0 / 0

حكم الأكل إلى الشبع وهل يعد إسرافاً؟

السؤال: 145160

جاء في القرآن قوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ، وجاء عند أحمد أن المقدام بن معد يكرب الكندي قال : إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (ما ملأ بن آدم وعاءً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه ، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه) رواه النسائي والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . سؤالي : هل يُفهم من هذا أنه من الأفضل للشخص أن لا يأكل إلا وجبة واحدة خلال اليوم؟ وأنه إذا أكل أكثر من ذلك ، فإنه يُعتبر مسرفاً مبغضا عند الله ؟ وماذا عن أيام الصيام؟ هل نأكل فقط في السحور ، ونكتفي فقط بثلاث تمرات وقت الإفطار؟ فبالنسبة لي شخصياً ، فإني أقتصر على شرب الحليب مخلوطاً بالعسل على الإفطار ، وعلى الغداء قطعة من اللحم ، ثم قطعة من الفواكه قبل النوم ، فهل يعتبر هذا إسرافاً يبغض الله من أجله؟ أرجو التوضيح والإرشاد .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

الإسراف مذموم في الأكل وغيره . قال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 ، وقال تعالى : (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141 ، وقال سبحانه : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29 ، وقال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26 ، 27 .

والفرق بين الإسراف والتبذير : "أن السرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي . والتبذير صرفه فيما لا ينبغي" قاله المناوي في "فيض القدير" (1/50) .

ثانيا :

الإسراف هو مجاوزة الحد ، ويكون ذلك بالأكل فوق الشبع ، وهذا لا يتحدد بوجبة أو وجبتين أو ثلاثة ، فقد يأكل الإنسان وجبة واحدة في اليوم ويسرف فيها . وقد يأكل ثلاث وجبات بغير إسراف .

وحديث المقداد فيه الحث على التقليل من الطعام والاكتفاء بما يقيم الصلب ، وليس فيه تعرض لعدد الوجبات ، فقد يأكل هذه اللقيمات ثلاث مرات في فطوره وغدائه وعشائه ، ويكون مقتصدا مقلا ، فإن أراد أن يتجاوز اللقيمات – في وجبته – فليجعل ثلثا لطعامه ، وثلثا لشرابه ، وثلثا لنفَسه ، فإن احتاج إلى وجبة أخرى – كما هو غالب حال الناس – فلا حرج في ذلك ، ويراعي فيها ما سبق أيضا ، وهكذا لو احتاج إلى ثلاث وجبات أو أربع ، وعدد الوجبات يختلف باختلاف الشخص ، ونوع الطعام ، وطبيعة المجهود الذي يبذله .

والمقصود هو حفظ البدن ، وعدم الإضرار به ، سواء بالشبع أو بالجوع .

والمقصود أيضا : التقوي على الطاعة ، وهذا يحصل بالأكل المعتدل ، لا بالتخمة المُثقلة ، ولا بالجوع المنهك .

قال القرطبي رحمه الله في تفسير آية آل عمران : "قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) قال ابن عباس : أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة . فأما ما تدعو الحاجة إليه ، وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ ، فمندوب إليه عقلا وشرعا ، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس ، ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال ، لأنه يضعف الجسد ويميت النفس ، ويضعف عن العبادة ، وذلك يمنع منه الشرع وتدفعه العقل . وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظ من بر ولا نصيب من زهد ، لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز والضعف أكثر ثوابا وأعظم أجرا.

وقد اختلف في الزائد على قدر الحاجة على قولين : فقيل حرام ، وقيل مكروه . قال ابن العربي : وهو الصحيح ، فإنّ قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والأسنان والطعمان. ثم قيل : في قلة الأكل منافع كثيرة ، منها أن يكون الرجل أصح جسما وأجود حفظا وأزكى فهما وأقل نوما وأخف نفسا. وفي كثرة الأكل كظ المعدة ونتن التخمة ، ويتولد منه الأمراض المختلفة ، فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل. وقال بعض الحكماء : أكبر الدواء تقدير الغذاء " انتهى من "تفسير القرطبي" (7/ 191).

