تنزيل
0 / 0

حكم القيام للجنازة

السؤال: 145445

هناك حديث في صحيح مسلم يقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف لنعش يهودي أثناء مروره عليه ، وهناك أيضا حديث في صحيح مسلم يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف لنعش الميت في المقابر حتى يوضع الميت في القبر ، كما أن هناك حديثا في صحيح مسلم يقول بأن وقوف النبي صلى الله عليه وسلم هذا في المقابر قد نُسخ ، وبأنه كان بعد ذلك يجلس حتى يوضع الميت في القبر .
هل نسخ أيضا الحديث الأول الذي ينص على الوقوف لنعش الميت أثناء مروره بعيدا عن المقابر ، أم إن النسخ خاص فقط بالوقوف له في المقابر ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يمكننا تقسيم البحث فيما ورد في السؤال إلى مسألتين :

المسألة الأولى : حكم قيام من مرت به الجنازة وهو جالس .

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :

القول الأول : كراهة القيام للجنازة لمن مرت به ولو كان في المقبرة سابقا ، وهو
المعتمد في مذهب الحنفية والحنابلة ، ونقله بعض الشافعية عن جمهور الأصحاب .

قال
ابن الهمام الحنفي رحمه الله :


القاعد على الطريق إذا مرت به ، أو على القبر إذا جيء به : فلا يقوم لها , وقيل
يقوم , واختير الأول ؛ لما روي عن علي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا
بالقيام في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك  وأمرنا بالجلوس . بهذا اللفظ لأحمد ” انتهى.


فتح القدير ” (2/135)

وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله :


يكره القيام للجنازة إذا مرت به ولم يرد الذهاب معها كما صرح به في ” الروضة “،
وجرى عليه ابن المقري ، خلافا لما جرى عليه المتولي من الاستحباب ” انتهى.


مغني المحتاج ” (2/20)، وعزاه النووي رحمه الله في ” المجموع ” (5/241) إلى الإمام
الشافعي وجمهور الأصحاب .

وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :

” (
وإن جاءت ) الجنازة ( وهو  جالس أو مرت به ) وهو جالس ( كره قيامه لها ) لحديث ابن
سيرين قال : مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس , فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ،
فقال الحسن لابن عباس : أما قام لها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال ابن عباس : قام
ثم قعد . رواه النسائي ” انتهى.


كشاف القناع ” (2/130)

القول الثاني : يستحب قيام مَن مَرَّت به الجنازة ، وهو القول الآخر عند الشافعية ،
ومذهب ابن حزم الظاهري .

قال
الإمام النووي رحمه الله :


هذا الذي قاله صاحب ” التتمة ” هو المختار – يعني الاستحباب – , فقد صحت الأحاديث
بالأمر بالقيام , ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي رضي الله عنه ، وهو ليس
صريحا في النسخ , بل ليس فيه نسخ ؛ لأنه محتمل القعود لبيان الجواز ، والله أعلم ”
انتهى.


المجموع ” (5/241)

وقال الإمام الرملي رحمه الله :


لو مرت عليه جنازة استحب القيام لها على ما صرح به المتولي , واختاره المصنف – يعني
الإمام النووي – في ” شرحي المهذب ومسلم ” , وجزم ابن المقري بكراهته ” انتهى.


نهاية المحتاج ” (2/467)

وقال ابن حزم رحمه الله :


نستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء – وإن كانت جنازة كافر – حتى توضع أو تخلفه ,
فإن لم يقم فلا حرج ” انتهى.


المحلى ” (3/380)

واستدلوا بما يلي :

1- عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى
تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ )

رواه مسلم (958)

2- وعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى : أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ
كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ فَقَامَا ، فَقِيلَ
لَهُمَا : إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَقَالَا : ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ ، فَقِيلَ :
إِنَّهُ يَهُودِيٌّ ؟ فَقَالَ : أَلَيْسَتْ نَفْسًا )

رواه مسلم (960)

وأجابوا عن أدلة القول الأول بأن قعود النبي صلى الله عليه وسلم ليس صريحا في النسخ
، إذ قد يكون لبيان الجواز كما سبق نقله في كلام النووي رحمه الله .

