إنني أعاني من فقد الشعر ، وأعاني من صلع في بعض المناطق في رأسي ، وقد سبَّب لي هذا الأمر اكتئاباً ، ففي بعض الأوقات أرى فتيات بشعر جميل ويشعرون بالأسى تجاهي ، وقد حاولت أن أقوم بجراحة زرع الشعر ، ولكن الأطباء قالوا إنها لن تجدي معي ؛ فبشرة رأسي غير ملائمة ، وبالرغم من أنني أغطي رأسي عند الخروج وأرتدي الحجاب عندما أكون في البيت أو في مناسبات العائلة وفي الحفلات التي يكون فيها فصل بين الرجال والنساء ولا أحتاج لارتداء الحجاب ، وهنا أصاب بغضب شديد لأنني لا أقدر على خلعه ، فهل يجوز لي ارتداء الباروكة – شعر مستعار – ؟ . وإن كانت الإجابة نعم : فهل لها تأثير على الوضوء ؟ .
حكم لبس الباروكة للمرأة الصلعاء، وهل تمسح عليها في الوضوء؟
السؤال: 141074
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
سبق في جواب السؤال رقم ( 1171 ) حرمة استعمال الباروكة من حيث الأصل ، ولو لزينة المرأة أمام زوجها ، وأنها من وصل الشعر المحرَّم .
كما سبق في جواب السؤالين ( 101430 ) و ( 113548 ) جواز اتخاذ الباروكة من أجل ستر عيب عند المرأة الصلعاء ، وأن هذا هو قول الشيخ العثيمين رحمه الله ، خلافاً لأكثر العلماء المعاصرين والذين عدوه من الوصل المحرَّم ، وينظر كلام الشيخ العثيمين في الجوابين المحال عليهما .
ثانياً:
من أبرز ما استدل به من منع من استعمال الباروكة للمرأة المصابة بالصلع حديثان :
1. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ) رواه البخاري (5590) .
فتمعط شعرها : تناثر وتساقط .
2. عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بِنْتًا لِي عَرُوسٌ وَإِنَّهَا اشْتَكَتْ فَتَمَزَّقَ شَعْرُهَا فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ وَصَلْتُ لَهَا فِيهِ فَقَالَ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ) رواه النسائي ( 5250 ) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز لبس الباروكة وقالوا : إن الأحاديث دلت على تحريم وصل الشعر ، وأما الباروكة فليست من الوصل ، وإنما هي شعر يوضع فوق الرأس .
قال النفراوي المالكي رحمه الله :
ومفهوم "وصل" أنها لو لم تصله بأن وضعته على رأسها من غير وصل لجاز ، كما نص عليه القاضي عياض ؛ لأنه حينئذ بمنزلة الخيوط الملوية كالعقوص الصوف والحرير تفعله المرأة للزينة ، فلا حرج عليها في فعله ، فلم يدخل في النهي ويلتحق بأنواع الزينة .
"الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (2/508) .
وقد أجاب الشيخ ابن عثيمين عن هذين الحديثين بجواب آخر ، فقال رحمه الله :
"فإن قال قائل ما تقولون في الباروكة ؟ هل هي من الوصل أو لا ؟
قال بعض العلماء : ليست من الوصل ؛ لأن الباروكة لا يوصل الشعر بالشعر ، ولكنها بمنزلة الخمار لأنها توضع على الرأس وضعاً ، ويكون الشعر تحتها .
وقال بعض العلماء : بل هي من الوصل ولكنَّ الوصل قد يكون بربط أسفل الشعر بهذا الموصول به ، وقد يكون بأن يوضع عليه ويطبَّق بشعر يكون أطول من الأصل ، والعبرة بالمعنى لا بالصورة .
إذاً : إذا قلنا بأن الباروكة وصلٌ : صار استعمالها محرماً ، بل من كبائر الذنوب .
فإن قال قائل : ما تقولون في امرأة صلعاء ليس في رأسها أي شعر ، هل يجوز أن تستعمل الباروكة تغطية للعيب لا زيادة في الجمال أو في طول الشعر ؟
فالجواب – والله أعلم – : أنه جائز ، ولكن يرِد عليه قصة المرأة مع ابنتها التي قالت إنها أصيبت بالحصبة فتمزق شعرها ، فسألت النبي هل تصل رأسها ؟ فمنعها من ذلك .
فالجواب على هذا : أن الظاهر أن الشعْر لم يُفقد بالكلية ، ولهذا هي طلبت الوصْل ، وطلبُ الوصْل يدل على أن أصل الشعر موجودٌ ، فإذا كان أصل الشعر موجوداً : صارت الزيادة من أجل التكميل والتحسين ، أما إذا لم يكن موجوداً وكان عيباً – وأنا أريد بالصلعاء التي يكون رأسها كخدها ليس فيه شعرة أبداً ، وهذا موجود لا تظن أن هذا أمرٌ فرضي ، ليس فرضيّاً ، بل هو أمر واقع – : فالظاهر لي أن هذا لا بأس به ؛ لاختلاف القصد في الوصل الذي ورد النهي عنه ، أو ورد اللعن عليه ، وهذا الوصل" انتهى .
"شرح صحيح البخاري" (7/599 ، 600) .
ثالثاً :
أما المسح على تلك الباروكة في الوضوء : فالأولى والأحوط أن تنزع عند الوضوء ، وأن يُمسح الرأس مباشرة ، هذا هو الأحوط ، وإن كان المسح عليها جائزاً ، فقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه الملبَّد ، ومسح على عمامته .
وأما في الغسل : فيجب نزعها ؛ لوجوب إيصال الماء إلى جميع البشرة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
واختلف العلماء في جواز مسح المرأة على خمارها .
فقال بعضهم : إِنه لا يجزئ لأن الله تعالى أمر بمسح الرَّأس في قوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) المائدة/6 ، وإِذا مَسَحَتْ على الخمار : فإِنها لم تمسح على الرَّأس ؛ بل مسحت على حائل وهو الخمار فلا يجوز .
وقال آخرون بالجواز ، وقاسوا الخِمَار على عِمَامة الرَّجُل ، فالخِمَار للمرأة بمنزلة العِمَامة للرَّجُل ، والمشقَّة موجودة في كليهما .
وعلى كُلِّ حالٍ إِذا كان هناك مشقَّة إِما لبرودة الجوِّ ، أو لمشقَّة النَّزع واللَّفّ مرَّة أخرى ، فالتَّسامح في مثل هذا لا بأس به ، وإلا فالأوْلى ألاَّ تمسح ، ولم ترد نصوصٌ صحيحة في هذا الباب .
ولو كان الرَّأس ملبَّداً بحنَّاء ، أو صمغ ، أو عسل ، أو نحو ذلك : فيجوز المسح ؛ لأنه ثبت أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في إحرامه ملبِّداً رأسَه ، فما وُضع على الرَّأس مِنَ التَّلبيد فهو تابع له .
وهذا يدلُّ على أن طهارة الرَّأس فيها شيء من التَّسهيل .
وعلى هذا ؛ فلو لبَّدت المرأة رأسها بالحِنَّاء جاز لها المسحُ عليه ، ولا حاجة إلى أن تنقض رأسَها ، وتَحُتُّ هذا الحنَّاء ، وكذا لو شدَّت على رأسها حُليًّا – وهو ما يُسمّى بالهامة – ، جاز لها المسحُ عليه ؛ لأننا إِذا جوَّزنا المسح على الخمار فهذا من باب أَوْلَى .
وقد يُقال : إن له أصلاً وهو الخاتم ، فالرَّسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم ، ومع ذلك فإِنَّه قد لا يدخل الماءُ بين الخاتم والجلد ، فمثل هذه الأشياء قد يُسامِحُ فيها الشَّرع ، ولا سيما أن الرَّأس من أصله لا يجب تطهيرُه بالغسل ، وإنما يطهرُ بالمسح ، فلذلك خُفِّفَتْ طهارتُه بالمسح ….
فالعِمامةُ ، والخُفُّ ، والخِمارُ ، إِنما تمسحُ في الحَدَث الأصغر دون الأكبر ، والدَّليل على ذلك : حديث صفوان بن عَسَّال قال : (أمَرنا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم إِذا كُنَّا سَفْراً ألاَّ ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط ، وبول ، ونوم) .
فقوله : (إلا من جنابة) يعني به : الحدَثَ الأكبر .
وقوله : (ولكن من غائط وبول ونوم) ، هذا الحدث الأصغر ، فلو حصل على الإِنسان جنابة مدَّةَ المسح : فإنه لا يمسح ، بل يجب عليه الغُسلُ ؛ لأنَّ الحدث الأكبر ليس فيه شيء ممسوح ، لا أصلي ولا فرعي ، إلا الجبيرة" انتهى .
"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (1/239 – 242) باختصار.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة