تنزيل
0 / 0

هل تكفي توبة القاتل دون أن يسلم نفسه لأولياء المقتول

السؤال: 147017

عادة ما أدخل على هذا الموقع ، وأقوم بقراءة فتاوى عديدة ، ونحن نكن له تقديرا كبيرا ، لأنه يساعدنا كثيرا ، وقد قرأت الكثير من الفتاوى ، لكنى بحاجة إلى المزيد من التوضيح بخصوص بعضها ، وبيان لفتواكم فيما يلى : بخصوص القاتل الذي قام بقتل شخص ما سرا ، لكنه أخفى جريمته وتاب ، فهل تقبل توبته عن قتل مسلم ، أم إنه يجب عليه أن يعلن ما قام به ، لكي يقتص منه ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

قتل المؤمن عمدا يتعلق به ثلاثة حقوق : حق الله عز وجل ، وحق المقتول ، وحق لأولياء المقتول ، فإن تاب القاتل توبة نصوحا سقط حق الله ، وإن سَلَّم نفسه للأولياء فاقتصوا منه أو أخذوا الدية ، أو عَفَوْا ، سقط حق الأولياء ، وبقي حق المقتول ، ويُرجى أن يسقطه الله عنه ويعوض المقتول من فضله .

قال ابن القيم رحمه الله : ” والتحقيق في المسألة أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق : حق لله ، وحق للمظلوم المقتول ، وحق للولي ، فإذا سلّم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي ، ندما على ما فعل ، وخوفا من الله ، وتوبة نصوحا : يسقط حق الله بالتوبة ، وحق الولي بالاستيفاء أو الصلح ، أو العفو ، وبقى حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ويصلح بينه وبينه ، فلا يبطل حق هذا ، ولا تبطل توبة هذا ” انتهى من “الجواب الكافي” ص 102 ، ونقله المرداوي في “تصحيح الفروع” (6/ 171) وقال : ” وتبع في ذلك الشيخ تقي الدين فإنه فصل هذا التفصيل واختاره , وهو الصواب الذي لا شك فيه “.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” والعمد فيه ثلاثة حقوق :
الأول : حق الله ، وهذا يسقط بالتوبة .
الثاني : حق أولياء المقتول ، ويسقط بتسليم نفسه لهم .
الثالث : حق المقتول ، وهذا لا يسقط ؛ لأن المقتول قد قتل وذهب ، ولكن هل يؤخذ من حسنات القاتل ، أو أن الله تعالى بفضله يتحمل عنه ؟ الصواب : أن الله بفضله يتحمل عنه إذا علم صدق توبة هذا القاتل ” انتهى من “الشرح الممتع” (14/ 7).
 

فإذا أخفى القاتل جريمته ، ولم يخبر أولياء المقتول ، فقد بقي عليه حق الأولياء وحق القتيل .

ومن شروط التوبة إذا كان الذنب متعلقا بالغير : رد الحق إليه ، أو التحلل منه ، فيلزم القاتل أن يخبر أولياء المقتول ليعفوا ، أو يقتصوا ، أو يطلبوا الدية ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ) ، رواه البخاري (6534).
 

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” في مسلم قتل مسلما متعمدا بغير حق، ثم تاب بعد ذلك : فهل ترجى له التوبة، وينجو من النار، أم لا؟ وهل يجب عليه دية، أم لا؟

فأجاب :

” قاتل النفس بغير حق عليه حقان :

حق لله بكونه تعدى حدود الله وانتهك حرماته ، فهذا الذنب يغفره الله بالتوبة الصحيحة ، كما قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) ، أي : لمن تاب . وقال : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) . وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن رجلا قتل تسعة وتسعين رجلا، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ عليه، فسأله : هل من توبة ؟ فقال : أبعد تسعة وتسعين تكون لك توبة ؟ فقتله، فكمل به مائة! ثم مكث ما شاء الله ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل عليه ، فسأله هل لي من توبة ؟ قال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ولكن ائت قرية كذا ، فإن فيها قوما صالحين فاعبد الله معهم ، فأدركه الموت في الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ؛ فبعث الله ملكا يحكم بينهم ، فأمر أن يقاس ؛ فإلى أي القريتين كان أقرب ألحق به ؛ فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة فغفر الله له ).

والحق الثاني : حق الآدميين. فعلى القاتل أن يعطي أولياء المقتول حقهم ، فيمكنهم من القصاص ؛ أو يصالحهم بمال، أو يطلب منهم العفو ، فإذا فعل ذلك فقد أدى ما عليه من حقهم، وذلك من تمام التوبة.

