حكم صناعة تمثال لذات روح من الثلج
السؤال: 146628
أعلمُ أن الإسلام يحرم التصوير والتشكيل لكل ذي روح ، ولكني أريد أن أعرف حكم تشكيل رجل الثلج ، فإن هناك الكثير من الآباء الذي يمرحون مع أبنائهم فيقومون بعمل هذا التمثال ، فالذي أعلمه أنه ليس هناك مخلوق يشبه رجل الثلج ، فهل يعني هذا أنه يجوز تشكيله ( بعمل عينين وأنف وفم ) ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
صور
ذوات الأرواح المرسومة باليد ، أو المنحوتة على خشب أو نحاس ، أو مشكَّلة بجص : لا
يُشك في حرمتها ، وهي داخلة في نصوص الوعيد للمصورين .
وينظر تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة : (
34839 ) و (
10668 ) و (
39806 ) .
ثانياً:
وما
سبق ذِكره من صناعة التماثيل بما يدوم استمراره وتطول إقامته هو محل اتفاق بين
العلماء ، وأما صناعة التماثيل بما لا يدوم استمراره ولا تطول إقامته ، كمثل
المصنوع من عجين ، أو قشر بطيخ ، أو حلاوة : فلم نجد لهذه المسألة ذِكراً في كتب
الفقه إلا عند المالكية والشافعية ، ووجدنا فيها خلافاً يسيراً عند المالكية ،
والأكثر على حرمتها ، وأما الشافعية فقد حرَّموا صناعتها وجوَّز بعضهم بيعها !
وردَّ الرملي – من كبار فقهائهم – على من قال بالجواز .
ومثله يقال في التمثال المصنوع من الثلج الوارد ذِكره في السؤال .
قال
عليش المالكي – رحمه الله – :
ويحرم تصوير ما استوفى الشروط المتقدمة إن كان يدوم ، كخشب وطين وسكر وعجين إجماعاً
، وكذا إن كان لا يدوم كقشر بطيخ ، خلافاً لأصبغ .
”
مِنَح الجليل شرح مختصر خليل ” ( 3 / 529 ) .
وقال أبو العباس أحمد الصاوي – رحمه الله – :
وفيما لا يطول استمراره خلاف ، والصحيح : حرمته .
”
حاشية الصاوي على الشرح الصغير ” ( 2 / 501 ) .
وقال أحمد النفراوي – رحمه الله – :
وأما لو جُعل التمثال صورة مستقلة لها ظل ، كما لو صنع صورة سبُع أو كلب أو آدمي ،
ووضعها على الحائط أو على الأرض : فإن ذلك حرام , حيث كانت الصورة كاملة ، سواء
صنعت مما تطول إقامته كحجر أو خشب ، أو مما لا تطول إقامته , كما صنع صورة السبُع
أو الفرس من عجين أو حلاوة مما لا تطول إقامته .
”
الفواكه الدواني ” ( 2 / 315 ) .
وفي
” حاشية قليوبي ” ( 3 / 298 ) – من كتب الشافعية – :
قوله : ( ويحرم تصوير حيوان ) ولو على هيئة لا يعيش معها ما لا نظير له – كما مرَّ
– أو من طين ، أو من حلاوة , ويصح بيعها ، ولا يحرم التفرج عليها ، ولا استدامتها ،
قاله شيخنا الرملي ، وخالفه شيخنا الزيادي في الأخيرين فحرمهما .
انتهى
والذي يظهر رجحانه أنه لا فرق في تحريم صناعة التماثيل بين ما يطول بقاؤه ، وما
لا يطول ، وقد روي عن المشركين في الجاهلية أنهم كانوا يصنعون تماثيل يعبدونها
من دون الله من التمر ! ثم إذا جاع أكلها ! مما يؤكد أنه لا فرق في التسمية والحكم
بين ما صنع من تماثيل من مواد يطول بقاؤها ، ومواد لا يطول بقاؤها .
وبمثل الراجح عند المالكية والشافعية قال علماؤنا المعاصرون :
قال
الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
إن
الصور التي تحرُم هي الصورة التي مثل التمثال ، يعني : يصنع إنسان من العجين ، أو
من الجبس ، أو من الجص ، أو غيرها من المواد ، يصنع شيئاً على صورة إنسان ، أو
حيوان : فهذا حرام .
وأما الأشجار وشبهها : فإنه لا بأس به على القول الراجح الذي عليه جمهور العلماء .
”
شرح رياض الصالحين ” ( 6 / 207 ) .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ – حفظه الله – :
وقد
تقرر في اللغة أنَّ الصنم صورة منحوتة ، يعني : ما نُحِت على شكل صورة ، وإذا كان
كذلك : فإن الصنم إما أن يكون حجَراً ، وإما أن يكون خشباً ، وإما أن يكون عجيناً ،
وإما أن يكون تمراً إلى آخر ذلك
.
”
شرح كشف الشبهات ” ( شريط رقم 8 ) .
ثالثاً:
وأما قول الأخ السائل ” فالذي أعلمه
أنه ليس هناك مخلوق يشبه رجل الثلج ” : فإن هذا وإن كان صحيحاً في نفسه ، لكنه لا
يغيِّر من الحكم الشرعي ؛ فليس ثمة رجل من نحاس ، ولا من خشب ، ولا من جبس ، ولا من
تمر ، والمقصود أنهم يصنعون من هذه المواد صورة لذات روح ، فيضعون له الأنف
والعينين والرأس ، وهذا هو سبب التحريم ، ولو أنهم صنعوا من تلك المواد ما لا روح
فيه لما توجه لهم إنكار ، أو يمكنهم صناعة ما فيه روح مع عدم صناعة رأس له ، ومع
ذلك الوضوح في الحكم فقد نصَّ العلماء على تحريم صناعة التماثيل للصور الخيالية
للإنسان والحيوان ! إلا إن كان ذلك لعبة للأطفال .
ففي
” الموسوعة الفقهية ” ( 12 / 111 ) :
ينص
الشافعية على أن الصور الخيالية للإنسان أو الحيوان داخلة في التحريم . قالوا :
يحرم ، كإنسان له جناح ، أو بقر له منقار ، مما ليس له نظير في المخلوقات ، وكلام
صاحب ” روض الطالب ” يوحي بوجود قول بالجواز .
وواضح أن هذا في غير اللعب التي للأطفال ، وقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها :
أنه كان في لعبها فرس له جناحان ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك لما رآها حتى
بدت نواجذه .
انتهى
بل
لو قيل إنه أشد تحريماً مما له نظير، كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم ، لما كان
بعيداً.
قال
الماوردي الشافعي – رحمه الله – :
ولا
فرق في تحريم صور ذوات الأرواح من صور الآدميين والبهائم ، ولا فرق بين ما كان
مستحسناً منها أو مستقبحاً ، أو ما كان منها عظيماً أو مستصغراً ، إذا كانت صور
حيوان مشاهد .
أما
صورة حيوان لم يُشاهد مثله حكم الصور ، مثل صورة طائر له وجه إنسان ، أو صورة إنسان
له جناح طير : ففي تحريمه وجهان : أحدهما : يحرم ، بل يكون أشد تحريماً ؛ لأنه قد
أبدع في خلق الله تعالى ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يؤمر بالنفخ فيه وليس
بنافخ فيه أبداً ) .
والوجه الثاني – وهو قول أبي حامد المروزي – : لا تحرم ؛ لأنه يكون بالتزاويق
الكاذبة أشبه منه بالصور الحيوانية .
فعلى الوجه الأول : يحرم عليه أن يصوِّر وجه إنسان بلا بدن ، وعلى الوجه الثاني :
لا يحرم.
”
الحاوي الكبير ” ( 9 / 565 ) .
والخلاصة :
أنه
لا يجوز صناعة تمثال من الثلج ولو على سبيل المرح واللعب ، وقد جعل الله للناس سعة
في صناعة ما يشاؤون ، مما لا روح فيه ، كالأشجار والسفن والثمار والبنايات ونحوها .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة