عاقبة من لم يلتزم بالدين
السؤال: 14296
ما هي عاقبة من لم يلتزم بالدين ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
كما تبين لك أن الإسلام
هو دين الله , وهو الدين الحق , وهو الدين الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين
وقد رتب الله الأجر العظيم في الدنيا والآخرة لمن آمن به , وتوعد بالعذاب الشديد
من كفر به .
وبما أن الله هو الخالق المالك المتصرف
في هذا الكون , وأنت أيها الإنسان خلق من خلقه ,وسخر لك جميع ما في الكون ,وشرع
لك شرعه , وأمرك باتباعه ,فإن آمنت وأطعت ما أمرك به ,وانتهيت عما نهاك عنه ,
فزت بما وعدك الله به في الدار الآخرة من النعيم المقيم , وسعدت في الدنيا بما
يمن عليك من أصناف النعم , وكنت متشبهاً بأكمل الخلق عقولاً , وأزكاهم نفوساً
, وهم الأنبياء والمرسلون والصالحون والملائكة المقربون .
وإن كفرت وعصيت ربك , خسرت دنياك وأخراك
, وتعرضت لمقته وعذابه في الدنيا والآخرة , وكنت متشبهاً بأخبث الخلق , وانقصهم
عقولاً ,وأحطهم نفوساً من الشياطين والظلمة والمفسدين والطواغيت , هذا على سبيل
الإجمال .
وسأبين لك شيئاً من عواقب الكفر على وجه
التفصيل وهي :
1-الخوف وعدم الأمن :
وعد الله الذين آمنوا به واتبعوا رسله بالأمن
التام في الحياة الدنيا وفي الآخرة , قال تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم
بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) سورة الأنعام /الآية 82 ,
والله هو المؤمن والمهيمن , وهو المالك لجميع ما في الكون , فإذا أحب عبداً لإيمانه
منحه الأمن والسكينة والطمأنينة , وإذا كفر به المرء سلبه طمأنينته وأمنه فلا
تراه إلاّ خائفاً من مصيره في الدار الآخرة وخائفاً على نفسه من الآفات والأمراض
, وخائفاً على مستقبله في الدنيا , ولذا يقوم سوق التأمين على النفس وعلى الممتلكات
, لعدم الأمن , ولعدم التوكل على الله .
2- المعيشة الضنك :
خلق الله الإنسان, و وسخر له جميع ما في
الكون , وقسم لكل مخلوق حظه من الرزق والعمر , فأنت ترى الطير يغدو من عشه ليجد
رزقه فيلتقطه , وينتقل من غصن إلى غصن , ويتغنى بأعذب الألحان , والإنسان مخلوق
من هذه المخلوقات التي قسم لها رزقها وأجلها , فإن آمن بربه , واستقام على شرعه
, منحه السعادة والاستقرار , ويسر له أمره , وإن لم يتوافر له إلاّ أدنى مقومات
الحياة .
وإن كفر بربه , واستكبر عن عبادته , جعل
حياته ضنكاً , وجمع عليه الهموم والغموم , وإن ملك جميع وسائل الراحة , وأصناف
المتاع . ألست ترى كثرة المنتحرين في الدول التي كفلت لأفرادها جميع وسائل الرفاهية
؟ ألست ترى الإسراف في أصناف الأثاث وأنواع الأسفار من أجل الاستمتاع بالحياة
؟ إن الذي يدفع إلى الإسراف في ذلك هو خلو القلب من الإيمان والشعور بالضيق والضنك
, ومحاولة تبديد هذا القلق بوسائل متغيرة ومتجددة , وصدق الله حيث يقول : ( ومن
أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى ) . سورة
طه / الآية 124.
3-أنه يعيش في صراع مع نفسه ومع الكون من
حوله :
ذلك أن نفسه فطرت على التوحيد قال تعالى
: ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ) سورة الروم / الآية 30 ,
وجسده استسلم لخالقه , وسار على نظامه فأبى الكافر إلاّ أن يناقض فطرته , ويعيش
في أموره الاختيارية معارضاً لأمر ربه , فلئن كان جسده مستسلماً , فإن اختياره
معارضاً .
