هل من السنة أن يمد المصلي تكبيرات الانتقال أم أنه يكبر بدون مد؟
هل يمد تكبيرات الانتقال في الصلاة؟
السؤال: 146676
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لم يرد دليل من السنة ـ فيما نعلم ـ على استحباب مد تكبيرات الانتقال في الصلاة ، وإنما استحب بعض العلماء ذلك ، لا لدليل من السنة ، ولكن ليكون التكبير مستوعباً للانتقال إلى الركن ، فلا يخلو جزء في الصلاة ، ولو كان يسيراً ، عن ذكر .
وقد استدل بعض العلماء على مد التكبير بما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ) رواه البخاري (789) ، ومسلم (392) .
قال النووي رحمه الله :
“وَقَوْله (يُكَبِّر حِين يَهْوِي سَاجِدًا . ثُمَّ يُكَبِّر حِين يَرْفَع , وَيُكَبِّر حِين يَقُوم , مِنْ الْمَثْنَى) هَذَا دَلِيل عَلَى مُقَارَنَة التَّكْبِير لِهَذِهِ الْحَرَكَات وَبَسْطه عَلَيْهَا ، فَيَبْدَأ بِالتَّكْبِيرِ حِين يَشْرَع فِي الِانْتِقَال إِلَى الرُّكُوع وَيَمُدّهُ حَتَّى يَصِل حَدَّ الرَّاكِعِينَ ….” انتهى . ثم قال ذلك مثل ذلك في سائر الأركان .
ولكن تعقبه الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” بقوله :
“ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهرة” انتهى .
وقال الصنعاني رحمه الله : “وظاهر قوله: ( يكبر حين كذا وحين كذا )، أن التكبير يقارن هذه الحركات فيشرع في التكبير عند ابتدائه للركن. وأما القول بأنه يمد التكبير حتى يتم الحركة ، فلا وجه له، بل يأتي باللفظ من غير زيادة على أدائه ولا نقصان منه”. انتهى .
“سبل السلام” (1/367).
وقال إبراهيم النخعي: (التكبير جزم…) رواه عبد الرزاق (2553) ، والترمذي (2/95) . قال عبد الرزاق: “يقول : لا يُمَد” .
وقال أحمد شاكر في شرح الترمذي : “جزم : أي قطـع . والمراد به الحـذف والإسـراع” .
وقال ابن حجر في “التلخيص” : (1/225) : “الحذف الإسراع به، وهو المراد بقوله جزم” . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” قال العلماء: يُكره تمطيط التَّكبير، حتى في النهوض من السُّجود إلى القيام مع طول النُّهوضِ، وحتى في الهويِّ إلى السُّجود مع طول ما بين القيامِ والسُّجودِ. قالوا: لأن هذا لم تَرِدْ به السُّنَّةُ، فيكون مكروهاً، هكذا نصَّ عليه الفقهاءُ رحمهم الله.
ولكن؛ الظاهرُ ـ والله أعلم ـ أنَّ الأمرَ في هذا واسعٌ ما لم يُخِلَّ بالمعنى، ولكن ليس مدَّها بأفضل مِن قصرها كما يتوهَّمُه بعض الناس…..
والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لم يُنقل عنه أنه كان يفرِّقُ بين التَّكبيراتِ، بل إن ظاهر صنيعه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه لا يُفرِّقُ…..
وأهمُّ شيءٍ هو اتِّباعُ السُّنَّةِ …..
وقال بعضُ الفقهاءِ: يمدُّ التَّكبيرَ في الهويِّ إلى السُّجودِ، وفي القيامِ مِن السُّجودِ لطول ما بين الرُّكنين. ولكن لا دليل لذلك ” انتهى.
” الشرح الممتع ” (3/24-25) باختصار .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في ” السلسلة الصحيحة ” (604) :
“كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يسجد كبر ثم يسجد ، وإذا قام من القعدة كبر ثم قام ) .
والحديث نص صريح في أن السنة التكبير ثم السجود , وأنه يكبر وهو قاعد ثم ينهض , ففيه إبطال لما يفعله بعض المقلدين من مد التكبير من القعود إلى القيام .
وفي معناه ما أخرجه البخاري , وأحمد , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ….. وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ) .
قلت : فقوله : (وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ) , أي : عند ابتداء القيام , وبه فسره الحافظ في الفتح .
ثم ذكر كلام النووي المتقدم وتعقب الحافظ ابن حجر له ، ثم قال : “وأغرب من ذلك مد بعض الشافعية التكبير حين القيام من السجدة الثانية , وينتصب قائماً في الركعة الثانية , ويجلس بين ذلك جلسة الاستراحة ” وهي سنة ” , فتراه يمد التكبير ويمد حتى يكاد ينقطع نفسه قبل الانتصاب , ولا يشك عالم بالسنة أن هذا من البدع” انتهى .
وقال ابن حزم رحمه الله :
“ونستحب لكل مصل أن يكون أخذه في التكبير مع ابتدائه للانحدار للركوع ومع ابتدائه للانحدار للسجود ، ومع ابتدائه للرفع من السجود ، ومع ابتدائه للقيام من الركعتين ، ويكون ابتداؤه لقول “سمع الله لمن حمده” مع ابتدائه في الرفع من الركوع ، ولا يحل للإمام البتة أن يطيل التكبير ، بل يسرع فيه ، فلا يركع ولا يسجد ولا يقوم إلا وقد أتم التكبير .. “
ثم قال:
” وأما قولنا بإيجاب تعجيل التكبير للإمام فرضا ، فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا) ؛ فأوجب عليه السلام التكبير على المأمومين فرضا ، إثر تكبير الإمام وبعده ، ولا بد ؛ فإذا مد الإمام التكبير أشكل ذلك على المأمومين ، فكبروا معه ، وقبل تمام تكبيره ، فلم يكبروا كما أمروا ، ومن لم يكبر فلا صلاة له ، لأنه لم يصل كما أمر ، فقد أفسد على الناس صلاتهم ، وأعان على الإثم والعدوان ” انتهى باختصار.
“المحلى” (4/151-153) .
وهذا المعنى الذي أشار إليه ابن حزم رحمه الله ، من أن الإمام الذي يمد التكبير قد يؤدي إلى إفساد صلاة المأمومين لسبقهم الإمام في التكبير ، قد أشار إليه الإمام أحمد رحمه الله فيما يتعلق بتكبيرة الإحرام . فقال : كما نقله عنه صاحب “طبقات الحنابلة” (1/351) : “وربما طوّل الإمام في التكبير إذا لم يكن له فقه، والذي يكبِّر معه ربّما جزم التكبير ففرغ من التكبير قبل أن يفرغ الإمام؛ فقد صار هذا مكبِّراً قبل الإمام، ومن كبّر قبل الإمام فليستْ له صلاة لأنه دخل في الصلاة قبل الإمام وكبّر قبل الإمام فلا صلاة له” انتهى .
فتبين بذلك : أن مد التكبير في الصلاة ليس من السنة ، بل قد يؤدي إلى مفسدة ، وهي تعريض المأمومين لمسابقة الإمام أو موافقته ، وبذلك تختل المتابعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا) رواه البخاري (378) ومسلم (411) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب