0 / 0
50,01623/01/2011

مسائل متعددة في الإفتاء والاستفتاء والتقليد

السؤال: 148057

قرأت في مسألة الاختلاف السائغ : عليَّ النظر في الدليل ، ثم اتباع العالم الذي أراه أعلم وأوثق.
لكن لي بعض التساؤلات :
1. هل أنا مؤهل للنظر في الأدلة أم لا ؛ فإني في بداية طلب العلم الذي ينفعني ولم أبدأ بحفظ القرآن ودراسة أصول الفقه ؟
2. هل يجوز لي ان أتبع موقع إنترنت ثقة مشرف عليه عالم ثقة عوضاً عن إتباع عالم ،
3. في حالة عدم وجود الحكم في مسألة معينة عند العالم الذي أتبعه : هل يجوز لي أن آخذ الحكم من عالم آخر ؟ .
4. في حالة وجود الحكم في مسألة معينة عند عالم ثقة لكن ليس الذي أتبعه هل عليَّ البحث على الحكم عند العالم الذي أتبعه أم أكتفي بهذا العالم الثقة ؟ .
5. هل يجوز اختيار العالم الذي أقرب إلى ” فقه الواقع ” و ” تيسر الوصول إليه ” وليس الذي أراه أعلم وأوثق ؟ .
6. إذا كان العالم الذي أراه أعلم وأوثق قد توفي – رحم الله جميع علماء أهل السنَّة – هل يجوز اختيار عالم حي خاصة للاستفتاء ؟ .
7. وهل أعيد أخذ الفتاوى التي أخذتها سابقا من العالم الذي أتبعه ؟ .
8. في الاستفتاء – خاصة في المعاملات – هل يجوز استفتاء عدة علماء أم الأفضل استفتاء عالم واحد فقط لمعرفة هذا العالم بي على العكس عند استفتاء عدة علماء ؟ وهل في هذا تأثير على الفتوى من باب المصالح والمفاسد أو فقه الأولويات أو فقه النفس ؟ .
فأفتوني بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
إذا كنت في أول طلب العلم ، ولم تبدأ بعدُ بحفظ القرآن ، ولا أنت على علم بعلوم الآلة ، فالذي ينبغي عليك أن تبدأ أولا بحفظ القرآن الكريم ، وإتقان تلاوته ، ومعرفة معاني كلماته ، ثم الاهتمام بتعلم تفسيره ، ومعرفة فقهه وأحكامه ، وهذا كله يتطلب منك إلماما مناسبا بعلوم الآلة : اللغة وعلومها ، وأصول الفقه ، ونحو ذلك .
فإذا فرغت من حفظ القرآن فاجتهد في أن تحفظ ما تقدر عليه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة أحاديث الأحكام ؛ ويفضل أن تبدأ أولا بحفظ شيء يسير ، كالأربعين النووية ، ثم بعدها تشرع في حفظ ما هو أكبر ، إما من متون أحاديث الأحكام ، كعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي ، أو بلوغ المرام ، للحافظ ابن حجر ، أو منتقى الأخبار ، لمجد الدين ابن تيمية .
ولو شرعت في حفظ الأحاديث المتفق عليها من ” اللؤلؤ والمرجان ” أو ” الجمع بين الصحيحين ” ، فهو حسن .
والذي ينبغي عليك أن تشغل به نفسك في هذه المرحلة : أن تحفظ ، وتحصل ما تستطيعه من العلوم ، وأنت في سن الطلب والتحصيل ، قبل أن تتقدم سنك ، وتكثر مشاغلك ، ويضعف حفظك .
وأما أن تشغل نفسك بالبحوث المطولة في المسائل الخلافية ، والنظر في أدلة كل قول : فهذا مما لا يفيدك كبير شيء في هذه المرحلة ، ولا أنت مؤهل له ، وسوف يفوت عليك بسببه ما هو أولى بك منه .
على أن هناك من المسائل الواضحات التي تعترض طالب العلم ، ربما لا يحتاج فيها إلى كبير اجتهاد ، أو تضييع زمان في تتبع أقوال المذاهب ، ودلالة النصوص عليها ظاهرة ، مثل كثير من مسائل السنن المستحبات ، وفضائل العبادات ، والأحكام الواضحة : فهذه لا يستغني طالب العلم عن معرفتها ، ومراجعة أدلتها ، مع أنه في ذلك كله سوف يكون آخذا من أهل العلم الذين مهدوا له الطريق ؛ فمجرد ترجمة العالم على الحديث ، أو الآية : باب استحباب كذا ، أو وجوب كذا ، أو كراهة كذا ، أو تحريم كذا : كل ذلك هو نوع دلالة ، وتمهيد له لفهم النص ، ومعرفة مدلوله .
وانظر جواب السؤال رقم (2071 ) .

ثانياً:
الواجب على العامي ، أو طالب العلم الذي لم يتأهل للنظر أن يرجع في أمر دينه ، والنوازل التي تواجهه ، إلى أهل العلم الثقات ، فيسألهم ، ويصدر عن كلامهم . قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأنبياء/43-44 .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
” وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله … ” انتهى من “تفسير السعدي” (441).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” واجتهاد العامة هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم ” انتهى من “جامع الرسائل” (2/318) .
والرجوع إلى المواقع العلمية الموثوقة ، والتي يقوم عليها من تثق فيه من أهل العلم : هو نوع من ذلك الرجوع إلى أهل العلم ، واستفتائهم .
غير أنه في الواقع لا يغني عن الرجوع المباشر إلى أهل العلم الثقات الذين يمكنك الوصول إليهم ، والتعلم منهم ، ومناقشتهم بصورة مباشرة فيما ينزل بك ، أو تستشكله .
وهذا كله ـ بالطبع ـ بحسب استطاعة كل إنسان ، وما تسمح به ظروف بلده ، وقد قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 .

ثالثاً:
في حالة عدم وجود الحكم في مسألة ما عند من تستفيته في دينك ممن ترضى دينه وعلمه : فإنه لا حرج في الانتقال إلى مفتٍ آخر يتصف بمواصفات المفتي الأول الذي ارتضيت دينه وعلمه – فيما ترى وتعلم عنه – ، وإنما المحظور هو أن يكون الانتقال لمجرد الهوى والبحث عن الرخصة ؛ فإن هذا فعل محرَّم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“مَن التزم مذهباً معيَّناً ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ، ومِن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله : فإنه يكون متبعاً لهواه ، وعاملاً بغير اجتهاد ولا تقليد ، فاعلاً للمحرم بغير عذر شرعي ، فهذا منكر” .انتهى من” مجموع الفتاوى ” ( 20 / 220 ) .

رابعاً:
الأصل في المقلِّد أن لا يتحول عن إمامه الذي يقلده إلا إن كان ثمة عذر له في ذلك ، كأن تكون المسألة لم يتطرق لها عالمه – كما سبق قريباً – ، أو يكون رأى غيره أعلم منه في هذه المسألة تحديداً ، فمثل هذا يكون معذوراً في البحث عن الفتوى عند عالمٍ آخر غير الذي يقلده في الأصل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين : إما لرجحان دليله – بحسب تمييزه – ، وإما لكون قائله أعلم وأورع : فله ذلك وإن خالف قوله المذهب” .انتهى من” مجموع الفتاوى ” ( 33 / 168 ) .
وقال – رحمه الله – :
“وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني ، مثل أن يتبين رجحان قول على قول ، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله : فهو مثاب على ذلك ؛، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله ؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال …” .انتهى من” مجموع الفتاوى ” ( 20 / 223 ) .

خامساً:
إن العالِم الشرعي الذي يكون أهلاً لأن يُستفتى لا يكون كذلك وهو يجهل واقع ما يُفتي به ؛ فإن العلم بالواقع من شروط الفتوى ، وقد سبق النقل في ذلك عن ابن القيم رحمه الله في جواب السؤال رقم (138348 ) فليُنظر .
فإذا كان قصد السائل هو ما فهمنا عنه : فليس عليه ملامة ولا حرج ، وأما إن كان يقصد بـ ” فقه الواقع ” من يشتغل بمتابعة الأخبار السياسية ويحللها ويناظر فيها : فهذه الأمور لا تؤهل صاحبها للحكم في مسائل الشرع إن كان خالياً من العلم الشرعي ، فالعلم بالأخبار العالمية السبق فيه للمتفرغ لمتابعتها ، والتحليل السياسي يحسنه الكفار كما يحسنه المسلمون ، فليس هذا مما يجعل العالم بذلك الواقع مؤهلا للإفتاء ، وليس لك أن تقدمه على غيره من أهل العلم الثقات ، وإن هؤلاء العلماء الثقات يتورعون عن القول فيما لا يعرفونه ، فإما تكون منهم إحالة على شخص بعينه أو هيئة بعينها ، أو تختار أنت غيره لكن بما ذكرناه من الشروط وهو أن يكون في ظنك أكثر علماً وأكثر ديانة .

سادساً:
إذا كان العالِم الذي تتبع فتواه وتأخذ منه العلم له مصنفات ، أو علم منقول محفوظ ، أو أشرطة مسجلة : فلا فرق أن يكون على قيد الحياة أو ميتاً ، ولا حاجة إلى إعادة استفتاء عالم آخر حي في نفس النازلة . قال ابن النجار رحمه الله :
” “وَلَهُ” أَيْ وَلِلْعَامِّيِّ “تَقْلِيدُ” مُجْتَهِدٍ “مَيِّتٍ” كَتَقْلِيدِ حَيٍّ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ بَاقٍ فِي الإِجْمَاعِ ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ . وَفِيهِ يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : الْمَذَاهِبُ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا. ” انْتَهَى من ” شرح الكوكب المنير” (4/513) .
وأما إذا لم يكن له شيء من ذلك ، أو احتجت لمسألة لم تجدها عنده في كتاب ولم تسمعها منه من قبل : فكيف سيكون طريق معرفتك لحكم الله إلا بسؤال عالِم تثق بدينه وعلمه ممن هو على قيد الحياة ، فتسأله ، فيجيبك .
وهنا نؤكد للأخ السائل – ولغيره – ليس في دين الله تعالى ما يوجب عليك اتباع عالمٍ بعينه ، بل كل من تسمع منه حكم الله في مسألة ، وترى أنه يصلح للفتوى : فخذ بقوله إذا كان عندك من أهل العلم والدين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
“وإذا نزلت بالمسلم نازلة : فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان ، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به ، بل كل أحدٍ من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته : إنما هو مما يسوغ له ليس هو مما يجب على كل أحد ، إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق ، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله فيفعل المأمور ويترك المحظور” .انتهى من” مجموع الفتاوى ” ( 20 / 208 ، 209 ) .

سابعاً:
إذا انتقلت إلى عالِم حيٍّ ، وصرت تأخذ منه الفتوى : فلا تُعِدْ مسائلك التي أخذتها من الأول على هذا الثاني ، إلا بالشروط التي ذكرناها سابقاً ، وهو أنك ترى أن هذا الثاني أعلم من الأول ، فإن كنت تراه أعلم عموماً فلك إعادة المسائل التي أخذتها عن الأول عليه ، وإن كنت تراه أعلم في جوانب معينة – كالمعاملات الاقتصادية – فلا تعد إلا المسائل من هذا الجنس دون غيرها . وهكذا تشرع الإعادة إذا وقعت في الصدر حزازة وتردد من فتوى الأول .
والمهم في كل ما سبق أن لا يكون إعادة المسائل على الآخر ، والانتقال إليه دافعه الهوى وتتبع الرخص ، وإنما لعذر ولما تراه أنه أعلم وأوثق .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android