وهو في صراع مع الكون من حوله , ذلك لأن
هذا الكون كله من أكبر مجراته إلى أصغر حشراته يسير على التقدير الذي شرعه له
ربه , قال تعالى ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً
أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ) سورة فصلت / الآية 11, بل هذا
الكون يحب من وافقه في استسلامه لله , ويكره من خالفه , والكافر هو النشاز في
هذا الخلق حيث نصب نفسه معارضاً لربه مظاهراً عليه ولذا حق للسماوات والأرض وسائر
المخلوقات أن تبغضه وتبغض كفره وإلحاده قال تعالى : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً
* لقد جئتم شيئاً إداً * تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال
هدّاً * أن دعوا للرحمن ولداً * وما ينبغي للرحمن أن يتّخذ ولداً * إن كل من
في السماوات والأرض إلاّ آتي الرحمن عبداً ) سورة مريم / 88, 93 , وقال
سبحانه عن فرعون وجنده : ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) سورة
الدخان / الآية 29 .
4- أنه يعيش جاهلاً :
إذ الكفر هو الجهل , بل هو أعظم الجهل ,
لأن الكافر يجهل ربه و يشاهد هذا الكون الذي خلقه ربه فأبدعه , ويرى من نفسه
عظيم الصنعة , وجليل الخلقة , ثم يجهل من خلق هذا الكون , ومن ركب نفسه , أليس
هذا أعظم الجهل ؟؟.
5- أن يعيش ظالماً لنفسه , ظالماً لمن حوله
:
لأنه سخر نفسه لغير ما خلقت له , ولم يعبد
ربه , بل عبد غيره , والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه , وأي ظلم أعظم من توجيه
العبادة لغير مستحقها , وقد قال لقمان الحكيم مبيناً شناعة الشرك : ( يا بني
لا تشرك بالله إن الشرك لظلم ) سورة لقمان / 13 .
وهو ظلم لمن حوله من البشر والمخلوقات ؛
لأنه لا يعرف لذي حق حقه , فإذا كان يوم القيامة قام في وجهه كل من ظلمه من إنسان
أو حيوان يطلب من ربه أن يقتص له منه .
6- أنه عرّض نفسه لمقت الله وغضبه بالدنيا
:
فيكون عرضة لأن تنزل به المصائب و تحل به
الكوارث ؛ عقوبة عاجلة قال جل ثناؤه ( أفأمِن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله
بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون – أو يأخذهم في تقلُّبهم فما هم
بمعجزين – أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم ) سورة النحل /
45-47 , وقال سبحانه : ( ولا يزال الذين كفروا تُصيبُهُم بما صنعوا قارعةُ أو
تحُلُّ قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ) سورة
الرعد / 31 , وقال عز من قائل : ( أو أمِن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً
وهم يلعبون ) سورة الأعراف / 98 .
وهذا شأن كل من أعرض عن ذكر الله , قال تعالى
مخبراً عن عقوبات الأمم الماضية الكافرة : ( فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا
عليهم حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا
وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) سورة العنكبوت /
40 , وكما ترى مصائب من حولك ممن حلت به عقوبة الله ونكاله .
7- أن تكتب له الخيبة والخسران :
فبسبب ظلمه خسر أعظم ما تتمتع به القلوب
والأرواح , وهو معرفة الله والأنس بمناجاته , والسكينة إليه , وخسر الدنيا لأنه
عاش فيها حياة بائسة حائرة , وخسر نفسه التي كان يجمع من أجلها ؛ لأنه لم يسخرها
لما خلقت له , ولم يسعد بها في الدنيا , لأنها عاشت شقية ,و ماتت شقية , وستبعث
مع الأشقياء قال تعالى : ( ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ) سورة
الأعراف / 9 , وخسر أهله ؛ لأنه عاش معهم على الكفر بالله , فهم مثله في
الشقاء والضنك سواء , ومصيرهم إلى النار , قال تعالى : ( إن الخاسرين الذين خسروا
أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) سورة الزمر / 15 , وسورة الشورى / 45 .