وهل يبقى للمقتول عليه حق يطالبه به يوم القيامة ؟ على قولين للعلماء في مذهب أحمد وغيره ؛ ومن قال يبقى له ؛ فإنه [ يقول ] : يستكثر القاتل من الحسنات حتى يعطي المقتول من حسناته بقدر حقه، ويبقى له ما يبقى، فإذا استكثر القاتل التائب من الحسنات رجيت له رحمة الله ؛ وأنجاه من النار ( ولا يقنط من رحمة الله إلا القوم الفاسقون ) ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (3/ 407)، مجموع الفتاوى (34/ 171).

وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

” وَإِنْ كَانَ قَوَدًا أَوْ حَدَّ قَذْفٍ اُشْتُرِطَ … أَنْ يُمَكِّنَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ ، بِأَنْ يُعْلِمَهُ ، إنْ جَهِلَ الْقَاتِلُ ، وَيَقُولَ لَهُ : إنْ شِئْت فَاقْتَصَّ ، وَإِنْ شِئْت فَاعْفُ ، فَإِنْ امْتَنَعَ [ أي: صاحب الحق ] مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا : صَحَّتْ التَّوْبَةُ ، وَلَوْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ لِلْمُسْتَحِقِّ نَوَى التَّمْكِينَ إذَا قَدَرَ ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ”. انتهى . من “الزواجر” (3/3414-315) .

وقال ابن عابدين رحمه الله : ” قوله ( لا تصح توبة القاتل حتى يسلم نفسه للقود ) أي لا تكفيه التوبة وحدها . قال في “تبيين المحارم” : واعلم أن توبة القاتل لا تكون بالاستغفار والندامة فقط ، بل تتوقف على إرضاء أولياء المقتول ، فإن كان القتل عمدا لا بد أن يمكنهم من القصاص منه , فإن شاءوا قتلوه , وإن شاءوا عفوا عنه مجانا , فإن عفوا عنه كفته التوبة اهـ ملخصا . وقدمنا آنفا أنه بالعفو عنه يبرأ في الدنيا , وهل يبرأ فيما بينه وبين الله تعالى ؟ هو بمنزلة الدين على رجل ، فمات الطالب وأبرأته الورثة : يبرأ فيما بقي ; أما في ظلمه المتقدم لا يبرأ ، فكذا القاتل : لا يبرأ عن ظلمه ، ويبرأ عن القصاص والدية . تتارخانية . أقول ; والظاهر أن الظلم المتقدم لا يسقط بالتوبة ، لتعلق حق المقتول به , وأما ظلمه على نفسه بإقدامه على المعصية فيسقط بها تأمل . وفي “الحامدية” عن “فتاوى الإمام النووي” : مسألة : فيمن قتل مظلوما ، فاقتص وارثه ، أو عفا عن الدية ، أو مجانا ؛ هل للقاتل بعد ذلك مطالبة في الآخرة ؟ الجواب : ظواهر الشرع تقتضي سقوط المطالبة في الآخرة اهـ , وكذا قال في “تبيين المحارم” : ظاهر بعض الأحاديث يدل على أنه لا يطالب . وقال في “مختار الفتاوى” : القصاص مخلّص من حق الأولياء , وأما المقتول فيخاصمه يوم القيامة ، فإن بالقصاص ما حصل فائدة للمقتول ، وحقه باق عليه ا هـ وهو مؤيد لما استظهرته ” انتهى من “حاشية ابن عابدين” (6/ 548).

وقال الشوكاني رحمه الله : ”  والتوبة النافعة ههنا هي الاعتراف بالقتل عند الوارث ، إن كان له وارث ، أو السلطان إن لم يكن له وارث , والندم على ذلك الفعل ، والعزم على ترك العود إلى مثله , لا مجرد الندم والعزم بدون اعتراف وتسليم للنفس أو الدية إن اختارها مستحقها ؛ لأن حق الآدمي لا بد فيه من أمر زائد على حقوق الله ، وهو تسليمه ، أو تسليم عوضه ، بعد الاعتراف به ” انتهى من “نيل الأوطار” (7/ 69).

والحاصل : أن حق الأولياء لا يسقط إلا بتسليم القاتل نفسه لهم ، ولا تتم التوبة إلا بذلك ، وأما حق المقتول ففيه الخلاف السابق ، والأظهر أنه مع التوبة الصادقة يعوض الله عن القاتل يوم القيامة ويصلح بينه وبين المقتول .

والله أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android