تنزيل
0 / 0

هل للموت والدفن في مكة أو المدينة فضيلة خاصة ؟

السؤال: 146927

هل ورد حديث صحيح في فضيلة دفن الميت بمكة أو المدينة ، وهل ورد حديث صحيح في فضيلة من مات بمكة أو المدينة ، وما رأي فضيلتكم فيما يفعله بعض أقارب الميت ، حينما يموت في بلد خارج الحرمين ، فيريدون أن ينقلوه إلى أحد الحرمين والصلاة عليه هناك ، ومن ثم دفنه ، وذلك بحجة قدسية المكان ، هل هذا له أصل في السنة ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اتفق الفقهاء على استحباب الدفن في مقابر الصالحين ، وفي الأماكن الفاضلة ،
ويستدلون على ذلك بأدلة كثيرة ، منها :

1-
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(
مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا ؛ فَإِنِّي أَشْفَعُ
لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا )

رواه الترمذي (رقم/3917) وقال : حسن صحيح غريب . وصححه النسائي في ” السنن الكبرى ”
(1/602)، وصححه ابن عبد الهادي في ” الصارم المنكي ” (ص/96)، والشيخ الألباني في ”
السلسلة الصحيحة ” (6/1034)

قال
الطيبي :


أمر بالموت بها وليس ذلك من استطاعته ، بل هو إلى الله تعالى ، لكنه أمر بلزومها
والإقامة بها بحيث لا يفارقها ، فيكون ذلك سببا لأن يموت فيها ، فأطلق المسبب وأراد
السبب ، كقوله تعالى : ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ” انتهى.

نقلا عن ” تحفة الأحوذي ” (10/286)

وجاء في ” فيض القدير ” (6/70) :


قال ابن الحاج : حثه على محاولة ذلك بالاستطاعة – التي هي بذل المجهود في ذلك – فيه
زيادة اعتناء بها ، ففيه دليل على تمييزها على مكة في الفضل ؛ لإفراده إياها بالذكر
هنا .

قال
السمهودي : وفيه بشرى للساكن بها بالموت على الإسلام لاختصاص الشفاعة بالمسلمين ،
وكفي بها مزية ، فكل من مات بها فهو مبشر بذلك .

ويظهر أن من مات بغيرها ثم نقل ودفن بها يكون له حظ من هذه الشفاعة ، ولم أره نصا
” انتهى.

2-
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

(
اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ مَوْتِي
فِي
بَلَدِ رَسُولِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )

رواه البخاري (رقم/1890)

وقد
علق عليه الإمام النووي رحمه الله بقوله :


يستحب طلب الموت في بلد شريف ” انتهى.


المجموع ” (5/106)

بل
بوب عليه رحمه الله بقوله :


باب
استحباب دعاء الإنسان بأن يكون موته في البلد الشريف ” انتهى.


الأذكار ” (ص/98)

3-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن موسى عليه السلام
حين جاءه ملك الموت أنه : (
سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ )
رواه البخاري (رقم/1339) ومسلم (2372)

قال
الإمام النووي رحمه الله :


في هذا استحباب الدفن في المواضع الفاضلة ، والمواطن المباركة ، والقرب من مدافن
الصالحين ” انتهى.


شرح مسلم ” (15/128)

قال
ابن بطال رحمه الله :


معنى سؤال موسى أن يدنيه من الأرض المقدسة – والله أعلم – لفضل من دُفن في الأرض
المقدسة من الأنبياء والصالحين ، فاستحب مجاورتهم في الممات ، كما يستحب جيرتهم في
المحيا ، ولأن الفضلاء يقصدون المواضع الفاضلة ، ويزورون قبورها ويدعون لأهلها .

قال
المهلب : إنما سأل الدنو من الأرض المقدسة ليسهل على نفسه ، وتسقط عنه المشقة التي
تكون على من هو بعيد منها من المشي وصعوبته عند البعث والحشر ” انتهى.


شرح البخاري ” (3/325)

4-
واستدلوا أيضا بحرص عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدفن إلى جانب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وجانب أبي بكر الصديق رضي الله عنه .

فقد
جاء في حديث عمرو بن ميمون في صحيح البخاري (رقم/3700) أن عمر بن الخطاب أمر ابنه
عبد الله قبل موته أن (
انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ : يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ
السَّلَامَ ، وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ
لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا ، وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ
يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا
فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي ، فَقَالَ : يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ السَّلَامَ ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ
صَاحِبَيْهِ ، فَقَالَتْ : كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي ، وَلَأُوثِرَنَّ بِهِ
الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي . فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ : هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ قَدْ جَاءَ ! قَالَ ارْفَعُونِي ، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ ، فَقَالَ :
مَا لَدَيْكَ ؟ قَالَ : الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَذِنَتْ .
قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ )

يقول البهوتي رحمه الله :


يستحب أيضا الدفن في ( ما كثر فيه الصالحون ) لتناله بركتهم ، ولذلك التمس عمر
الدفن عند صاحبيه ، وسأل عائشة حتى أذنت له ” انتهى.


