تنزيل
0 / 0

ردود على شبهات في مسألة تحريم الاستمناء – العادة السيئة –

السؤال: 145482

يا ليت تفيدني بدليل قاطع يحرم الاستمناء ؛ لأن كل الأدلة التي سمعت بها لم أرَ فيها دليلاً قاطعاً للتحريم ، ففي قوله تعالى ( وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ) : فهذه الآية قد قيل إنها تخاطب الرجال دون النساء ، وفي حديث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء ) : الرسول صلى الله عليه وسلم هنا أعطانا الحل الأفضل ولم يقل فقط الصوم . وإن قيل هناك أضرار في عملها : فما الأمر مع المحتلم لأن كليهما متشابهان : الاحتلام والعادة السرية . وأيضا يوجد من العلماء من أحل أن المرأة يجوز أن تفعلها للرجل لأنه مثل التقبيل ، إذاً من هنا وضح أنه لا يوجد ضرر ، فكيف يوجد ضرر إذا فعلها بيده وإن فعلتها الزوجة للزوج لا يوجد ؟!. وإن قيل : فيه إهدار لماء الرجل : فنقول : وماذا عن الاحتلام ؟! وأيضا قال تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) والشيء المهان لا يلام ولا يسأل صاحبه . وأيضا نحن مغتربون ونرى كل يوم ما هو كفيل لإثارة شهوتنا ونحن عزاب . فرجائي يا شيخ أنك تعطيني الأدلة التي إن شاء الله تزيل عني اللبس الحاصل عندي .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
من الجيد أن يكون المسلم باحثاً في الأدلة في مسألة ، متقصيّاً لأقوال العلماء فيها ، حتى يصل إلى حكم الله تعالى ، فمثل هذا الباحث يؤجر حتى لو أخطأ في إصابة الحق أجراً واحداً .
ويأثم المسلم إذا كان يقوده هواه في بحث المسائل ، ويتعسف في الاستدلال ، ويتحكم في النصوص قبولاً وردّاً لها ، لا وفق قواعد البحث العلمي ، بل وفق هواه ومشتهاه .
ثانياً:
ما ذكرته من الإشكالات حول أدلة تحريم الاستمناء ، يقال فيه :
1. لا نزاع في أن الآية المذكورة هي خاصة بالرجال . قال ابن العربي – رحمه الله – :
“من غريب القرآن : أن هؤلاء الآيات العشر هي عامة في الرجال والنساء ، كسائر ألفاظ القرآن التي هي محتملة لهم ، فإنها عامة فيهم ، إلا قوله : ( وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) فإنه خطاب للرجال خاصة دون النساء ، بدليل قوله : ( إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) ، ولا إباحة بين النساء وبين ملك اليمين في الفرج” .
انتهى من” أحكام القرآن ” ( 5 / 464 ) .
لكن هل يقول عاقل إن المرأة غير مطالبة بحفظ فرجها ، لأن الآية خاصة بالرجال ؟! إن عدم توجه الخطاب للنساء في هذه الآية ، لا يعني بحال أن الحكم غير موجه إليهن ؛ ولذلك قال ابن العربي رحمه الله ، بعد كلامه السابق نقله مباشرة :
“وإنما عُرف حفظُ المرأة فرجها من أدلة أخر ، كآيات الإحصان عموماً وخصوصاً ، وغير ذلك من الأدلة” .
انتهى من” أحكام القرآن ” ( 5 / 464 ) .
ومن هذه النصوص قوله تعالى ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور/ من الآية 31 .
ب. الآية الكريمة واضحة الدلالة على تحريم قضاء الشهوة الجنسية في غير الزوجة والأمَة ، فكل من قضى شهوته من الرجال باللواط أو مع بهيمة أو بالاستمناء قد ابتغى غير الحلال الذي شرعه الله تعالى ، فيكون ظالماً لنفسه ، متجاوزاً للحدِّ الشرعي ، والمرأة إذا قضت شهوتها الجنسية مع غير الزوج ، كالسحاق ، أو مع بهيمة ، أو بالاستمناء : تكون ظالمة لنفسها ، متجاوزة للحد الشرعي ، ودلالة الآية القرآنية التي ذكرتَها واضحة على استنباط هذه الأحكام منها.
قال الشافعي – رحمه الله – :
“فكان بيِّناً في ذِكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان .
وبيِّنٌ أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات ، دون البهائم .
ثم أكدها فقال ( فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ) فلا يحل العمل بالذَّكَر إلا في زوجة أو في مِلك اليمين ، ولا يحل الاستمناء ، والله أعلم” .
انتهى من” أحكام القرآن ” ( 1 / 195 ) .
وقال أبو حيان الأندلسي – رحمه الله – :
“ويشمل قوله ( وَرَاءَ ذَلِكَ ) : الزنا ، واللواط ، ومواقعة البهائم ، والاستمناء.
ومعنى ( وَرَاءَ ذَلِكَ ) : وراء هذا الحد الذي حدَّ من الأزواج ومملوكات النساء”.
انتهى من” تفسير البحر المحيط ” ( 6 / 391 ) .

2. ما ورد في السؤال من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطانا الحل الأفضل بالصوم ، لمن عجز عن النكاح ، ولم يرد الحصر ، يقال فيه :
نعم ، ليس المراد هنا خصوص الحصر ، وقد وردت الرخصة بأشياء أخرى ، كحل لمن عجز عن نكاح الحرائر ، مثل التسري بالإماء ، يعني : أن تكون له أمة ـ ملك يمينه ـ يجامعها ، أو يتزوج بأمة ، إذا عجز عن نكاح الحرة ، أو يصبر ويستعفف ، إذا لم يجد نكاحا ، ولم يرغب في الإماء ، أو لم يستطع ذلك أيضا .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
“هذه العادة – الاستمناء – لو كانت جائزة لأرشد إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم ؛ لأنها أهون من الصوم ، لا سيما عند الشباب ؛ ولأنها أيسر ؛ ولأن الإنسان ينال فيها شيئاً من المتعة ، فهي جامعة بين سببين يقتضيان الحل لو كانت حلالاً ، والسببان هما : السهولة ، واللذة ، والصوم فيه مشقة وليس فيه لذة ، فلو كان هذا جائزاً : لاختاره النبي عليه الصلاة والسلام وأرشد إليه ؛ لأنه موافق لروح الدين الإسلامي لو كان جائزاً ، وعلى هذا فيكون الحديث دليلاً على التحريم” .
انتهى من” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 14 / 320 ) .
ثالثا:
هناك اختلاف كبير بين طبيعة الاستمناء وطبيعة الاحتلام ، ولذلك يفترقان في آثارهما على البدن ، كما يفترقان في أحكامهما في الشرع :
أ. فالاحتلام يخرج من غير إرادة صاحبه ؛ لأنه نائم ، بخلاف المستمني المستيقظ .
ب. وهو غير مؤاخذ عليه ، بخلاف الاستمناء .
ج. والاحتلام تفريغ طبيعي للمنيّ من البدن ، بخلاف الاستمناء الذي يستجلب الإنسان فيه المني .
د. والمحتلم لا يستعمل يده ، ولا يحتك بشيء ، بخلاف صاحب العادة السيئة .
هـ. ليس للاحتلام أية آثار سيئة ، ولا أعراض مرضية ، لا بدنية ولا نفسية ، بخلاف الاستمناء .
رابعاً:
أن المعول عليه في التحريم ليس هو الضرر وحده ، فلو سلّم أن الاستمناء لا ضرر فيه لم يقتضي ذلك إباحته لصحة دلالة الكتاب والسنة على تحريمه كما سبق ، على أنه لا يبعد أن يقال : إن الاستمناء بيد الزوجة لما كان مباحاً انتفى ضرره ، أو قل ، أو جرت العادة ألا يستكثر منه الزوج فلا يتضرر ، بخلاف الاستمناء المحرم ، الذي جرت العادة في أهله أنهم لا يقفون فيه عند حد ، حتى إن الواحد منهم قد يستمني في اليوم مرات ، ولهذا كان ضرره محققاً ، وما أشرنا إليه من تأثير الحل والحرمة في ذلك يمكن الاعتبار فيه بعدم التضرر من تناول المحرمات الضارة عند الاضطرار ، ف “الضرورة منعت تأثير الوصف وأبطلته ” كما يقول ابن القيم رحمه الله ، وينظر : مفتاح دار السعادة (2/ 21).
فلا عجب أن يكون الاستمناء المحرم ضاراً بالبدن ، والاستمناء المباح بين الزوجة غير ضار لهذين الاعتبارين :
1- وهو تأثير الحل والحرمة في طيب الأشياء وخبثها وضررها .
2- جريان العادة بالإكثار من الاستمناء المحرم ، مما يقضي إلى الضرر المحقق .
ولو سلّم انتفاء الضرر ، لم تلزم الإباحة كما سبق .
خامساً:
ما ذكر في السؤال من أن الشيء المهين لا يلام ولا يسأل صاحبه ليس على إطلاقه ؛ لأن معنى ( مَهِين ) في الآية ” ضعيف ” ، ومنه قوله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) السجدة/ 8 .
وقد فسرها بذلك : ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والطبري وابن كثير ، وغيرهم كثير .
