توفي والدي من قرابة ثلاثة أشهر ، واتضح لنا من خلال رؤيا رأيناها أنه عليه ديْن من تصفية شراكة قديمة مع أحد الأشخاص ، مع العلم أن هذا الشخص صاحب الديْن قد توفي أيضا قبل أبي على حسب تفسير الرؤيا ، علماً أن الرؤيا قد فسرها أحد المشايخ الثقات ، وقد اجتهدنا وحاولنا بشتى الطرق في البحث عن أهل صاحب الديْن ولم نستطع أن نتعرف عليهم ، فأمَرَنا الشيخ بإخراجها صدقة عن صاحب الديْن ، هل هذا يبرىء ذمة والدي في قبره إن شاء الله ؟
رأوا والدهم في المنام فأخبرهم أن عليه ديناً لأحد الأشخاص؟
السؤال: 144693
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
مثل هذه الرؤيا لا يثبت بها الدَّين ، لأنها ليست حجة شرعية ، ولكن لا حرج من الاستئناس بها ، والعمل بها ، ففي ذلك إحسان من الورثة إلى ميتهم ، والأخذ بالأحوط له .
وقد رؤي ثابت بن قيس رضي الله عنه في المنام بعد موته ، وأوصى بأشياء ، فنفذ أبو بكر رضي الله عنه وصيته ، وذلك لأنه قامت قرائن على صحة تلك الرؤيا .
روى الحاكم أن ثابت بن قيس رضي الله عنه استشهد يوم اليمامة ، فلما استشهد، رآه رجل: فقال: إني لما قتلت، انتزع درعي رجل من المسلمين، وخبأه، فأكب عليه برمة [هي : القِدْر] ، وجعل عليها رَحْلاً [الرحل للبعير كالسرج للفرس] .
فائت الأمير، فأخبره، وإياك أن تقول: هذا حلم، فتضيعه، وإذا أتيت المدينة، فقل لخليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم : إن علي من الدين كذا وكذا، وغلامي فلان عتيق، وإياك
أن تقول: هذا حلم، فتضيعه، فأتاه، فأخبره الخبر، فنفذ وصيته، فلا نعلم أحدا بعد ما مات أنفذت وصيته غير ثابت بن قيس رضي الله عنه .
قالشيخالإسلامابنتيميةرحمهالله :
“وتصحالوصيةبالرؤياالصادقةالمقترنةبمايدلعلىصدقها،إقراراًكانتأوإنشاءً،لقصةثابتبنقيسالتينفذهاالصديقرضياللهعنه ” انتهى .
“الاختيارات ” ص273 .
فإذا عمل الورثة بمثل هذه الرؤيا ، فهو خير للميت بكل حال ، فإما أن يُقضى عنه الدين – إن كانت الرؤيا حقاً – وإما أن يكون صدقة عنه ، فينتفع به إن شاء الله .
قالالدكتورخالدبنبكربنإبراهيمآلعابد وفقه الله :
“لورُؤيَشخصبعدموتهيوصيهلتنفذوصيته؟ .
لمأقفعلىنصواضحفيالمسألةلكنومنخلالالنظرفيأصولالشريعة وقواعدهاالعامةومنخلالأقوالالعلماءفيالعملبالرؤىأقولمستعينابالله :
إنهذهالوصيةلاتخلومنحالتين :
الحالةالأولى: أنيوصيبفعلبرٍّ، كبناءمسجد، أوالتصدق، وماأشبهذلك .
الحالةالثانية : أنيوصيبفعلواجبعليه، كقضاءديْن، أوأداءأمانة، أوردعارية، أو
أداءزكاة، أوحج، وماأشبهذلكممالميعلمهالورثةولمتقمعليهبيِّنة .
فالحالةالأولى : إنرضيالورثةبإنفاذها: فلاإشكالعندئذٍ، فهيكالصدقةلمورثهم ، وإنفاذهالايقدحفيقواعدالشريعةالكلية، ولايخالفأصلاً ،فيعملبالرؤيااستئناساً، ولامانع منه .
أماإذالميرضالورثة: فيحرُمإنفاذالوصية؛ لأنهعندئذٍيؤدِّيإلىمخالفةقواعدالشريعة والنصوصالشرعية، وبيانه :
أنالملكيزولبالموت، والأصل: أنهلايحقللإنسانالتصرففيمالهبعدموته؛ لانتقال
الملكيةإلىالورثة، إلاأناللهمنَّعلىالمؤمنفجعللهالحقبأنيوصيبثلثمالهوينفذتصرفه فيهبعدموتهصدقةمنهعزوجل،وبعدالموتيفوتهذاالحق، فالإلزامبإنفاذالوصية التيرؤيتفيالنوم: ينافيماتقررفيالشريعةمنأنهلاينفذتصرفالإنسانفيمالايملك ، ومخالفلمقتضىآياتوأحاديثالمواريثالتيقسمتالتركةعلىالورثة، ولمتجعللغيرهم نصيباًفيها .
أماالحالةالثانية : فيمالوأوصىبواجبعليه، كمالورؤيفيالمناميقول: لفلانبن فلانعليَّألفٌفاقضوه، أولهأمانةكذاوكذافأدوه، أوعاريةكذافردوها، ثمبعدالتحققوجد الأمركماذكر، فالذييظهرلي: أنهيلزمإنفاذها؛ لدلالةالقرائنعلىذلك، ولأنهذامنالحقوق المتعلقةبذمةالميتفيجبأداؤهاعنه، بلهيمقدَّمةعلىالإرث ، ولايقال : إنهذافيهإثباتللحكمالشرعيبالرؤياإذااحتفتبالقرائن لأنانقول : إنوجوبقضاءالدَّيْنوأداءالأمانةوردالعاريةونحوها: ثابتبأصل الشرع، والرؤيالمااحتفتبالقرائنأظهرتهذاالحكم، فلميعملهنابمجردالرؤيابلبمااحتفت بهامنالقرائن، وهيمعتبرةشرعاًفيإثباتالأحكام” انتهى .
بحث بعنوان : ” الرؤىالصادقة ، حجيتهاوضوابطها ” ( ص 36 ، 37 ) ، وقد نشر في ” مجلةجامعةأمالقرى” ،ج١٩،ع٤٢،رمضان١٤٢٨هـ .
ثانياً:
إذا كان صاحب الحق قد توفي ، ولم تجدوا أحداً من ورثته تدفعون إليه المال ، فإنكم تتصدقون بهذا المال عن صاحبه ، وبهذا تبرأ ذمة والدكم من هذا المال ـ إن كانت الرؤيا حقاً .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
“وإن كان قد مات – أي : صاحب الحق – : فإنه يوصله إلى ورثته ؛ لأن المال بعد الموت ينتقل إلى الورثة ، فلابدَّ أن يسلِّمه للورثة ، فإن لم يعلمهم بأن جهلهم ولم يدر عنهم : تصدق به عنهم ، والله تعالى يعلمهم ، ويعطيهم حقهم” انتهى .
” شرح رياض الصالحين ” ( 2 / 509 ، 510 ) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب