حددت الآية 11 من سورة النساء أن للمرأة نصف ما للرجل في الإرث . كما أني أفترض أن الحكم الذي يقضي بأن المرأة ترث نصف ما يرثه الرجل هو مبني على الأمر الموجود في الآية رقم 34 من سورة النساء التي تقضي بقوامة الرجل على المرأة . وسؤالي هو : ماذا يحصل إذا كانت المرأة هي المكتسب الأساسي للرزق (أي أنها هي التي تعمل) في العائلة (وليس الرجل) ؟ أو : ما هو الحكم إذا كانت المرأة وزوجها يتكسبان الرزق ويعمل كل واحد منهما ؟ فهل ينطبق عليها نفس الحكم أيضا ؟.
إذا كانت الزوجة تنفق على البيت هل يختلف نصيبها من الميراث
السؤال: 14357
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فإن للأنثى نصف الذكر في الميراث سواءً كانت تعمل وتنفق أم لا لأنّ هذا حكم الله تعالى قال عز وجل : ” يوصيكم الله في أولادكم للذكرمثل حظ الأنثيين ” النساء/11 يقضي بأنه إذا اجتمع رجل وامرأة وورثا من جهة واحدة أن للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويستثنى من ذلك ميراث الإخوة لأم في مسألة الكلالة ، الواردة في قوله تعالى : ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ” النساء/12
وصورة الكلالة : ألا يترك المتوفى أصلا ولا فرعا ، فإن كان له إخوة من أمه ، فللذكر مثل الأنثى ، قال القرطبي رحمه الله ( وهذا إجماع من العلماء ، وليس في الفرائض موضع يكون فيه الذكر والأنثى سواء إلا في ميراث الإخوة للأم ).
ولأهمية شأن الميراث ، تولى الله سبحانه وتعالى قسمته بنفسه ، ولم يتركه لاجتهاد مجتهد أو تأويل متأول ، ولهذا ختم الله الآية بقوله : ( فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ). وعقب سبحانه على أحكام الميراث بقوله : ( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم . ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) النساء/13-14.
ومن هذا يعلم أنه لا مجال لتغيير هذه الأحكام ولا تبديلها ، ولا الاقتراح عليها ، لأنها جاءت من عند الله العليم الحكيم ، الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة ، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
وقد استنبط بعض العلماء الحكمة من تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ، من قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء/34.
وقالوا : لما كان الرجل مكلفا بالنفقة على المرأة ، وعلى أولادها ، وخدمها ، وكانت هي معفاة من ذلك ، ناسب أن يزاد في نصيبه على نصيبها.
وهذه حكمة ظاهرة ولا شك . قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في ” أضواء البيان ” : ( لأن القائم على غيره المنفق ماله عليه مترقب للنقص دائما ، والمقوم عليه المنفق عليه المال مترقب للزيادة دائما ، والحكمة في إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة جبرا لنقصه المرتقب ظاهرة جدا . 1/308
وينبغي أن يكون معلوما أن الإسلام سبق جميع الاعراف والقوانين إلى تكريم المرأة وإنصافها ، ومنحها ذمة مالية مستقلة ، في حين ظلت المرأة الأوروبية إلى وقت قريب محرومة من حق التملك !
وما ورد في السؤال عن المرأة التي تقوم بالإنفاق أو تشارك فيه ، جوابه : أن المرأة غير مطالبة بذلك ، ولها الامتناع عن العمل ، أو الامتناع عن بذل مالها الذي كسبته بعملها ، ومطالبة زوجها بالنفقة والمسكن لها ولأولادها ، فإن امتنع الزوج من أداء هذا الحق ، كان لها طلب الطلاق . وإذا رضيت بالانفاق عليه ومشاركته مصاريف البيت وأعباء المعيشة فهذا إحسان منها تؤجر عليه وتُثاب . ولكن ليس بواجب عليها ولذلك لا يؤثر في نصيبها من الميراث .
وينبغي التنبه إلى أن هذه الزوجة ربما أخذت نصف تركة أبيها أو أمها ، إذا لم يكن لها أخ وارث ، وربما ورثت أخاها أو أختها ، إضافة إلى ما تستحقه من تركة زوجها بعد موته.
وقد يكون الزوج على عكس حالها تماما ، أعني أنه ورث شيئا قليلا من تركة أبيه أو أمه أو إخوانه ، أو لم يرث شيئا.
والغرض من هذا التنبيه ، بيان أن قوله تعالى ” للذكر مثل حظ الأنثيين ” متعلق بالذكر والأنثى من أبناء الميت ، وليس منطبقا على الزوج مع زوجته ؛ إذ لكل منهما جهة مستقلة يرث منها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الشيخ محمد صالح المنجد