قال البخاري رحمه الله في ” صحيحه ” ( 4 / 1793 ) : وقال مجاهد ( مَهِين ) : ضعيف ، نطفة الرجل .
انتهى
وقال الطبري – رحمه الله – :
“قول تعالى ذكره : ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ ) أيها الناس ( مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ) يعني : من نطفة ضعيفة .
… عن ابن عباس ، قوله : ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ) يعنى بالمهين : الضعيف” .
انتهى من” تفسير الطبري ” ( 24 / 132 ) .
ونقله عن قتادة ومجاهد في ” تفسيره ” ( 20 / 173 ) ، وقال :
“ومهين : فعيل ، من قول القائل : مهن فلان ، وذلك إذا زلّ وضعف” .
انتهى
وكذا قال ابن كثير في ” تفسيره ” ( 5 / 466 ) .
وفي ( 8 / 229 ) قال – رحمه الله – :
“( إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) أي: من المني الضعيف ، كما قال : ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ )” .
انتهى
وقال ابن القيم – رحمه الله – :
“فالمَهين هاهنا : الضعيف ، ليس هو النجس الخبيث” .
انتهى من” بدائع الفوائد ” ( 3 / 640 ) .
ثم إنه إذا قدر أن المهين ـ هنا ـ يعني : أنه لا قْدر له ؛ فهذا الوصف أمر نسبي ، للدلالة على ضعف الإنسان ، وتمام قدرة الله جل جلاله ، وعجيب خلقه .
قال الله تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) الروم/54 .
قال ابن جزي رحمه الله :
” الضعف الأول كون الإنسان من ماء مهين ، وكونه ضعيفا في حال الطفولية ، والضعف الثاني الأخير : الهرم ” انتهى . ” التسهيل لعلوم التنزيل” (1471) .
وقال ابن عاشور رحمه الله :
” والغرض من إجراء هذا الوصف عليه الاعتبار بنظام التكوين إذ جعل الله تكوين هذا الجنس المكتمل التركيب العجيب الآثار من نوع ماء مهراق لا يعبأ به ولا يصان ” انتهى .
“التحرير والتنوير” (21/151) .
وإذا وصف الله تعالى الدنيا ـ بأسرها ـ بالحقارة والوضاعة والهوان ، فهل يعني ذلك أن من ملك شيئا منها : له أن يصرفه كيف شاء ، وأنه لا يؤمر بحفظه ، ولا يلام على تضييعه ؟!
سادساً:
قال بعضهم : إن قوله تعالى ( فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ) لا ينطبق على فاعل الاستمناء ؛ لأنه لا يعتدي على أحدٍ غيره ! .
والجواب عليه :
أن اللفظة في الآية ( الْعَادُونَ ) وليس ” المعتدون ” ، ومعناها : الظالم ، والمتجاوز حدَّه .
ومنه قوله تعالى : ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ . وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ ) الشعراء/ 165 ، 166 .
قال البغوي – رحمه الله – :
“( فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) الظالمون المتجاوزون من الحلال إلى الحرام” .
انتهى من” تفسير البغوي ” ( 5 / 410 ) .
وقال أبو جعفر النحاس – رحمه الله – :
“يقال : عدا ، إذا تجاوز في الظلم” .
انتهى من” معاني القرآن ” ( 5 / 99 ) .

ولمعرفة حكم الاستمناء – العادة السيئة – وكيفية علاجها : انظر جوابي السؤالين : ( 329 ) و ( 101539 ) .
كما نرجو الإطلاع على جواب السؤال رقم ( 20229 ) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر .
وفي جواب السؤال رقم ( 20161 ) بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها .

والله أعلم

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android