتهَا ، فَيَجِب عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا أَقَّتَهُ
.
وَأَمَّا الْمُسْتَحَبّ مِنْ جَمِيع الْعِبَادَات الْمَالِيَّة وَالْبَدَنِيَّة
فَيَنْقَلِب بِالنَّذْرِ وَاجِبًا ، وَيَتَقَيَّد بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِر .
وَالْخَبَر صَرِيح فِي الْأَمْر بِوَفَاءِ النَّذْر إِذَا كَانَ فِي طَاعَة , وَفِي
النَّهْي عَنْ تَرْك الْوَفَاء بِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْصِيَة . ” انتهى . “فتح
الباري” (11/582) .
قال
ابن المنذر رحمه الله :
”
وأجمعوا أن كل من قال : إن شفى الله عليلي ، أو قدم غائبي ، أو ما أشبه ذلك ، فعلي
من الصوم كذا ، ومن الصلاة كذا ، فكان كما قال ، أن عليه الوفاء بنذره . ” انتهى .
“الإجماع” لابن المنذر (157) .
قال
ابن عبد البر رحمه الله :
”
ولا خلاف بين العلماء أن النذر بالطاعة يلزم صاحبه الوفاء به ، ولا كفارة فيه ”
انتهى .
“الاستذكار” (15/41) .
فتبين بذلك أن نذر العبادات التي وضعها الشارع قربةً لعباده : صحيح في نفسه ، وأنه
لازم للمكلف ، وأن من نذر أن يصلي لله كذا ركعة ، أو يستغفر كذا مرة ، أو يصوم
أياما معينة ، أو غير ذلك من الطاعات : فعليه أن يوفي بنذره ، وليس له كفارة إلا
الوفاء به ، وأن ما ذكره القائل في السؤال من عدم جواز هذه الصلاة المنذورة : خطأ ،
مخالف لإجماع العلماء .
ثالثا :
من
نذر ، ثم نسي ما نذره : هل كان صلاة أو صياما ، أو غير ذلك ؛ فإنه يجتهد في معرفة
ما كان نذره ، إن كانت هناك قرينة أو علامة تدل عليه ، فإن لم يتذكر شيئا من ذلك ،
فعليه كفارة يمين ، كما هو مذهب جمهور العلماء في النذر المبهم الذي لم يسم صاحبه
ما يلتزمه من الأعمال .
ينظر ـ في حكم النذر المبهم ـ : “الموسوعة الفقهية” (40/158) .
وأما إن كان يذكر أنه نذر صلاة ، أو صياما ، أو غير ذلك ، لكنه نسي صفة ما نذره أو
عدده ، فالواجب عليه أقل ما يصدق عليه ذلك النذر ؛ فيصلي ركعتين ، أو يصوم يوما ،
أو نحو ذلك .
قال
الشيخ مصطفى الرحيباني رحمه الله :
” (
وَ ) مَنْ أَحْرَمَ ( بِنُسُكٍ ) تَمَتُّعٍ ، أَوْ إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ ، أَوْ
أَحْرَمَ بِنَذْرٍ ( وَنَسِيَهُ ) ، أَيْ : مَا أَحْرَمَ بِهِ ، أَوْ نَسِيَ مَا
نَذَرَهُ ( قَبْلَ طَوَافٍ ، صَرَفَهُ لِعُمْرَةٍ نَدْبًا ) ، لِأَنَّهَا
الْيَقِينُ ” انتهى .
“مطالب أولي النهى” (2/318) . وينظر : “الموسوعة الفقهية” (40/163-165) .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