هل من مات بالسرطان نتيجة شربه الدخان له منزلة الشهداء ؟!
السؤال: 145203
سمعت أن من مات بسبب السرطان أو حرقاً أو غرقاً فإنه يدخل الجنة ، فهل هذا صحيح ؟ فإني أعرف شخصاً قضى حياته مدخناً ثم مات بسبب سرطان في الحلق ، ولكن الأطباء لم يقولوا إن السرطان الذي أصابه هو بسبب التدخين .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
ثبت في صحيح السنَّة أنواع من الشهداء لهم منازل الشهداء في الآخرة ، وهذا من فضل
الله تعالى ورحمته .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الشُّهَدَاءُ
خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ
وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
رواه البخاري ( 2674 ) ومسلم ( 1914 ) .
وعن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ ؟
) قَالُوا : الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ . الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ . وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ . وَصَاحِبُ ذَاتِ
الْجَنْبِ شَهِيدٌ . وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ . وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ .
وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ . وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ
شَهِيدٌ ) .
رواه أبو داود ( 3111 ) والنسائي ( 1846 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ”
.
قال
الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
قال
ابن التين : هذه كلها ميتات فيها شدة ، تَفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه و
سلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم ، وزيادة في أجورهم ، يبلغهم بها مراتب الشهداء .
”
فتح الباري ” ( 6 / 44 ) .
وانظر شرح الحديثين في جوابي السؤالين : (
45669 ) و (
10903 ) .
وقد
جعل بعض العلماء ” المرض ” داخلاً في تلك الأنواع ، ولم يصحَّ في ذلك حديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، وما استدلوا به فهو ضعيف جدّاً أو موضوع ، وهو :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَاتَ مَرِيضًا مَاتَ شَهِيدًا وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ
وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنْ الْجَنَّةِ ) .
رواه ابن ماجه ( 1615 ) وحكم عليه ابن الجوزي والألباني بالوضع ، كما في ” السلسلة
الضعيفة ” ( 4661 ) .
ثانياً:
من
مات بمرض ” السرطان ” فقد مال بعض أهل العلم إلى أنه يدخل في أنواع الشهداء الوارد
ذكرهم في الحديث ، على اعتبار أن ” المبطون ” عام لكل من مات بداء في بطنه ، وأن
ذلك ليس خاصا بداء معين .
قال
النووي رحمه الله :
“وَأَمَّا ( الْمَبْطُون ) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن , وَهُوَ الْإِسْهَال .
قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي بِهِ الِاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ
الْبَطْن , وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه , وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي
يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا ” . انتهى . ” شرح صحيح مسلم ” للنووي .
لكن
ينبغي أن ينتبه إلى أن ذلك الإلحاق مقيد بشرطين :
الأول : أن يكون موضع السرطان في ” البطن ” ، فيصدق عليه أنه ” مبطون ” .
سئل
الشيخ عبد المحسن العبَّاد – حفظه الله – :
هل
يدخل من يموت بالسرَطان في ” المبطون ” ؟ .
فأجاب :
لا
؛ لأن السرطان لا يكون دائماً في البطن ، فقد يكون في غير البطن
.
”
شرح سنن أبي داود ” ( شريط رقم 230 ) .
وبما أن صاحبك كان موضع السرطان في ” حلقه ” فهو غير داخل في أي نوع من أنواع أولئك
الشهداء .
الثاني : أن لا يكون ذلك المرض بسبب تناوله الدخان أو المخدرات أو الخمور ، وغيرها
من المحرمات ، إلا أن يكون قد تاب من ذلك توبة نصوحاً ، وامتنع عن تناول تلك
المحرمات .
وهذا الشرط عام في كل من ذُكر في الحديث ، فالحامل من زنا وتموت في الطلق ليست من
الشهداء ، والغريق إذا ركب البحر لمعصية أو فجور ومات غرقاً ليس من الشهداء ، وهكذا
من تهدم عليه حائط وهو يزني أو يشرب الخمر لا يكون من الشهداء ، وقد ذكرنا في جواب
السؤال رقم (
45669 ) عن علماء اللجنة الدائمة أن مات نتيجة حادث سيارة وهو داخلها أنه يدخل
في ” صاحب الهدم ” فيكون شهيداً بإذن الله ، لكن ذلك لا ينطبق على أولئك الشباب
المتهورين الذين حصل معهم هذا وهم ” يفحطون ” بسياراتهم ، ولا على أولئك المتسابقين
في ظروف صعبة في الجبال والأودية وعلى الثلوج .
وفي
جواب السؤال رقم (
22140 ) نقلنا عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن الغريق العاصي في ركوبه البحر لا
يكون شهيداً .
وقال – رحمه الله – في موضع آخر :
ومن
أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك وجب عليه الكف عن سلوكها ، فإن
لم يكف فيكون أعان على نفسه ، فلا يكون شهيداً .
”
الفتاوى الكبرى ” ( 5 / 381 ) .
وقال السيوطي – رحمه الله – :
قال
القرطبي : وهذا والذي قبله – أي : صاحب الهدم والغريق – إذا لم يغررا بنفسيهما ،
ولم يهملا التحرز ، فإن فرَّطا في التحرز حتى أصابهما ذلك : فهما عاصيان .
”
الديباج على مسلم ” ( 4 / 508 ) .
وفي
” الموسوعة الفقهية ” ( 26 / 273 ، 274 ) :
واستثني من الغريب : العاصي بغربته ، ومن الغريق : العاصي بركوبه البحر ، كأن كان
الغالب فيه عدم السلامة ، أو ركوبه لإتيان معصية من المعاصي ، ومن الطلْق : الحامل
بزنى” . انتهى .
وإذا كان شهيد المعركة الذي يُقتل بالسيف ، إن كان قاتل عصبية أو حمية أو رياء ، لا
يكون له فضل الشهداء ولا مرتبتهم ، فأولى أن لا يكون لأولئك ذلك الأجر الجزيل .
والخلاصة :
أن
مرض السرطان بحد ذاته لا يدخل الميت بسببه في أنواع الشهداء ، إلا أن يكون المرض في
بطنه ، وأن ذلك ليس منصوصا في الحديث ، وإنما هو اجتهاد لبعض أهل العلم في فهم معنى
” المبطون ” ، وأن من كان مرضه بسبب الدخان أو غيره ، ومات منه قبل التوبة ، فلا
يكون شهيداً بذلك ، ولو كان موضع المرض في بطنه ، فإن كان المرض في بطنه ولم يكن
بسبب فعل محرَّم ، رجونا له كان له منزلة الشهداء في الآخرة ، إن شاء الله .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة