كيف يكون خلق الإنسان من المني المصنوع من الدم ؟
السؤال: 141556
كيف يمكن أن يكون خلق الإنسان من المني المصنوع من الدم ، وهو نجس ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الدم إنما يُحكَم بنجاسته إذا سفح وخرج ، أما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه فليس
بنجس .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
” لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّمَ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ يَكُونُ نَجِسًا ،
فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَنْجِيسِهِ وَلَا يُغْنِي الْقِيَاسُ عَلَيْهِ
إذَا ظَهَرَ وَبَرَزَ بِاتِّفَاقِ الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلدَّلِيلِ
عَلَى طَهَارَتِهِ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : أَنَّ النَّجِسَ هُوَ الْمُسْتَقْذَرُ
الْمُسْتَخْبَثُ ، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَثْبُتُ لِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ إلَّا
بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا مَوَاضِعَ خَلْقِهَا فَوَصْفُهَا بِالنَّجَاسَةِ فِيهَا
وَصْفٌ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ خَاصَّةَ النَّجِسِ وُجُوبُ مُجَانَبَتِهِ فِي الصَّلَاةِ .
وَهَذَا مَفْقُودٌ فِيما فِي الْبَدَنِ مِنْ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا .
وهذه الدِّمَاء الْمُسْتَخْبَثَة فِي الْأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا هِيَ أَحَدُ
أَرْكَانِ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَا تَقُومُ حَيَاتُهُ إلَّا بِهَا ، حَتَّى
سُمِّيَتْ نَفْسًا ، فَالْحُكْمُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ أَحَدَ أَرْكَانِ
عِبَادِهِ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَوْعًا نَجِسًا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ .
كما أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ ، فَلَا تَثْبُتُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِدَلِيلِ
وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الدِّمَاءِ الْمُسْتَخْبَثَةِ شَيْءٌ مِنْ أَدِلَّةِ
النَّجَاسَةِ وَخَصَائِصِهَا ” انتهى بتصرف يسير .
“مجموع الفتاوى” (21/598-600)
وقال ابن القيم رحمه الله :
” إنما تصير الفضلة بولا وغائطا إذا فارقت محلها ، فحينئذ يحكم عليها بالنجاسة ،
وإلا فما دامت في محلها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث ، وإنما يصير خبيثا بعد قذفه
وإخراجه وكذلك الدم إنما هو نجس إذا سفح وخرج ، فأما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه
فليس بنجس ” انتهى .
“بدائع الفوائد” (3 / 641) .
ثانيا :
إذا افترضنا أن الدم نجس وهو في محله ، قبل خروجه من بدن الإنسان أو الحيوان ؛
فالمني طاهر وإن تولّد منه ، وذلك لأنه استحال ؛ أي تحول عن صفات الدم الأصلية ،
إلى صفات أخرى ، فطهر بهذه الاستحالة ؛ والعبرة هنا ليست بالأصل الذي تحول عنه ،
وإنما العبرة بصفاته التي هو عليها وقت الحكم عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَالَ وَتَبَدَّلَ .
وَقَوْلُهُمْ : الِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ . قُلْنَا : مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ
الْفَتْوَى الطَّوِيلَةِ الْعَرِيضَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِجْمَاعِ ؛ فَإِنَّ
الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا بَدَأَ اللَّهُ بِإِفْسَادِهَا
وَتَحْوِيلِهَا خَلًّا : طَهُرَتْ . وَكَذَلِكَ تَحْوِيلُ الدَّوَابِّ وَالشَّجَرِ
، بَلْ أَقُولُ : الِاسْتِقْرَاءُ دَلَّنَا أَنَّ كُلَّ مَا بَدَأَ اللَّهُ
بِتَحْوِيلِهِ وَتَبْدِيلِهِ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ ، مِثْلُ جَعْلِ الْخَمْرِ
خَلًّا ، وَالدَّمِ مَنِيًّا ، وَالْعَلَقَةِ مُضْغَةً ، وَلَحْمِ الْجَلَّالَةِ
الْخَبِيثِ طَيِّبًا ، وَكَذَلِكَ بَيْضُهَا وَلَبَنُهَا ، وَالزَّرْعُ
الْمَسْقِيُّ بِالنَّجِسِ إذَا سُقِيَ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ :
فَإِنَّهُ يَزُولُ حُكْمُ التَّنْجِيسِ وَيَزُولُ حَقِيقَةُ النَّجِسِ وَاسْمُهُ
التَّابِعُ لِلْحَقِيقَةِ ، وَهَذَا ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ
؛ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ
يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ ، وَيُبَدِّلُهَا خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ ،
وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مَوَادِّهَا وَعَنَاصِرِهَا”
“مجموع الفتاوى” (21 / 600-601)
وقال ابن القيم رحمه الله :
” الطيب إذا استحال خبيثا صار نجسا ، كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة ، فكيف
أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا ؟ والله
تعالى يخرج الطيب من الخبيث ، والخبيث من الطيب ، ولا عبرة بالأصل بل بوصف الشيء
نفسه ، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه ، والحكم تابع للاسم والوصف
دائر معه وجودا وعدما ” انتهى .
“إعلام الموقعين” (2 / 14) .
وينظر حول طهارة المني : جواب السؤال رقم : (2458).
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة