0 / 0
91,54504/05/2010

عند تعارض النصوص الشرعية ، ما العمل؟

السؤال: 147416

حجة مازال الشرع يتتابع كيف تضبط ؟ فمثلا إذا وجد حديث فيه أمر بالإلزام ، ثم وجدنا حديثا آخر في نفس المسألة لم يحتم علينا الأمر ، فيجنح بعض أهل العلم في هذا إلى : 1- الحكم بالوجوب حسب الأصل في الأوامر ، ولا يأخذ بمقتضى الحديث الثاني بحجة أن الشرع مازال يتتابع والوحي ينزل . 2- والبعض يجمع بينهما فيحمل الأمر على الندب . فما ضابط حجة مازال الشرع يتتابع ، ولماذا لا يقال بالندب في المثال السابق بنفس الحجة فيصير الأمر إلى الندب ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

من المعلوم أن كثيراً من الأحكام الشرعية جاء التشريع بها على مراحل ، مراعاة لأحوال الناس زمن نزول الوحي ، فقد يكون الشيء في أول الأمر مستحباً ، ثم يصير واجباً ، أو يكون مباحاً ثم محرماً ، أو العكس .

والعبرة بما استقر عليه الأمر في آخر الأمر .

ففي صحيح البخاري (989) عن ابن شهاب الزهري قال : ( وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).

ورواه مسلم (1113) عنه بلفظ : ( وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ ) .

وفي لفظ: ( فَكَانُوا يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَرَوْنَهُ النَّاسِخَ الْمُحْكَمَ ).

وهذا الذي قاله الزهري هو الذي جرى عليه عمل عامة العلماء : فيؤخذ بآخر الأمرين من النصوص الشرعية ؛ نظراً لتتابع الوحي وتجدد كثير من الواجبات والأحكام .

إلا أن شرط ذلك وضابطه : أن يتعذر الجمع بين النصوص الشرعية بوجه من وجوه الجمع المعتبرة ، وأما إذا أمكن الجمع بينها ، فهو مقدم على الأخذ بأحدهما وترك الآخر .

ومن القواعد المقرَّرة عند العلماء : ” الجمع مقدَّم على الترجيح” ، أو ” الإعمال أولى من الإهمال”.

فإعمال جميع النصوص مقدم على الأخذ ببعضها وترك البعض الآخر .

قال ابن حزم في “الإحكام” (2/151) : ” إذا تعارض الحديثان ، أو الآيتان ، أو الآية والحديث ، فيما يَظنُّ من لا يَعْلَم ، ففرضٌ على كلِّ مسلمٍ استعمالُ كلِّ ذلك ، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض ، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله ، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها ، وكلٌّ من عند الله عز وجل ، وكلٌّ سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق “. انتهى.

وقال الحافظ ابن رجب : “وإذا أمكن الجمع بينها والعمل بها كلها وجب ذلك ، ولم يجز دعوى النسخ معهُ ، وهذه قاعدة مطردة “. انتهى من ” فتح الباري” لابن رجب (5/84) .

وقال الحافظ ابن حجر : ” الجمع أولى من الترجيح ، باتفاق أهل الأصول “. انتهى من ” فتح الباري” لابن حجر (9/474) .

” ومما ينبغي التنبيه له : أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيتين أو بين حديثين صحيحين أو بين آية وحديث صحيح ، وإذا بدا تعارض بين نصين من هذه النصوص ، فإنما هو تعارض ظاهري فقط بحسب ما يبدو لعقولنا ، وليس بتعارض حقيقي ، لأن الشارع الواحد الحكيم لا يمكن أن يصدر عنه دليلٌ آخر يقتضي في الواقعة نفسها حكماً خلافه ، في الوقت الواحد .

فإن وجد نصان ظاهرهما التعارض وجب الاجتهاد في صرفهما عن هذا الظاهر ، والوقوف على حقيقة المراد منهما ، تنزيهاً للشارع العليم الحكيم عن التناقض في تشريعه ، فإن أمكن إزالة التعارض الظاهري بين النصين بالجمع والتوفيق بينهما ، جُمع بينهما وعُمل بهما ، وكان هذا بياناً ، لأنه لا تعارض في الحقيقة بينهما “. انتهى ، “علم أصول الفقه” لخلاف صـ230.

وإن تعذر الجمع بين النصين الشرعيين بوجه من وجه الجمع المقبولة ، فيؤخذ بالمتأخر منهما عندئذ ، ويكون ناسخاً للأول .

وإن لم يعلم المتقدم  منهما والمتأخر ، فيرجَّح بينهما بوجوه الترجيح الكثيرة ، والتي أفاض العلماء في تفصيلها في كتب الأصول ، وللوقوف عليها يرجع إلى “البحر المحيط” (4 / 442) للزركشي ، و”إرشاد الفحول” (2 / 264) للشوكاني.

قال النووي : ” وأما إذا تعارض حديثان في الظاهر ، فلا بد من الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما ، وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه ، والأصوليون المتمكنون في ذلك ، الغائصون على المعاني الدقيقة ، الرائضون أنفسهم في ذلك ، فمن كان بهذه الصفة لم يُشكل عليه شيء من ذلك إلا النادر في بعض الأحيان .

ثم المختلف قسمان :

أحدهما : يمكن الجمع بينهما ، فيتعين ، ويجب العمل بالحديثين جميعاً ، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة ، تعين المصير إليه ، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع ؛ لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به …

القسم الثاني : أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بوجه ، فإن علمنا أحدهما ناسخاً قدمناه ، وإلا عملنا بالراجح منهما ، كالترجيح بكثرة الرواة ، وصفاتهم ، وسائر وجوه الترجيح ، وهى نحو خمسين وجهاً جمعها الحافظ أبو بكر الحازمي في أول كتابه الناسخ والمنسوخ “. انتهى “شرح النووي على مسلم” (1/35) .

والخلاصة :

إذا تعارض نصان شرعيان ، فأول واجب هو الجمع بينهما بأحد وجوه الجمع المقبولة ، فإن تعذر ذلك فيعمل بالمتأخر منهما ، فإن لم يعلم المتأخر فيرجح بينهما ويؤخذ بالأرجح .

ولا بد من ملاحظة أن مناهج الفقهاء في دفع التعارض بين الأدلة الشرعية قد تختلف في الناحية التطبيقية ، فمنهم من يتبين له وجه الجمع بينها ، ومنهم من قد يرى في الجمع تكلفاً فيلجأ إِلى القول بالنسخ أو الترجيح ، وهكذا .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android