وفي الموسوعة الفقهية (25/ 332) : "من آداب الأكل : الاعتدال في الطعام ، وعدم ملء البطن ، وأكثر ما يسوغ في ذلك أن يجعل المسلم بطنه أثلاثا : ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس ؛ لحديث : (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه) . ولاعتدال الجسد وخفته ؛ لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن ، وهو يورث الكسل عن العبادة والعمل . ويُعرف الثلث بالاقتصار على ثلث ما كان يشبع به . وقيل : يعرف بالاقتصار على نصف المد ، واستظهر النفراوي الأول لاختلاف الناس . وهذا كله في حق من لا يضعفه قلة الشبع ، وإلا فالأفضل في حقه استعمال ما يحصل له به النشاط للعبادة ، واعتدال البدن .
وفي الفتاوى الهندية : الأكل على مراتب :

فرض : وهو ما يندفع به الهلاك ، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى .
ومأجور عليه ، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما ، ويسهل عليه الصوم .
ومباح ، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن ولا أجر فيه ولا وزر ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل .
وحرام ، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد ، أو لئلا يستحي الضيف فلا بأس بأكله فوق الشبع .
وقال ابن الحاج : الأكل في نفسه على مراتب : واجب ، ومندوب ، ومباح ، ومكروه . ومحرم . فالواجب : ما يقيم به صلبه لأداء فرض ربه ؛ لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب .
والمندوب : ما يعينه على تحصيل النوافل وعلى تعلم العلم وغير ذلك من الطاعات .
والمباح : الشبع الشرعي . والمكروه : ما زاد على الشبع قليلا ولم يتضرر به ، والمحرم : البطنة . وهو الأكل الكثير المضر للبدن .
وقال النووي : يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه .
وقال الحنابلة : يجوز أكله كثيرا بحيث لا يؤذيه ، وفي الغنية : يكره مع خوف تخمة . ونُقل عن ابن تيمية كراهة الأكل المؤدي إلى التخمة كما نقل عنه تحريمه " انتهى .

ثالثا :

تبين مما سبق أنه لا حرج في تناول أكثر من وجبة طعام في اليوم ، وأن ذلك بمجرده لا يعد إسرافا ، بل الإسراف أن يأكل فوق الشبع ولو في وجبة واحدة .

ومما يدل على جواز الوصول إلى حد الشبع ، وأن المكروه أو المحرم ما جاوزه : ما روى البخاري (5381) ومسلم (2040) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ : لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ وفيه قصة تكثير الطعام بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا ، وَالْقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا) .

وقد بوب عليه البخاري في صحيحه : باب من أكل حتى شبع .

وأورد فيه أيضا قول عَائِشَةَ رضى الله عنها : (تُوُفِّىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ : التَّمْرِ وَالْمَاءِ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "  قَالَ اِبْن بَطَّالٍ : فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز الشِّبَع وَأَنَّ تَرْكه أَحْيَانَا أَفْضَل … قَالَ الطَّبَرِيُّ : غَيْر أَنَّ الشِّبَع وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَإِنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ , وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سَرَف ; وَالْمُطْلَق مِنْهُ مَا أَعَانَ الْآكِل عَلَى طَاعَة رَبّه وَلَمْ يَشْغَلهُ ثِقَله عَنْ أَدَاء مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ا هـ … قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم لِمَا ذَكَرَ قِصَّة أَبِي الْهَيْثَم إِذْ ذَبَحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِصَاحِبَيْهِ الشَّاة فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا : وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الشِّبَع , وَمَا جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْهُ مَحْمُول عَلَى الشِّبَع الَّذِي يُثْقِل الْمَعِدَة وَيُثَبِّط صَاحِبه عَنْ الْقِيَام لِلْعِبَادَةِ وَيُفْضِي إِلَى الْبَطَر وَالْأَشَرّ وَالنَّوْم وَالْكَسَل , وَقَدْ تَنْتَهِي كَرَاهَته إِلَى التَّحْرِيم بِحَسَبِ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ الْمَفْسَدَة " انتهى من "فتح الباري".

رابعا :

ما ذكرته عن صفة فطورك وغدائك وعشائك لا يعد إسرافا .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android