0 / 0

حكم استعمال الخيال والكذب في الشعر

السؤال: 145977

هل استخدام الخيال في الشعر ، والمبالغة في تصوير الحال يعد من الكذب ؟ خصوصاً وأن هناك عبارة تتردد كثيرا بين الشعراء و النقاد مفادها أن ( أعذب الشعر أكذبه ) .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

الشعر كلامه ، حسنه كحسن الكلام ، وقبيحه كقبيحه . هكذا قال الشافعي رحمه الله ، وقد روي مرفوعا ؛ أخرجه الدارقطني من حديث عائشة , وفيه عبد العظيم بن حبيب وهو ضعيف . وينظر : الأم (8/ 420)، التلخيص الحبير (4/ 374) .

ولا حرج في استخدام الخيال والمبالغة ، ما لم يصل به إلى الكذب الصريح .

وقول من قال : أعذب الشعر أكذبه ، محمول على المبالغة التي لا تصل إلى الكذب ، فإن وصل إلى الكذب كان حراما ، وفي كونه أعذب الشعر حينئذ نظر .

قال عبد القاهر الجرجاني رحمه الله في “أسرار البلاغة” ص 240 : ” وكيف دار الأمر فإنهم لم يقولوا : ” خير الشعر أكذبه ” وهم يريدون كلاما غفلا ساذجا يكذب فيه صاحبه ويفرط ، نحو أن يصف الحارس بأوصاف الخليفة ، ويقول للبائس المسكين إنك أمير العراقين ، ولكن ما فيه صنعة يتعمَّل لها ، وتدقيق في المعاني يحتاج معه إلى فطنة لطيفة ، وفهم ثاقب ، وغوص شديد ، والله الموفق للصواب ” انتهى .

وقال الدكتور عبد العزيز قاري حفظه الله : ” ولما كان الخيال صورة من صور الكذب ، قيل : إن أعذب الشعر أكذبه . ولكن ليس ذلك على إطلاقه ، فإن العمدة في حسن الشعر وجودته على صدق الشعور ، وجمال التعبير.. ، وكم من أبيات اعتبرت من عيون الشعر بينما هي لا تعتمد على أي صورة كاذبة ، وإنما تتجلى بلاغتها في حسن إصابتها للمعنى الصحيح وحسن صياغتها في تعبير جميل .. ولعل حسان رضي الله عنه كان يعني هذا الميزان حينما قال:
وإن أشعر بيت أنت قائله              بيت يقال إذا أنشدته صدقا
إلا أن الذي غلب على الشعراء المبالغة في الصور البيانية ، إلى حد التخييل الكاذب الصريح .. وخاصة في مقاصد الوصف والمدح والهجاء ، فتسابقوا إلى الإغراب في ذلك ، وإلى ابتداع المعاني الموغلة في الاستحالة ، زاعمين أنه بذلك يحلو الشعر ويستعذب.. فمن قائل:
بكت لؤلؤاً رطباً فسالت مدامعي     عقيقاً فصار الكل في جيدها عقدا
وقائل:

وجذت رقاب الوصل أسياف هجرها   وقدت لرجل البين نعلين من خدي

وقائل:
بح صوت المال مما    منك يشكو ويصيح

ولعمري لو كان هذا الميزان صحيحاً إذاً لكان أكثر حسناً وعذوبة في الشعر قول أبي نواس:
وأخفت أهل الشرك حتى إنه      لتخافك النطف التي لم تخلق

أو قول المتنبي:

يترشفن من فمي رشفات     هن فيه أحلى من التوحيد

والنقاد يجمعون على استهجان مثل هذا الشعر ، مع أنه أشد إغراقا في الكذب ، فالنطف التي لم تخلق لا تخاف صاحب أبي نواس ، وربما حتى لو خلقت ، والرشفات من فم المتنبي حاشا أن تكون أحلى ( من التوحيد ) … ، فكل هذا مستقبح مستهجن مع أنه من أكذب ما قيل من الشعر…
ولكن لعلك تستعذب معي مثل قول كثير:
وكنت إذا ما زرت سعدى بأرضها    أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

من الخفرات البيض ود جليسها       إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

أو قول جرير في الفخر:
إذا غضبت عليك بنو تميم       حسبت الناس كلهم غضاباً

أو قول المتنبي في مطلع قصيدة:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم       وتأتي على قدر الكرم المكارم

أو قول عنترة العبسي:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل     مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها       لمعت كبارق ثغرك المتبسم

فهل تجد في هذه الأبيات شيئاً من الصور الكاذبة المستحيلة ؟ ومع ذلك فهي من أعذب الشعر وأجوده ، حتى لقد قيل في قول كثير عزة :
من الخفرات البيض ود جليسها
إنه أرق شعر قيل في النسيب ، ولو تأملت هذا المقام لوجدت أن حسن الشعر يتجلى في أمرين:
الأمر الأول: صدق المعنى الذي يذكره في البيت ، أو صدق الشعور الذي يعبر عنه.
والأمر الثاني : جمال الصورة التعبيرية التي يختارها لأداء ذلك المعنى وإبراز ذلك الشعور ” انتهى من “مجلة الجامعة الإسلامية” العدد العاشر .

ثانيا :

نص الفقهاء على تحريم الشعر إذ اشتمل على الكذب الصريح .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” والذي يتحصل من كلام العلماء في حد الشعر الجائز : أنه إذا لم يكثر منه في المسجد ، وخلا عن هجو ، وعن الإغراق في المدح والكذب المحض ، والتغزل بمعينٍ لا يحل . وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازه إذا كان كذلك ” انتهى من “فتح الباري” (10/ 539).

وقال زكريا الأنصاري في “أسنى المطالب” (4/ 346) : ”  ( فإن أكثر الكذب فيه ) أي في شعره ( ولم يمكن حمله على المبالغة : ردت شهادته ) ، وإلا فلا كسائر أنواع الكذب ( وإن قصد به إظهار الصفة ، لا إيهام الصدق ) فإن شهادته ترد ، خلافا للقفال والصيدلاني ” انتهى.

وقال ابن حجر المكي في “الزواجر عن اقتراف الكبائر” (2/ 355) : ”  الكبيرة الستون والحادية والستون بعد الأربعمائة : الإطراء في الشعر بما لم تجر العادة به ، كأن يجعل الجاهل أو الفاسق مرة عالما أو عدلا ، والتكسب به مع صرف أكثر وقته ، وبمبالغته في الذم والفحش إذا منع مطلوبه “.

والحاصل :

أن استخدام الخيال ، والصور البيانية ، في عرض المعاني الشعرية : ليس من الكذب ، لكن بحيث لا يفرط فيه حتى يخرجه إلى الكذب المحض ، أو أيهام الصدق .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android