0 / 0

هل ثمة تعارض بين كراهية النبي صلى الله عليه وسلم للقيام له وبين رضاه بتقبيل يده ؟

السؤال: 147755

كيف نوفق بين روايتين عن النبي صلي الله عليه وسلم : من ناحية كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يقف الصحابة له ، ومن ناحية أخرى كان يتركهم يقبلون يده وقدمه .
وكما عرفت من السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُحل مثل ذلك أم أنني مخطئ ؟ ولأنني أعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرتكب يوماً خطأ ، وكان يقطع كل طرق الشرك ، ولكننا اليوم نرى الصوفية يقبِّلون يد وقدم شيوخهم ، فكيف نقيم الحجة عليهم من الحديث على مثل هذا ؟ وهل ما يفعله الصوفية صحيح أم خطأ ؟ أم أنه لا خطأ في ذلك لأنني قرأت هنا على هذا الموقع أن هذا قد تم في عدد من المناسبات ، فهل من خطأ في هذا ؟ .
أرجو أن تشرحوا الأمر .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
يزول الإشكال عند الأخ السائل إذا علم الفرق بين ما كان عادة متكررة ، وما كان أحياناً لسبب .
فرؤية الصحابة لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم كانت متكررة في كل يوم ، ولم يكونوا يقومون له عند رؤيته لما كانوا يعلمونه من كراهيته لذلك .
عن أَنَسٍ قَالَ : لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ .
رواه الترمذي ( 2754 ) وصححه ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وكان أصحابه رضي الله عنهم يصافحونه في كثير من المناسبات واللقاءات ، ولم يكونوا يقبلون يده صلى الله عليه وسلم ولا رجله ، وهذا هو هدي أصحابه الذين يرونه ويلتقون به عادة وغالباً ، ولا يتعارض هذا مع تقبيل بعض الصحابة يده ، أو رجله – مع ترددنا في إثبات تقبيل صحابي لرِجله الشريفة – لسبب اقتضى ذلك ، كأن يكونوا حديثي إسلام ، أو قدموا من ديارهم ورأوه لأول مرة ، وغير ذلك من الأسباب التي تدفع لتقبيل يده ورجله الشريفتين .
وأما سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك منهم فلأن ما فعلوه ليس حراماً ، والذي يظهر لنا أنه كان من باب تأليف قلوبهم ، وكانوا هم المبادرين بتقبيل يده الشريفة ، لا أنه يمدها لهم ، وكراهيته صلى الله عليه وسلم لقيام أصحابه له عند رؤيته ليس فيه استثناء ، وهو فعل الأعاجم والأباطرة ، بخلاف تقبيل اليد فإنه علامة تقدير ومحبة ، ولذا لم يختلف أهل العلم في جواز تقبيل الأولاد أيدي والديهم ، ووضعوا شروطاً لتقبيل يد غيرهما ، وهو يدل على أن هناك فروقا بين القيام عند الرؤية ، وبين تقبيل اليد .
ومما يدل على ما ذكرناه من التفريق :
أ. عن أُمّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ – وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ – قَالَ : لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَرِجْلَهُ .
رواه أبو داود ( 5227 ) ، وجوَّد الحافظ ابن حجر إسناده في ” فتح الباري ” ( 11 / 57 ) ، وحسَّنه الألباني في ” صحيح أبي داود ” وقال : ” حسنٌ ، دون ذِكر الرِّجْلين ” .
والحديث بوَّب عليه أبو داود بقوله : ” بَاب فِي قُبْلَةِ الرِّجْلِ ” .
ب. وعن هود بن عبد الله بن سعد قال : سمعت مزيدة العبدي يقول : وفدنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فنزلتُ إليه فقبلتُ يده .
رواه البخاري في ” الأدب المفرد ” ( 587 ) ، وجوَّد الحافظ ابن حجر إسناده في ” فتح الباري ” ( 11 / 57 ) وضعفه الألباني في ” ضعيف الأدب المفرد ” .
فهؤلاء ليسوا ممن يرى النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم ، بل هم قدموا من سفر ، ولم يتكرر منهم هذا الفعل بعدها كلما رأوه صلى الله عليه وسلم ؛ بل إن الظاهر أن الأمر لم يكن لمجرد التقدير والاحترام ، بل كان الغالب على هؤلاء الوافدين الشوق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي أحبوه ، بل آمنوا به واتبعوه ، ولم يروه .

وهذا أقوى ما جاء في السنَّة من تقبيل الصحابة رضي الله عنهم ليد النبي صلى الله عليه ورجله ، وهما كما رأيت : كلاهما في قدوم أقوام إلى المدينة وفرحهم بإسلامهم ورؤيتهم لأول مرة لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، وذِكر ” الرِّجل ” في الحديث الأول في ثبوتها تردد ، والحديث الثاني في ثبوته كله تردد ، وبه تعلم حال الصحابة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم وأنهم لم يكونوا كلما رأوه قاموا له ، ولا كلما صافحوه قبلوا يده ، والاستثناء في تقبيل اليد قد علمت حال ثبوته ، وممن كان فِعله .

ثانياً:
وأما شيوخ الصوفية : فأمرهم مختلف ، حيث يبادرون إلى مدِّ أيديهم لمريدهم لتقبيلها ، وتراهم يرضون عمن يقبلها ، ويغضبون عمن يترك تقبيلها ، وهذا ممنوع بالاتفاق ، وحاشا هذا أن يكون هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا – أيضاً – هدي العلماء الربانيين المهتدين بهديه .

وبمثل هذا التفريق والفقه في المسألة قال أئمة الإسلام :
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
ولم يكن من عادة الصحابة رضي الله عنهم أن يقوموا للنبي صلى الله عليه وسلم ، لما كانوا يعلمون من كراهته لذلك ، ولا كان يقوم بعضهم لبعض … .
والذي ينبغي للناس أن يعتادوا السنَّة في ترك القيام المتكرر للقاء … .
فأما تقبيل اليد : فلم يكونوا يعتادونه إلا قليلاً … .
وأما ابتداء مدِّ اليد للناس ليقلبوها وقصده لذلك : فيُنهى عن ذلك بلا نزاع ، كائناً مَن كان ، بخلاف ما إذا كان المقبِّل المبتدىء بذلك .
” مختصر الفتاوي المصرية ” ( 2 / 26 ، 27 ) .
2. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقوه – صلى الله عليه وسلم – يصافحونه ، ولا يقبلون يده ، وربما قبَّل يدَه بعضُ الصحابة بعض الأحيان ، ولكنها أحوال قليلة ، والمشهور عنهم – رضي الله عنهم- : المصافحة ، وهذا هو الأكثر ، وتقبيل يده أو قدمه : إنما هو شيء قليل ، جاء في بعض الأحاديث لأسباب ، فعله بعض الصحابة عند قدومه من السفر ،
فالحاصل : أن السنَّة الغالبة هي المصافحة عند السلام واللقاء، أما تقبيل اليد : إذا فُعل بعض الأحيان : فلا حرج فيه لمصلحة شرعية ، أما اتخاذه عادة : فهو خلاف السنَّة .
” فتاوى نور على الدرب ” ( شريط رقم 488 ) .
3. وقال الشيخ الألباني – رحمه الله – :
وأما تقبيل اليد ، ففي الباب أحاديث وآثار كثيرة ، يدل مجموعها على ثبوت ذلكعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط
الآتية :
1 – أن لا يتخذ عادة ، بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته ، و يتطبع هؤلاءعلى التبرك بذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن قبلت يده فإنما كان ذلكعلى الندرة ، وما كان كذلك فلا يجوز أن يجعل سنة مستمرة ، كما هو معلوم منالقواعد الفقهية .
2 – أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالم على غيره ، ورؤيته لنفسه ، كما هو الواقعمع بعض المشايخ اليوم .
3 – أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة ، كسنة المصافحة ، فإنها مشروعة بفعلهصلى الله عليه وسلم وقوله ، وهي سبب تساقط ذنوب المتصافحين ، كما روي في غير ماحديث واحد ، فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر ، أحسن أحواله أنه جائز . ” السلسلة الصحيحة ” (1/1/302ـ تحت حديث رقم160) .