قال
ابن حزم رحمه الله :


فكان قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام مبينا أنه أمر ندب , وليس يجوز أن
يكون هذا نسخا ; لأنه لا يجوز ترك سنة متيقنة إلا بيقين نسخ , والنسخ لا يكون إلا
بالنهي , أو بتركٍ معه نهي ؟ 

فإن
قيل : قد رويتم من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن واقد بن عمرو بن سعد
بن معاذ قال : قمت إلى جنب نافع بن جبير في جنازة , فقال لي : حدثني مسعود بن الحكم
، عن علي بن أبي طالب قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقيام . ثم أمرنا
بالجلوس .

فهلا قطعتم بالنسخ بهذا الخبر ؟

قلنا : كنا نفعل ذلك , لولا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، أنا يوسف بن سعيد ، نا
حجاج بن محمد هو الأعور ، عن ابن جريج ، عن ابن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي
هريرة , وأبي سعيد الخدري قالا جميعا : ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد
جنازة قط فجلس حتى توضع .

فهذا عمله عليه السلام المداوم , وأبو هريرة وأبو سعيد ما فارقاه عليه السلام حتى
مات , فصح أن أمره بالجلوس إباحة وتخفيف , وأمره بالقيام وقيامه ندب ” انتهى.


المحلى ” (3/380-381) .

المسألة الثانية : حكم بقاء المشيعين للجنازة قياما في المقبرة حتى يوضع الميت في
قبره

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :

القول الأول : استحباب القيام وكراهة الجلوس ، وهو المعتمد في مذهب الحنفية
والحنابلة ، واختاره بعض الشافعية .

قال
ابن الهمام الحنفي رحمه الله :

” (
وإذا بلغوا إلى قبره يكره أن يجلسوا قبل أن يوضع عن أعناق الرجال ) ؛ لأنه قد تقع
الحاجة إلى التعاون ، والقيام أمكن منه ؛ ولأن المعقول من ندب الشرع لحضور دفنه
إكرام الميت , وفي جلوسهم قبل وضعه ازدراء به وعدم التفات إليه , هذا في حق الماشي
معها ” انتهى.


فتح القدير ” (2/135)

وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :

” (
ويكره جلوس من تبعها ) أي : الجنازة ( حتى توضع بالأرض للدفن ) ، نص عليه ، ( إلا
لمن بعد عنها ) أي : عن الجنازة ، فلا يكره جلوسه قبل وضعها بالأرض , لما في
انتظاره قائما من المشقة…( وكان ) الإمام ( أحمد إذا صلى على جنازة – هو وليها –
لم يجلس حتى تدفن ) نقله المروذي . ( ونقل حنبل : لا بأس بقيامه على القبر حتى تدفن
جبرا وإكراما ) ووقف علي على قبر فقيل له : ألا تجلس يا أمير المؤمنين ؟ فقال :
قليل على أخينا قيامنا على قبره . ذكره أحمد محتجا به ” انتهى.


كشاف القناع ” (2/130)

واستدلوا بحديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا اتَّبَعْتُمْ
جَنَازَةً فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ ) رواه مسلم (959)

القول الثاني : كراهة القيام ، وهو معتمد مذهب المالكية ، على خلاف بينهم ، وقول
عند الشافعية والحنابلة .

جاء
في ” منح الجليل شرح مختصر خليل ” (1/517) :

” (
و ) كره ( قيام لها ) أي الجنازة من جالس مرت عليه ، أو من سبقها للقبر , وكذا
استمرار مشيعها قائما حتى توضع , وقد نسخ هذا كله بما روي أنه صلى الله عليه
وسلم كان يقوم للجنازة ثم جلس , وأمرهم بالجلوس ” انتهى باختصار.

وقال الإمام النووي رحمه الله :


ثبتت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بالقيام لمن مرت به جنازة حتى تخلفه أو توضع ، وأمر من تبعها أن لا يقعد عند القبر
حتى توضع .

ثم
اختلف العلماء في نسخه :

فقال الشافعي وجمهور أصحابنا : هذان القيامان منسوخان فلا يؤمر أحد بالقيام اليوم ,
سواء مرت به أم تبعها إلى القبر .

ثم
قال المصنف وجماعة : هو مخير بين القيام والقعود .

وقال آخرون من أصحابنا : يكره القيام لها إذا لم يرد المشي معها , ممن صرح بكراهته
سليم الرازي في ” الكفاية “، والمحاملي ، وصاحب ” العدة ” ، والشيخ نصر المقدسي .

قال
المحاملي في المجموع : القيام للجنازة مكروه عندنا وعند الفقهاء كلهم . قال : وحكي
عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه أنه كان يقوم لها .

وخالف صاحب ” التتمة ” الجماعة فقال : يستحب لمن مرت به جنازة أن يقوم لها , وإذا
كان معها لا يقعد حتى توضع .

وهذا الذي قاله صاحب ” التتمة ” هو المختار , فقد صحت الأحاديث بالأمر بالقيام ,
ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي رضي الله عنه وهو ليس صريحا في النسخ , بل ليس
فيه نسخ ، لأنه محتمل القعود لبيان الجواز والله أعلم ” انتهى.


المجموع ” (5/241)

وقال المرداوي رحمه الله :


قوله ( ولا يجلس من تبعها حتى توضع ) يعني يكره ذلك , وهو المذهب وعليه الأصحاب ,
وعنه : لا يكره الجلوس لمن كان بعيدا عنها .

تنبيه : قوله ” حتى توضع ” يعني بالأرض للدفن , وهذا المذهب نقله الجماعة , وعنه
حتى توضع للصلاة , وعنه حتى توضع في اللحد .

قوله ( وإن جاءت وهو جالس لم يقم لها ) , وهو المذهب نص عليه , وعليه أكثر الأصحاب
وجزم به في ” الوجيز ” وغيره ، وقدمه في ” الفروع ” , و ” المغني “, و ” الشرح ”
وغيرهم , وعليه أكثر الأصحاب .

وعنه : يستحب القيام لها , ولو كانت كافرة ، نصره ابن أبي موسى واختاره القاضي ,
وابن عقيل , والشيخ تقي الدين , وصاحب ” الفائق ” فيه .

وعنه : القيام وعدمه سواء .

وعنه : يستحب القيام حتى تغيب أو توضع . وقاله ابن موسى .

قال
في الفروع : ولعل المراد على هذا : يقوم حين يراها قبل وصولها إليه ; للخبر .

فوائد : كان الإمام أحمد رحمه الله إذا صلى على جنازة هو وليها لم يجلس حتى تدفن ,
ونقل حنبل : لا بأس بقيامه على القبر حتى تدفن ، جبرا وإكراما . قال المجد في شرحه
: هذا حسن لا بأس به , نص عليه ” انتهى.


الإنصاف ” (2/542-543)

واختار غير واحد من أهل العلم المعاصرين القول باستحباب القيام للجنازة في
المسألتين ، في حالة مرورها بالقاعد ، وفي حالة وصولها إلى المقبرة للدفن ، اعتمادا
على الأدلة الصريحة التي جاء فيها القيام للجنازة من قول النبي صلى الله عليه وسلم
وفعله ، وعدم ثبوت ما يدل على النسخ ، وأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم القيام في
بعض الأحيان فهو لبيان الجواز .

سئل
الشيخ ابن باز رحمه الله :

إذا
كان المسلم في المسجد ورأى الجنازة هل يقوم ؟

فأجاب :

ظاهر الحديث العموم ، فهو إذن مستحب , ومن تركه فلا حرج ; لأن القيام لها سنة وليس
بواجب ; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قام تارة ، وقعد أخرى ، فدل ذلك على عدم
الوجوب ” انتهى.


مجموع فتاوى ابن باز ” (13/187-188)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :


الراجح أن الإنسان إذا مرت به الجنازة قام لها ؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أمر بذلك ، وفعله أيضاً ، ثم تركه ، والجمع بين فعله وتركه أن تركه ليبين
أن القيام ليس بواجب ” انتهى.


مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ” (17/112)

والله أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android