متى تقوم شهادة امرأتين مقام شهادة رجل ؟ وما الفرق بين الشهادة والرواية ؟
السؤال: 145288
هل تساوي شهادة المرأتين شهادة الرجل الواحد في كل الأحوال ؟ وإذا كانت كذلك : فكيف سيعاقب المجرم إذا كان الشاهد على الجريمة امرأة واحدة أو أربع شاهدات على الزنا ؟ .
وماذا عن السيدة عائشة رضي الله عنها والتي روت الكثير من الأحاديث على عهدتها دون التثبت من أي راو آخر (على سبيل المثال : كثير من الأحاديث المتعلقة بالعلاقات الزوجية) .
شكراً ، وجزاكم الله خيراً على جهادكم في سبيله ، آمين .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
أ.
قصر جمهور الفقهاء قبول المرأتين بدلاً من رجل على الشهادة على ما هو مال أو بمعنى
المال ، كالبيع ، والإقالة ، والحوالة ، والضمان ، والحقوق المالية ، كاشتراط
الخيار في البيع أو الأجل … ونحو ذلك .
ب.
وأضاف إليه الحنفية : شهادتهما على النكاح والطلاق والنسب .
قال
ابن حجر رحمه الله تعالى :
وقول الله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) قال
ابن المنذر : أجمع العلماء على القول بظاهر هذه الآية ، فأجازوا شهادة النساء مع
الرجال ، وخص الجمهور ذلك بالديون والأموال ، وقالوا : لا تجوز شهادتهن في الحدود
والقصاص ، واختلفوا في النكاح والطلاق والنسب والولاء فمنعها الجمهور ، وأجازها
الكوفيون” انتهى .
”
فتح الباري ” ( 5 / 266 ) .
مع
التنبيه على أن مذهب الحنفية ورواية عن أحمد أن لا تكون الشهادة كلها من نساء ، بل
يشترطون وجود رجل فيها .
قال
ابن قدامة رحمه الله :
وعن
أحمد أنه قال : ” إذا تزوج بشهادة نسوة : لم يجز ، وإن كان معهن رجل : فهو أهون ” ،
فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك ، وهو قول أصحاب الرأي ، ويروى عن الشعبي
؛ لأنه عقد معاوضة ، فانعقد بشهادتهن مع الرجال كالبيع .
”
المغني ” ( 7 / 337 ) .
وفي
” الموسوعة الفقهية ” ( 26 / 227 ) :
وقال الحنفية : ما يقبل فيه شاهدان ، أو شاهد وامرأتان : هو ما سوى الحدود والقصاص
سواء أكان الحق مالا أم غير مال ، كالنكاح والطلاق والعتاق والوكالة والوصاية .
انتهى
ج.
وأكثر أئمة العلم – ومنهم الأئمة الأربعة – على عدم قبول شهادة النساء في الحدود ،
فلا تقوم المرأتين مقام الرجل ، وخالف فيه الظاهرية ، فقالوا : إن شهادة المرأتين
تقوم مقام شهادة الرجل في كل شيء ، واختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه
الله .
وانظر : “المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد السعدي” ( 4 / 188 ، 189 ) .
جاء
في ” الموسوعة الفقهية ” ( 24 / 37 ) :
ذهب
جمهور الفقهاء ( الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ) إلى اشتراط الذكورة في
شهود الزنى ، فلا بد أن يكونوا رجالا كلهم ، للنصوص السابقة .
ولا
تقبل شهادة النساء في الزنى بحال ؛ لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكورين ، ويقتضي أن
يكتفي به بأربعة ، ولا خلاف في أن الأربعة إذا كان بعضهم نساء لا يكتفى بهم ، وأن
أقل ما يجزئ خمسة ، وهذا خلاف النص : ( أَنْ تَضِل إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ
إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى ) البقرة/ 282 ، والحدود تدرأ بالشبهات .
وقال ابن عابدين : لا مدخل لشهادة النساء في الحدود . انتهى
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أن المرأتين تقومان مقام الرجل في كل شيء إلا
في الحدود ، وهو مذهب الحنفية ، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها بعض أصحابه .
قال
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
“وقال بعض أهل العلم : بل إن المرأتين تقومان مقام الرجل إلا في الحدود ؛ من أجل
الاحتياط لها ، واستدل هؤلاء بعموم قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم : (أَلَيْسَ
شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ) – متفق عليه – وأطلق ولم
يفصل ، ثم إن الله تعالى ذكر العلة في اشتراط العدد في النساء ، وهي : أن تضل
إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ، ولم يذكر أن العلة المال ، بل العلة : أن تقوَى
المرأة بالمرأة فتذكِّرَها إذا نسيت ، وهذا يكون في الشهادة في الأموال وفي غير
الأموال ، إلا ما سُلِكَ فيه طريق الاحتياط ، ويكون كذلك في المرأة معها رجل أو ليس
معها رجل ، وهذا القول هو الراجح ، فالقول الصحيح : أن المرأتين تقومان مقام الرجل
مطلقاً ، إلا في الحدود ؛ للاحتياط لها ؛ لقوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) النور/ 4 ، فهو نص صريح في وجوب الذكورية” انتهى .
“الشرح الممتع على زاد المستقنع” ( 15 / 453 ) .
وانظر جوابي السؤالين : (
114877 ) و (
20051 ) .
ثانياً:
أما
قول الأخ السائل ”
فكيف سيعاقب المجرم إذا كان الشاهد على الجريمة امرأة واحدة أو أربع شاهدات على
الزنا ؟ ” : فالجواب عليه : أن هذا مثل : إذا شهد رجل واحد على آخر بالقتل ، ومثل :
شهادة ثلاثة رجال على آخر بالزنى ، فكيف سنعاقب المشهود عليهم ؟ بل في الحالة
الثانية نعاقب الشهود الثلاثة بحد القذف ، فما دام العدد المطلوب في الشهادة لم يتم
فلا تثبت الجريمة على المتهم ، فلا عقاب عليه ، والإسلام ليس متشوقاً إلى عقاب
الناس وقتلهم ، ومن القواعد المتفق عليها بين أهل العلم “أن الحدود تدرأ بالشبهات”
، فلا يحتاط بإقامة الحد ، بل يحتاط بعدم إقامته .
ويكفي وجود العقوبة وتنفيذها في بعض الحالات الضيقة حتى تردع العصاة .
ثالثاً :
قول
الأخ السائل ” وماذا عن السيدة عائشة رضي الله عنها والتي روت الكثير من الأحاديث
على عهدتها دون التثبت من أي راو آخر ” : فهناك فرق بين الرواية والشهادة.
قال
الإمام الشافعي رحمه الله :
قد
يخالف الشهادات في أشياء ويجامعها في غيرها .
قلت
: وأين يخالفها ؟ .
قلت
: أقبل في الحديث : الواحد ، والمرأة ، ولا أقبل واحداً منهما وحده في الشهادة ،
وأقبل في الحديث : حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلِّسا ، ولا أقبل في الشهادة
إلا : سمعت ، أو رأيت أو أشهدني .
”
الرسالة ” ( ص 372 ، 373 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله :
“إن
عماد الرواية الصدق ومعقول أن يشدد فيها فيما يتعلق به ما لم يشدد في الشهادة وقد
خفف في الرواية في غير ذلك ما لم يخفف في الشهادة ، تقوم الحجة بخبر الثقة ولو
واحداً أو عبداً أو امرأةً” انتهى .
”
التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ” ( 1 / 218 ) .
بل
ذكر السيوطي رحمه الله أكثر من عشرين فرقاً بين الشهادة والرواية .
ومما قاله رحمه الله :
وأما الأحكام التي يفترقان فيها – ( أي : الشهادة والرواية ) – فكثيرة ، لم أر من
تعرض لجمعها ، وأنا أذكر منها ما تيسر :
الأول
:
العدد ، لا يشترط في الرواية بخلاف الشهادة ، وقذ ذكر ابن عبد السلام في مناسبة ذلك
أموراً ، أحدها : أن الغالب من المسلمين مهابة الكذب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم بخلاف شهادة الزور ، الثاني : أنه قد ينفرد بالحديث راو واحد فلو لم يقبل لفات
على أهل الإسلام تلك المصلحة بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد ، الثالث : أن بين
كثير من المسلمين عداوات تحملهم على شهادة الزور بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه
وسلم .
الثاني
:
لا تشترط الذكورية فيها مطلقاً ، بخلاف الشهادة في بعض المواضع .
الثالث
:
لا تشترط الحرية فيها ، بخلاف الشهادة مطلقاً … إلخ .
”
تدريب الراوي ” ( 1 / 332 ) .
وقد
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالاً مطابقاً لسؤالك ، فننقل السؤال والجواب
لفائدته .
السؤال :
لماذا نسلِّم بقبول رواية امرأة واحدة للحديث مع أننا في الشهادة في الحالات
العادية نطبق قول الله عز وجل : (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا
فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282 ، وفي علم الحديث يُطلب التثبت
أكثر ، وخاصة أن هناك أحاديث كثيرة جدّاً في الصحيحين عن عائشة ، فهل يعتمد مثلا
قول ابن حجر في تجريح رجل ولا يؤخذ قول الله عز وجل : (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا)
.
نسأل الله عز وجل أن يوفقكم في الرد الشافي على هذا الموضوع الذي يراودني دائما ولا
أحدث به أحداً ؟ .
فأجابوا :
“أولاً : الصحيح أنه لا يشترط في قبول الرواية العدد ، بل يكفي في أداء الحديث
وقبوله : واحد ، سواء كان رجلاً أو امرأة ، إذا كان عدلاً ضابطاً مع اتصال السند
وعدم الشذوذ والعلة القادحة ؛ لاكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم في البلاغ بإرسال
واحد كمعاذ بن جبل إلى اليمن ، ودحية الكلبي بكتابه إلى هرقل ، ونحو ذلك ، وكعلي بن
أبي طالب إلى مكة في السنة التاسعة من الهجرة لينادي الناس في موسم الحج ألا يحج
بعد العام مشرك وألا يطوف بالبيت عريان ، وأما النساء : فقد أمر الله تعالى نساءَ
النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلِّغن ما يُتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة ،
فقال تعالى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) الأحزاب/ 34 ، ولولا قبول
روايتهن للقرآن والسنَّة لما أمرهن بالبلاغ ، وقد كانت إحداهن تشترك أحياناً مع
أخرى في البلاغ ، وتنفرد به أحياناً ، كما هو واضح لمن تتبع الروايات عنهن ، ولم
يُنكِر ذلك أحدٌ عليهن ، ولا على من أخذ عنهن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولا في عهد أصحابه رضي الله عنهم ، فكان قبول الرواية عنهن وعن إحداهن ثابتاً
بالكتاب وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع صحابته رضي الله عنهم ، واستمر على
ذلك العمل في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير وفيما
بعدها ، بل أجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم على قبول رواية المرأة مطلقاً ،
منفردة ، ومشتركة مع غيرها كالرجل ، إذا توفر فيها شروط القبول .
ثانياً : ليست الشهادة والرواية على حدٍّ سواء من كل وجه ، بل تفترقان في أمور منها
: أن الرواية إخبار عن أمر عام للراوي وغيره لا ترافع فيه إلى الحكام ، بخلاف
الشهادة فإنها في قضايا عينية تخص المشهود عليه وله ، يترافع في مثلها إلى الحكام
غالباً .
ومنها : أن الرواية لا يشترط في قبولها العدد كما تقدم ، بخلاف الشهادة فقد يشترط
فيها أربعة من الرجال كما في حد الزنا والقذف ، وقد يشترط رجلان كما في القتل عمداً
، وقد يكتفى برجل وامرأتين كما في الحقوق المالية ، وقد يُكتفى بامرأة واحدة ، كقول
المرضعة في ثبوت الرضاع .
ومنها : أن الشهادة لكونها خاصة بالمشهود عليه والمشهود له لا تتعداهما إلا
بالتبعية المحضة ردت بالقرابة والعداوة وتطرق التهم ، بخلاف الرواية فإنها يكفي
فيها ما يغلب على الظن صدق المخبر من العدالة والضبط ، سواء كان الراوي رجلاً أم
امرأة ، واحداً أم أكثر .
ومنها : أن بين كثير من المسلمين عداوة قد تحمله على شهادة الزور ، بخلاف الرواية
عنه صلى الله عليه وسلم .
قال
ابن القيم في الجزء الأول من ” بدائع الفوائد ” :
الفرق بين الشهادة والرواية : أن الرواية يعم حكمها الراوي وغيره على ممر الزمان ،
والشهادة تخص المشهود عليه وله ولا تتعداهما إلا بطريق التبعية المحضة ، فإلزام
المعين يتوقع منه العداوة وحق المنفعة والتهمة الموجبة للرد ، فاحتيط لها بالعدد
والذكورية ، وردت بالقرابة والعداوة وتطرق التهم ، ولم يُفعل مثل هذا في الرواية
التي يعم حكمها ولا يخص ، فلم يشترط فيها عدد ولا ذكورية ، بل اشترط فيها ما يكون
مغلبا على الظن صدق المخبر ، وهو العدالة المانعة من الكذب ، واليقظة المانعة من
غلبة السهو والتخليط ، ولما كان النساء ناقصات عقل ودين : لم يكنَّ من أهل الشهادة
، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك : قويت المرأة بمثلها ؛ لأنه حينئذ أبعد من سهوها وغلطها
لتذكير صاحبتها لها . اهـ .
ثالثاً : الذين قاموا بنقد رواة أحاديث دواوين السنة ودواوين السيرة والتاريخ
تعديلاً وجرحاً جماعة من أئمة الحديث معروفون ، لهم بصيرة ثاقبة في ذلك ، عاصروا من
نقدوهم وحكموا فيهم بما عرفوا عنهم ، ولم يفرقوا في منهج نقدهم بين رجل وامرأة ، بل
هما سواء لديهم في الجرح والتعديل ، أما من جاء بعدهم ممن لم يعاصر أولئك الرواة
كابن حجر العسقلاني رحمه الله : فإن شأنه مع أولئك الرواة نقل أقوال من عاصرهم من
الأئمة فيهم ، ومناقشة سندها إليهم ، والترجيح بينها إذا تعارضت ، ونحو ذلك ،
تعديلهم أو تجريحهم ؛ لعدم معاصرته إياهم” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
”
فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 4 / 360 – 364 ) .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة