0 / 0
53,10912/04/2010

هل يجوز الدعاء : اللهم اجعلني من أوليائك؟

السؤال: 145689

كيف أجمع بين قول النبي الذي نقدمه على كل قول وهو : (وإذا سألتم الله فسألوه الفردوس الأعلى) وهذا القول : عن أحمد قال : قلت لأبي سليمان الداراني : يجوز للرجل أن يقول اللهم اجعلني صديقاً؟ قال : إن عرف في نفسه من خصالهم شيئاً وإلا فلا يتعد فإن من الدعاء تعدياً . حيث إني مذنبة عاصية غافلة وفيّ من العيوب ما لا يحصيه إلا الله وأتمنى أن يغير الله حالي برحمة منه ، مثلاً أتمنى أن أكون من أولياء الله ، هل إذا دعيت ربي : اللهم اجعلني من أوليائك ، هل أنا متعدية؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) . رواه البخاري (7423).

وفي هذا الحديث تعليم للأمة علو الهمة وطلب معالي الأمور ، كما ذكر المباركفوري في “تحفة الأحوذي” (7/201) .

وهذا الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم عام لجميع الأمة ، لا يستثنى منه أحد ، ولا يُشْكل على ذلك أن المذنبين والعصاة من المسلمين لا تؤهلهم أعمالهم لبلوغ هذه المرتبة من الجنة ؛ لأن دخول الجنة إنما هو محض فضل من الله على عباده ، وفضل الله لا يحده شي .

ثانيا : لا حرج على المسلم أن يدعو الله أن يكون من الأولياء الصالحين ، أو الصديقين المخلصين ، أو المتقين الأبرار .

ومن تأمل نصوص الأدعية الواردة في الكتاب والسنة وجد فيها كثيرا من الألفاظ التي تتضمن سؤال الله المنازل العالية والمراتب الرفيعة في الدين .

وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين الذين يسألونه أن يجعلهم أئمة يهتدى بهم ، فقال تعالى في صفات عباده : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ).

” والإمامة في الدين هي أرفع مراتب الصديقين “. انتهى من “مفتاح دار السعادة” لابن القيم (1/81) .

قال السعدي : ” أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية ، درجة الصديقين والكُمَّل من عباد الله الصالحين ، وهي درجة الإمامة في الدين ، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم “. انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن ” صـ 587.

ومن الأدعية الثابتة في السنة النبوية : ( … رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا ، لَكَ ذَكَّارًا ، لَكَ رَهَّابًا ، لَكَ مِطْوَاعًا ، لَكَ مُخْبِتًا ، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا ..) رواه الترمذي  (3551) ، وقَالَ: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ” ، وصححه الألباني.

وفي سنن النسائي (1305) : (… اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) ، وصححه الألباني. 

وفي صحيح ابن حبان (5/303) : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ ، وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ ، وَمُرَافَقَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ ).

ومثل هذه الأدعية يدعو بها كل مسلم حتى العاصي ، فإن الله يغير ما بين لحظة وأخرى من حال إلى حال ، وقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء .

وكم من عباد الله الصالحين كانوا عصاة ومذنبين ، فتاب الله عليهم فتابوا وأنابوا حتى صاروا من أوليائه المتقين .

وينظر جواب السؤال (117186) .

ثالثاً : روى أبو نعيم في حلية الأولياء (9/265) عن أحمد بن أبي الحواري قال : قلت لأبي سليمان الداراني : يجوز للرجل أن يقول اللهم اجعلني صدِّيقا .

قال : إن عرف في نفسه من خصالهم شيئاً ، وإلا فلا يتعدَّ ، فإن من الدعاء تعدياً .

وهذا الأثر المروي عن أبي سليمان الداراني – وهو من أئمة السلف توفي سنة (205) هـ- لا حجة فيه ، إذ الحجة بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ولا نعلم أحدا من الأئمة وافقه على هذا القول ، فسؤال الله الولاية مطلب كل مسلم ، وليس في ذلك شيء من التعدي في الدعاء ، وللوقوف على ضابط التعدي ينظر جواب السؤال (128084) .

ويمكن حمل كلامه على معنى حسن ، وهو حث الداعي على أن يتخلق بأخلاق الصديقين ، فيجمع بين العمل والدعاء .

وسؤال العبد اللهَ الولاية ومنزلة الصديقين يقتضي ضمناً سؤال التوفيق للعمل بما يؤهل العبد للوصول إلى هذه المنزلة الرفيعة .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي : ” سؤال عباد الرحمن ربهم أن يجعلهم للمتقين إماما ، يقتضي سؤالهم اللهَ جميع ما تتم به الإمامة في الدين ، من علوم ومعارف جليلة ، وأعمال صالحة ، وأخلاق فاضلة ؛ لأن سؤال العبد لربه شيئا سؤال له ولما لا يتم إلا به ، كما إذا سأل العبد اللهَ الجنة ، واستعاذ به من النار ، فإنه يقتضي سؤاله كل ما يقرب إلى هذه ويبعِّد من هذه “. انتهى من “القواعد الحسان في تفسير القرآن” صـ 24.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android