كشاف القناع ” (2/142)

5-
وقد حدث الإمام مالك في ” الموطأ ” (2/325) عن غير واحد ممن يثق به
أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ تُوُفِّيَا بِالْعَقِيقِ ، وَحُمِلَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَا
بِهَا .

قال
ابن عبد البر رحمه الله :


الخبر بذلك عن سعد وسعيد كما حكاه مالك صحيح ” انتهى.


الاستذكار ” (3/57)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

” اختُلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد :

فقيل : يكره ، لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته .

وقيل : يستحب .

والأولى : تنزيل ذلك على حالتين :

فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح ، كالدفن في البقاع الفاضلة ، وتختلف الكراهة في
ذلك ، فقد تبلغ التحريم .

والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل ، كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت
إلى الأرض الفاضلة ، كمكة وغيرها ” انتهى.

” فتح الباري ” (3/207)

6-
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ :

(
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَقَبْرٌ
يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ ، فَاطَّلَعَ رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ ، فَقَالَ : بِئْسَ
مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: بِئْسَ مَا قُلْتَ . فَقَالَ الرَّجُلُ : إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ ! إِنَّمَا أَرَدْتُ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ، مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ
قَبْرِي بِهَا مِنْهَا – ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – يَعْنِي الْمَدِينَةَ
)

رواه مالك في ” الموطأ ” (3/658) ولكنه كما ترى مرسل من مراسيل يحيى بن سعيد ، وقد
ضعفه الشيخ الألباني في ” إزالة الدهش ” (ص/38)، وقال ابن عبد البر رحمه الله : ”
لا أحفظ له سندا ، ومعناه محفوظ في الأحاديث المرفوعة ” انتهى. ” الاستذكار ”
(4/112)

7-
قالوا : ثم إنه يرجى أن ينال المدفون في المكان الفاضل نفعا بمجاورته الصالحين
والعابدين والمؤمنين ، فيخفف عنه العذاب حين تنزل عليهم الرحمات ، ويصيب من نعيمهم
إذ لا يشقى بهم جليسهم ، وهذا الرجاء كاف في استحباب الدفن في الأماكن الفاضلة ،
واجتناب أماكن العذاب ، وقد ورد في شريعتنا ما يدل على استحباب قصد الأماكن الفاضلة
، والنهي عن المكوث في أماكن السخط والعذاب ، فتجعل هذه الأبواب أصلا يقاس عليه
استحباب الدفن في مقابر الصالحين .

8-
قالوا : ثم إن الدفن في مقابر الصالحين يُعَرِّضُ المدفون بينهم إلى دعاء أهل الخير
والصلاح الذين يمرون على هذه المقابر للدعاء لأهلها والاستغفار لمن فيها ، ولا شك
أن التعرض للدعاء بالرحمة والمغفرة مقصد شرعي يجيز تطلب الدفن في الأماكن الفاضلة ،
والبقاع الشريفة .

9-
قالوا : وما زال فعل السلف على ذلك ، ينتقون المقابر الفاضلة ليدفنوا فيها ، لعل
الله أن يشملهم برحمته مع الصالحين .

10- ولأجل ما تقدم ذكره من الآثار ، ووجوه النظر والاعتبار ، نص غير واحد من
الفقهاء ، من المذاهب الأربعة ، على استحباب ذلك  :

جاء في ” الفتاوى الهندية ” الحنفية (1/166) :

” الأفضل الدفن في المقبرة التي فيها قبور الصالحين ” انتهى.

وقال الإمام النووي رحمه الله :

” قال الشافعي في الأم والقديم وجميع الأصحاب : يستحب الدفن في أفضل مقبرة في البلد
لما ذكره المصنف ، ولأنه أقرب إلى الرحمة ، قالوا : ومن ذلك المقابر المذكورة
بالخير ودفن الصالحين فيها ” انتهى.

” المجموع ” (5/246) ، وينظر : ” مغني المحتاج ” ، للخطيب الشربيني (2/52) .

وقال المرداوي رحمه الله :

” يستحب الدفن في البقعة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء وكذا البقاع الشريفة ”
انتهى.

” الإنصاف ” (2/552)

وأما حكم نقل الميت من بلد إلى بلد آخر فقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم :

(8852)

والله أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android