تنزيل
0 / 0

هل يستحب غسل اليدين بالصابون ؟

السؤال: 146653

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم حذرا من الجراثيم ، وهل كان يستخدم الصابون أو ألياف اللوتس . يخبرنا الأطباء اليوم أن نغسل أيدينا كثيرا ، وأن نستخدم الصابون والماء ، والصابون أيام النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كأيامنا اليوم ، فهل نتبع الطرق الحديثة للوقاية ، أم أن الماء يكفي فهو الذي كان أيام النبي صلى الله عليه وسلم . إذا كانت الجراثيم مقلقة ، وعلينا أن نتبع ما يقال لنا ، فهل نستبدل الصابون بألياف اللوتس أو البوتاس كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل يكون ثوابنا أكبر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء ، مثل استخدام البوتاس ، وقليل من الصابون والماء ، وأن لا نُغَيِّرَ ، ونمتلك الكثير من الملابس ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

الشريعة الإسلامية شريعة مرنة ، مبنية على قواعد عامة ، وأصول كلية ، تضبط تصرفات البشر ، وتفسح لهم – في الوقت نفسه – فسحة من السعة التي تحدث بتغير الزمان والمكان .

ومن ذلك أنها لم تضيق على الناس في أبواب " العادات " والأفعال الدنيوية البحتة ، بل تركت لهم حرية التصرف فيها بما يتناسب مع رغباتهم ومصالحهم وما ينفعهم ، ما لم تخالف تلك العادة نصا من الكتاب والسنة ، وهذا معنى ما يقرره الفقهاء والأصوليون من قولهم : الأصل في العادات الإباحة والعفو .

وعلى هذا ، فلا حرج على المسلم من الاستفادة مما تم اختراعه أو اكتشافه حديثاً ، كالسيارات والطائرات والكهرباء .. ووسائل تنظيف البدن أو الثياب الحديثة .

ولا يطلب من المسلم الرجوع إلى ركوب الإبل أو استعمال المنظفات التي كان يستعملها النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك ليس من العبادات ، التي يطلب فيها اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي من العادات .

قال الشاطبي رحمه الله :

" العادات : الشارع قصد فيها اتباع المعاني ، لا الوقوف مع النصوص ، بخلاف باب العبادات ، فإن المعلوم فيه خلاف ذلك " انتهى باختصار.

" الموافقات " (2/523).

فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على النظافة وعلى ما يحفظ الصحة بوجه عام ، واستعمل لذلك من الأساليب والأشياء ما كان موجوداً في عصره صلى الله عليه وسلم ، فإذا جَدَّ جديد وكان يؤدي إلى الغاية نفسها (أي : النظافة وحفظ الصحة) من غير مضرة فلا حرج على المسلم من استعماله والاستفادة منه .

وفي شريعتنا الكثير من التشريعات التي تدل على العناية بالنظافة ، نظافة البدن والثياب والمكان ، ويكفي لتقرير ذلك أن الوضوء – الذي يشتمل على غسل اليدين والفم والأنف والوجه – هو شرط من شروط صحة الصلاة التي هي عمود الدين .

واستعمال المنظفات مع الماء لم يكن كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لقلة هذه المنظفات ، ولقلة الماء نفسه .

ومع ذلك فقد ثبت في السنة استعمال " السدر " في بعض الأغسال التي تقتضي مزيد عناية وتنظف ، كغسل الميت ، وغسل الحائض ، وغسل الكافر إذا أسلم ، وذكر الفقهاء استعمال مادة " الأشنان " أيضا للتنظف والاغتسال .

والأشنان : شجر من الفصيلة الرمرامية ، ينبت في الأرض الرملية ، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي . " المعجم الوسيط " (1/19) .

وأما السدر : فهو نبات ينبت على الماء ، ثمره النبق ، وورقه غسول . انظر: "لسان العرب" (4/354) .

عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ ، فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ) رواه البخاري (1253) ومسلم (939) .

قال النووي رحمه الله :

" فيه دليل على استحباب السدر في غسل الميت ، وهو متفق على استحبابه " انتهى.

" شرح مسلم " (7/3) .

وقال ابن رجب رحمه الله :

" قالَ الميموني : قرأت على ابن حنبل : أيجزئ الحائض الغسل بالماء ؟

فأملى عليّ : إذا لم تجد إلاّ وحده اغتسلت به ، قالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( ماءك وسدرتك ) ، وهو أكثر من غسل الجنابة .

قلت : فإن كانت قد اغتسلت بالماء ، ثُمَّ وجدته ؟

قالَ : أحب إلي أن تعود لما قالَ " انتهى.

" فتح الباري " (1/471-472)

وعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ أَسْلَمَ (فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) رواه الترمذي (605) وقال : حسن . وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

ولا يخفى أن استعمال مادة " السدر " في الاغتسال ليس على سبيل التعبد ، بل هو من أمور العادات التي تتغير بتغير الزمان والمكان ، فمن استعمل أي مادة منظفة تقوم مقام "السدر" فقد حقق السنة ، وعمل بالمعنى والغاية التي أرادها الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بالغسل بالسدر .

وقد سبق في موقعنا في العديد من الأجوبة بيان أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي فعلها على وجه العادة أو بمقتضى الجبلة البشرية لا يستحب تقليده فيها ، وليس فيها مزيد أجر على غيرها من الأمور العادية ، وإنما يتحقق الأجر في سنن العبادات وما يتعلق بها .

قال الشيخ الدكتور محمد الأشقر رحمه الله :

" حكم هذه الأمور العادية وأمثالها ، أنها تدل على الإباحة لا غير ، إلا في حالين :

1- أن يرد قول يأمر بها أو يرغب فيها ، فيظهر أنها حينئذ تكون شرعية .

2- أن يظهر ارتباطها بالشرع بقرينة غير قولية : كتوجيه الميت في قبره إلى القبلة ، فإن ارتباط ذلك بالشرع لا خفاء فيه " انتهى .

" أفعال الرسول " (1/237).

وانظر جواب السؤال رقم : (69822) .

ثانياً :

أما ما ذكرته من عدم امتلاك الكثير من الثياب فالمطلوب من المسلم فيما يتعلق بالأكل والشرب واللباس والسكن الذي يسكن فيه والأثاث الذي يجلس عليه … ونحو هذه الأشياء ، أنه لا يتجاوز ما يحتاج إليه ، فيكون ما عنده من الثياب والأثاث والفرش على قدر حاجته بلا زيادة ، فإن زاد عما يحتاج إليه فقد دخل في الإسراف المذموم شرعاً ، قال الله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .

قال السعدي رحمه الله :

"والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي تضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفُّه والتنوُّق في المآكل والمشارب واللباس ، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام .

(إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) : فإن السرف يبغضه الله ، ويضر بدن الإنسان ومعيشته ، حتى ربما أدَّت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات . ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب ، والنهي عن تركهما وعن الإسراف فيهما" انتهى .

"تفسير السعدي" (صـ 311) .

وروى ابن ماجه (3605) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android