ويوم القيامة يحشرون إلى النار , وبئس القرار
, قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون – من دون الله
فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) سورة الصافات/الآيتان :22 , 23 .
أنه يعيش كافراً بربه جاحداً لنعمه :
فإن الله أوجده من عدم , وأسبغ عليه جميع
النعم , فكيف يعبد غيره , ويوالي سواه , ويشكر من دونه … وأي جحود أعظم من
هذا ؟ وأي نكران أشنع من هذا ؟ .
9- أنه يُحرم الحياة الحقيقية :
ذلك أن الإنسان الجدير بالحياة هو الذي
آمن بربه , وعرف غايته , وتبين مصيره , وأيقن بمبعثه , فعرف لكل ذي حق حقه ,
فلا يغمط حقاً , ولا يؤذي مخلوقاً , فعاش عيشة السعداء , ونال الحياة الطيبة
في الدنيا والآخرة قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه
حياة طيبة ) سورة النحل / 97 , وفي الآخرة : ( ومساكن طيبةً في
جنات عدن ذلك الفوز العظيم ) سورة الصف / 12 .
أما من عاش في هذه الحياة عيشة شبيهة بحياة
البهائم , فلا يعرف ربه , ولا يدري ما غايته , ولا يعلم أين مصيره ؟ بل غايته
أن يأكل ويشرب وينام … فأي فرق بينه وبين سائر الحيوانات بل هو أضل منها قال
جل ثناؤه : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهُمْ قُلُوب ٌ لاّ يفقهون
بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم
أضل أولئك هم الغافلون ) سورة الأعراف / 179 , وقال عز من قائل
: ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً
) سورة الفرقان / 44 .
10 – أنه يخلد في العذاب :
ذلك أن الكافر ينتقل من عذاب إلى عذاب فهو
يخرج من الدنيا – وقد تجرع غصصها ومصائبها – إلى الدار الآخرة , وفي أول مرحلة
منها تنزل به ملائكة الموت تسبقها ملائكة العذاب لتذيقه من العذاب ما يستحقه
, قال تعالى : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم
وأدبارهم ) سورة الأنفال / 50 , ثم إذا خرجت روحه ونزل في قبره
لقي من العذاب أشده قال تعالى مخبراً عن آل فرعون : ( النار يعرضون عليها غدواً
وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) سورة غافر / 46 ,
ثم إذا كان يوم القيامة وبعثت الخلائق , وعرضت الأعمال , ورأى الكافر أن الله
قد أحصى عليه جميع أعماله في ذلك الكتاب الذي قال الله عنه : ( ووضع الكتاب فترى
المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة
إلا أحصاها ) سورة الكهف / 49 , هناك يود الكافر لو كان تراباً ( يوم
ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ) سورة النبأ
/ 40 .
ولشدة هول الموقف فإن الإنسان لو كان يملك
جميع ما في الأرض لافتدى به من عذاب ذلك اليوم قال تعالى : ( ولو أن للذين ظلموا
ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به ) سورة الزمر / 47 ,
وقال تعالى : ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه – وصاحبته وأخيه –
وفصيلته التي تؤويه – ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه ) سورة المعارج / 11
– 14 .
ولأن تلك الدار دار جزاء وليست دار أماني
فلا بد أن يلقى الإنسان جزاء عمله إن خيراً فخير , وإن كان شراً فشر , وشر ما
يلقى الكافر في الدار الآخرة عذاب النار , وقد نوّع الله على أهلها أصناف العذاب
ليذوقوا وبال أمرهم فقال تعالى : ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون – يطوفون
بينها وبين حميم آن ) سورة الرحمن / 43 – 44 , وقال مخبراً عن
شرابهم وملابسهم : ( فالذين كفروا قُطعت لهم ثيابٌ من نَّارٍ يُصبُّ من فوق رءوسهم
الحميم – يُصْهَرُ به ما في بطونهم والجلود – ولهم مّقامع من حديد ) سورة
الحج / 91 – 21 .
المصدر:
من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤُه تأليف د . محمد بن عبد الله بن صالح السحيم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