أنا تونسي مقيم بفرنسا ، لإرسال المال لأهلي بتونس أتعامل مع شخص تونسي مقيم بفرنسا ، أسلِّمه مبلغ من المال باليورو (في فرنسا) على أن يتولّى شريكه بتونس تسليم ما يقابل ذلك المبلغ لأهلي بتونس وذلك بعد أن نحدِّد بيننا وبالتّراضي ودون رجعة قيمة الصرف بين العملتين والتي عادة ما تكون أعلى بقليل من تلك التي تقترحها شركات التحويل المالي والحوالات البريدية … ويقبض أهلي في تونس النقود مباشرة بعد أن أدفع أنا النقود في فرنسا أو في أجل لا يتعدّى يوما على أقصى تقدير .
في هذه المعاملة منفعة للطرفين : فهي تعفيني من الرسومات التي تفرضها شركات التحويل المالي والتي تُخفِّض من قيمة المبلغ الذي يتسلمه أهلي ، وبالنسبة للطرف الآخر فهو يستغلّ المبالغ التي يجمعها منِّي ومن غيري في تسيير أعماله المعتمدة أساسا على العملة الصعبة (توريد وتصدير ، تجارة عملة…) .
أخبرني شخص أثق في دينه وتقواه أنّ مثل هذه المعاملات على الشاكلة التي وصفتها
حرام استنادا لأحاديث نبويّة تنصُّ على وجوب أن يتِمَّ الدفع والقبض في نفس المكان و ليس بين بلد وآخر وذكر لي أدلّة أخرى لا أذكر فحواها بالتدقيق وهي على كل حال إن وُجِدتْ وصحَّ استعمالها للبرهنة والتوضيح في مثل هذا السِّياق فشيخنا أدرى بها .
نرجو من الشيخ التوضيح مع شيء من التفصيل إن أمكن .
كيف يتم التقابض في تحويل العملة إلى بلد آخر بعملة أخرى؟
السؤال: 147284
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذه المعاملة مشتملة على أمرين : صرف ، وهو مبادلة عملة بعملة . ونقل وتحويل للمال من بلد لآخر .
أما الصرف بين العملات فيشترط فيه التقابض في مجلس العقد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ …مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناسٌ مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام ، فلا يجوز شراء عملة بعملة إلا يدا بيد .
وهذا هو القبض الحقيقي . وذهب كثير من أهل العلم إلى أن استلام الشيك المصدق ، أو ورقة الحوالة يقوم مقام قبض النقود .
جاء في قرار مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة ما نصه : ” بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
” أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف .
ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه ” انتهى .
وفي “فتاوى اللجنة الدائمة” (13/448) : “وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس” انتهى .
وعليه ؛ فلو كانت العملية تتم عن طريق جهة تعطي شيكا مصدقا أو ورقة حوالة معتمدة بعملة بلدك ، فلا حرج ؛ لحصول القبض الحكمي .
وأما إن كان التعامل مع شخص لا يعطي شيكا مصدقا ولا ورقة حوالة معتمدة ، فلا تجوز هذه المعاملة لعدم التقابض في الصرف .
والمخرج في هذه المسألة عدة أمور :
أولا : أن ترسل إلى أهلك بعملة اليورو ، ويتولون هم صرفها هناك .
ثانيا : أن تدفع إليه عملة بلدك ليوصلها إلى أهلك بنفسه أو بوكيله ، مقابل عمولة ، وهذا من باب الوكالة بأجرة ، إن كان سيوصل نفس الأوراق التي أخذها منك .
ثالثا : أن تدفع إليه عملة بلدك على سبيل القرض ، فيوصل مثلها إلى أهلك عن طريق وكيله ، وهذه المعاملة تسمى عند الفقهاء بالسفتجة ، ويكون ربحه من هذه العملية استفادته من مبلغ القرض مدة بقائه عنده ، ويجوز أن يُعطى عمولة أو أجرة لأنه لا محظور في ذلك .
رابعا : يمكن تحقيق التقابض في هذه المصارفة باجتماع المتعاقدين ووكيليهما في وقت واحد ، والتخاطب عبر الهاتف ، وذلك بأن تعطي الشخص المبلغ باليورو ، في ساعة تتفق فيها مع أهلك ليكونوا عند نائب هذا الشخص ، فإذا دفعت المال إلى الصراف ، دفع نائبه إلى أهلك ما يقابله من عملتهم في نفس الوقت ؛ لأن قبض الوكيل كقبض موكّله .
قال في “كشاف القناع” (3/266) : “ولو وكل المتصارفان من يقبض لهما فتقابض الوكيلان قبل تفرق الموكلين جاز العقد , أي صح لأن قبض الوكيل كقبض موكله . وإن تفرق الموكلان قبل القبض بطل الصرف , افترق الوكيلان أو لا لتعلق القبض بالعقد . ولو تفرق الوكيلان ثم عادا بالمجلس وموكلاهما باقيان لم يتفرقا إلى التقابض صح العقد لما تقدم ” انتهى مختصرا .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب