0 / 0

الهدايا في الزواج والمناسبات هل هي ديْن في الذمة تدفع في مناسبة للمُهدي ؟

السؤال: 142317

من العادات المنتشرة في المنطقة التي أسكن بها : أن تعطي المرأة في المناسبات – ولادة ، زفاف … – مبلغاً من المال ليس بالكثير – 5 دنانير مثلاً – عند تقديمها التهاني لقريبتها ، أو جارتها ، والمرأة التي استلمت المال مطالَبة عند حلول أية مناسبة أخرى أن تزورها ، إما أن ترجع إليها نفس المبلغ الذي تسلمته – وهنا تقول أكثر النسوة إنها لا تريد أن تطور علاقتها بها – وإما أن تزيد عليه – وهو الغالب لديهن – ويحدث أن تلوم المرأةُ التي أعطت المال المرأةَ الأخرى إن لم تزرها وترد إليها مالها ، وقد تتحدث عنها بأنها أكلت مالها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . فما حكم هده المعاملة ؟ وهل الزيادة التي تحدثتُ عنها من الربا ؟ عن نفسي : لا أحبذ هده الزيادة إلا إذا كانت المرأة محتاجة ، أو على خلق . أفيدونا ، يرحمكم الله .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

ما جرى به عرف الناس في كثير من البلاد من بذل المال في مثل هذه المناسبات السارة ، لصاحب العرس ، أو من رزق بمولود ، أو نحو ذلك ، على أن يعود آخذ المال ، فيرد نفس المبلغ ، أو أزيد منه ، في مثل هذه المناسبات : لا بأس به ، بل هو أمر حسن ، لما فيه من المواساة بالمال ، ومساعدة الآخرين في مثل هذه المناسبات التي يغلب الحاجة فيها إلى المال ، لكثرة النفقات فيها .

وهذا المال ، وهو المعروف في كثير من البلاد باسم " النقوط " ، هو قرض ، يجب رده في مثل هذه المناسبة ، كما جرى به عرف الناس ، بل إذا احتاجه باذله وطلبه : وجب رده إليه متى طلبه ، ولذلك لا يزال يذكره الباذل له ، ويقيده في أوراق خاصة بمثل هذا النوع من القروض .

وقد نص غير واحد من الفقهاء على أن " النقوط " دين ، يجب رده لصاحبه ، على ما جرى به العرف .

َسُئِلَ الفقيه الشافعي : ابن حجر الهيتمي عن حكم النقوط . فأجاب :

" َالنُّقُوطُ : أَفْتَى الْأَزْرَقِيُّ وَالنَّجْمُ الْبَالِسِيُّ بِأَنَّهُ قَرْضٌ ، فَيَرْجِعُ بِهِ دَافِعُهُ , وَخَالَفَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ ، وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يُعْطِي شَيْئًا مِنْهُ إلَّا بِقَصْدِ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ مِثْلُهُ ، إذَا عَمِلَ نَظِيرَ ذَلِكَ الْفَرَحِ , وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْعَادَةَ مُحْكَمَةٌ تُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ , وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ . " انتهى .

"الفتاوى الفقهية الكبرى" (3/265) .

وقال المرداوي ـ الحنبلي ـ :

" فَائِدَةٌ : قَالَ الْكَمَالُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ فِي " النُّقُوطِ " الْمُعْتَادِ فِي الْأَفْرَاحِ : قَالَ النَّجْمُ الْبَالِسِيُّ : إنَّهُ كَالدَّيْنِ لِدَافِعِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ , وَلَا أَثَرَ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ . فَإِنَّهُ مُضْطَرِبٌ . فَكَمْ يَدْفَعُ النُّقُوطَ , ثُمَّ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ ؟ انْتَهَى . (الإنصاف 8/315) .

والشاهد من النص أنه حكم بأن النقوط دين ، يجب رده إلى صاحبه ، حتى مع اضطراب العرف في شأنه ، فأما إذا كان العرف مضطردا برده والمطالبة به : فلا شك في أنه أقوى في القضاء بوجوب رده واعتباره دينا ، وهو ما بنى عليه الهيتمي ترجيحه فيما سبق نقله .

وسئل الشيخ عليش المالكي رحمه الله عن : " رَجُلٍ صَنَعَ عُرْسًا فَوَهَبَ لَهُ رَجُلٌ إرْدَبَّ قَمْحٍ هِبَةَ ثَوَابٍ , ثُمَّ بَعْدَ سِنِينَ طَلَبَ الْوَاهِبُ الثَّوَابَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِدَفْعِ الثَّوَابِ لِلْوَاهِبِ .. ؟ "

فقال في جوابه :

" نَعَمْ يُقْضَى عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِدَفْعِ الثَّوَابِ لِلْوَاهِبِ ، إنْ شَرَطَ ، أَوْ اُعْتِيدَ ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الدَّفْعِ لَا يَوْمَ الطَّلَبِ ، كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِ …

قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ : مَا يُهْدَى مِنْ الْكِبَاشِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ الْعُرْسِ : فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلطَّالِبِ بِالْمُكَافَأَةِ عَلَيْهِ ؛ لِلْعُرْفِ ، وَأَنَّ الضَّمَائِرَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُهْدِيهِ مِثْلَهَا إذَا كَانَ لَهُ عُرْسٌ …

وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ إذَا كَانَ لَهُ عُرْسٌ : أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ الصَّبْرُ حَتَّى يَحْدُثَ لَهُ عُرْسٌ ، وَنَحْوُهُ فِي الْبُرْزُلِيِّ . وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّتَّائِيِّ : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَيْهِ ، إنْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ . وَتَبِعَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَالْخَرَشِيُّ وَنَصُّهُ : وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّوَابَ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِيَدِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِ الْهِبَةِ ، وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ شَيْئِهِ مُعَجَّلًا , وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ عُرْسٌ انْتَهَى …" انتهى .

وفي السؤال التالي له :

" مَا قَوْلُكُمْ فِيمَنْ دَفَعَ لِآخَرَ نُقُوطًا فِي فَرَحٍ , ثُمَّ طَالَبَهُ بِهِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ مُعَجَّلًا , وَلَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَحْدُثَ لَهُ فَرَحٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ ؟

فَأَجَبْت : بِأَنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ مُعَجَّلًا ، لِلنَّصِّ الْمَذْكُورِ فِي الْجَوَابِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . " انتهى .

" فتح العلي المالك" (2/268) .

ثانيا :

ما جرت به العادة من رد هذا النقوط ، مع زيادة أخرى للمهدي ، تصبح دينا عنده ، ويصبح هو مدينا بهذا النقوط الجديد : الذي يظهر أنه لا بأس به ، إن شاء الله ؛ فإن هذه الزيادة التي جرى العرف بها : لن يتملكها الباذل الأول نظير القرض الذي بذله ( النقوط ) ؛ بل هي نوع من المكافأة والمواساة والعدل في المعاملة : فكما أن الباذل الأول أقرضك عند حاجتك ، فمن العدل أن تقرضه أنت عند حاجته ، وليس فقط أن ترد إليه دينه ، وهي تشبه ، من بعض الوجوه ، جمعية الموظفين : التي يقرض فيها كل واحد صاحبه ، على أن يقرضه الآخر إذا جاءت نوبته في استلامها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى : ( وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) الليل/19-21 : " والمعنى : لا يقتصر في العطاء على من له عنده يد يكافئه بذلك ؛ فإن هذا من العدل الواجب للناس بعضهم على بعض ، بمنزلة المعاوضة في المبايعة والمؤاجرة ، وهذا واجب لكل أحد على كل أحد ؛ فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى : لم يحتج إلى هذه المعادلة ، فيكون عطاؤه خالصا لوجه ربه الأعلى".

"منهاج السنة النبوية" (7/372) ، وينظر : "الفروع" لابن مفلح (4/638) ، "الاختيارت" ، لشيخ الإسلام (183) .

تنبيه :

إذا جرى العرف في بلد معين بأن ما يعطى في مثل هذه المناسبات إنما هو هبة محضة ، لا ينتظره باذله رده، ولا يطلب ثواباً عليه، فهذا ليس ديناً، ولا يجب على آخذه إحصاؤه ، ورده ، وإن كان يستحب له أن يكافئ المعطي على ذلك .

وهكذا إن قامت قرينة قوية على أن صاحبه لا ينتظر أن يسترد ما بذله ، كأن يكون أباً أو أخاً أو صديقاً حميماً أراد أن يهديه أو يواسيه بماله .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android