ثالثاً:
مثل هؤلاء شيوخ الصوفية لا يشك أحد أن ما يفعلونه من مد يدهم لمريديهم ليس شرعيّاً ، مع ما فيه من ذلة للتابع ، وفتنة للمتبوع .
1. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
ما حكم تقبيل اليد خاصة : ولد لوالده ، أو تلميذ لشيخه ؟ .
فأجاب :
تقبيل اليد احتراماً لمن هو أهل للاحترام كالأب والشيخ الكبير والمعلم : لا بأس به ، إلا إذا خيف من الضرر : وهو أن الذي قُبِّلت يدُه يعجب بنفسه ويرى أنه في مقامٍ عالٍ ، فهنا نمنعها لأجل هذه المفسدة .
” لقاء الباب المفتوح ” ( 177 / السؤال رقم 14 ) .
2. وقال علماء اللجنة الدائمة :
” ما ذكر من تقبيل يدي الشيخ ورجليه وسقوطهم عليها للتقبيل وهو واقف ، وإلصاق جباههم بأيدي الشيخ – من الغلو في تعظيم المخلوق ، ولم يعرف ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا مع الخلفاء الراشدين ، وقد يكون ذلك ذريعة إلى الشرك الأكبر ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (2 / 69)
3. وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
” قد صح عنه صلى الله عليه وسلم تقبيل بعض الناس ليده صلى الله عليه وسلم . ولم ينكر ذلك عليهم ، فدل على جواز تقبيل يد العالم . وقد فعل ذلك السلف مع أفاضلهم ، وفيه عدة آثار تراها في كتاب ” القبل والمعانقة ” لأبي سعيد ابن الأعرابي تلميذ أبي داود وفي ” الأدب المفرد ” للبخاري ( ص 142 ) .
لكن ليس معنى ذلك أن يتخذ العلماء تقبيل الناس لأيديهم عادة ، فلا يلقاهم أحد إلا قبل يدهم – كما يفعل هذا بعضهم – فإن ذلك خلاف هديه صلى الله عليه وسلم قطعا ، لأنه لم يفعل ذلك معه إلا القليل من الصحابة الذين لا يعرفون هديه صلى الله عليه وسلم وما هو أحب إليه كالمصافحة . ولذلك لم يرد أن المقربين منه العارفين به مثل أبي بكر وغيره من العشرة المبشرين بالجنة كانوا يقبلون يده الشريفة ، وهذا خلاف ما عليه بعض المشايخ ، ولو لم يكن في عادتهم هذه إلا تقبيح السنة القولية والعملية التي حض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهي المصافحة لكفى .
ومن العجيب أن بعضهم يغضب أشد الغضب إذا لم تقبل يده ، وما هو إلا شيء جائز فقط ، ولا يغضب مطلقا إذا تركت المصافحة مع أنها مستحبة وفيها أجر كبير ، وما ذلك إلا من آثار حب النفس واتباع الهوى . نسأل الله الحماية والسلامة ” انتهى .
“سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة” (2 / 44) ، حديث رقم (574) .
4. وقال الشيخ عبد الله بن عقيل :
” لم يكن من عادة الصحابة – رضوان اللَّه عليهم – تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أيدي خلفائه الراشدين ، ولا شك أنهم من أعظم الناس محبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وتوقيرا له ، وإنما كانوا يعتادون السلام عليه والمصافحة ؛ اتباعًا لما سنه لهم صلى الله عليه وسلم بأمره وفعله .
وأما ما ورد أنه لما قدم عليه أصحابه من غزوة مؤتة قبلوا يده ، وما جاء في معنى هذا ، فإن ثبت فإنما وقع نادرا جدا .
وقد جوزه بعض الأئمة ، كالإمام أحمد إذا وقع ذلك ، لا على وجه التعظيم للدنيا ، واشترط بعض الأئمة في ذلك أن لا يمد إليه اليد ليقبلها ، ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه .
وذهب بعضهم إلى كراهية تقبيل اليد مطلقا ، كالإمام مالك رحمه اللَّه وقال سليمان بن حرب : هي السجدة الصغرى .
وهذا إذا لم يُفضِ إلى التعظيم والخضوع وتغيير السنة .
أما إذا اقترن بمثل هذه الأمور التي تدخل في نوع من الشرك والبدع ، فلا يجوز أن ينسب إلى أحد من الأئمة تجويزه . واللَّه أعلم ” انتهى .
“فتاوى الشيخ عبدالله بن عقيل” (2 / 185) .

ولتتمة الفائدة في هذه مسألة تقبيل اليد : نرجو النظر في أجوبة الأسئلة (130154 ) و (20243 ) و (133487 ) .
ولتتمة الفائدة في هذه مسألة القيام للقادم : نرجو النظر في أجوبة الأسئلة (13776 ) و (34851 ) و (34497 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android