0 / 0

ما وجه انتفاع المسلم العاصي والكافر بأن يختم لهم بقول لا إله إلا الله قبل موتهم ؟

السؤال: 149333

إذا نطق شخص بالشهادتين على فراش موته ، ومات بعدها ، فهل يعني ذلك أن هذا الشخص مات على الإيمان ؟ ولهذا يكون مات مسلماً ، أو حتى مؤمناً ، ولذلك فإنه حتى وإن كان عليه أن يقضي مدة في جهنم فإنه في النهاية سيدخل الجنة ، هل هذا القول صحيح ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
رواه أبو داود ( 3116 ) وحسَّنه الألباني في ” إرواء الغليل ” ( 3 / 149 ) .
ولم نتبين ما يقصده الأخ السائل هل أراد به من قال تلك الكلمة الجليلة من الكفار قبل أن يموت أم من المسلمين العصاة ، ولذا سنذكر الجواب على الاحتمالين ، فنقول :
1. فإن كان القائل لتلك الكلمة من المسلمين فهي علامات حسن الخاتمة . لكن تُغفر له ذنوبه بمجرد ذلك ؟ وهل يدخل في ذلك ما يتعلق بحقوق الآخرين ؟ أم إنها علامة على حسن الخاتمة ولا تعني نجاته من العذاب ؟ .
قولان لأهل العلم ، منهم من قال إنها لا تعني نجاته من العذاب ، ومنهم من قال إنه كافيته لينجو من العذاب وليدخل الجنة ابتداءً .
واستدل الأوائل بحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إله إِلاَّ الله فَإِنَّهُ مَنْ كانَ آخِرَ كَلمتِه لاَ إله إِلاَّ الله عِنْدَ المَوْتِ دَخَلَ الجَنَّة يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ وَإِنْ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ ) .
رواه ابن حبان في ” صحيحه ” ( 7 / 272 ) وصححه شعيب الأرنؤوط .
وقال الآخرون بظاهر حديث معاذ رضي الله عنه .
قال النووي – رحمه الله – :
ويجوز في حديث ( من كان آخر كلامه لا إله الا الله دخل الجنة ) : أن يكون خصوصاً لمن كان هذا آخر نطقه ، وخاتمة لفظه ، وإن كان قبل مخلِّطاً ؛ فيكون سبباً لرحمة الله تعالى إياه ، ونجاته رأساً من النار ، وتحريمه عليها ، بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين .
” شرح النووي على مسلم ” ( 1 / 220 ) .

والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن من قالها قاصِداً التوبة والندم على ما فات منه من ذنوب ومعاصٍ أنها كافية لمغفرة تلك الذنوب والخطايا حتى لو تعلقت به حقوق للناس فإن الله تعالى يعوضهم من خزائنه .
وأما المسلم الذي يُختم له بقول هذه الكلمة ولا يستحضر بها التوبة من ذنوبه : فهي لا تعدو أن تكون علامة خير ، وخاتمة حسنة له ، ولا تعني بالضرورة أن تُنجيه مما اقترف من السيئات مما لم تُغفر له.
بوَّب البخاري رحمه الله في صحيحه تحت ” كِتَاب الْجَنَائِزِ ” باباً عنون له ” بَاب مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ” وروى تحته حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه – برقم ( 1180 ) – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي – أَوْ قَالَ : بَشَّرَنِي – أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ) . انتهى ورواه مسلم ( 94 ) .

وفي كتاب ” اللباس ” تحت حديث رقم ( 5489 ) رواه عن أبي ذر بلفظ آخر وهو ( مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ) قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ) قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ : ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرٍّ ) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ – أي : البخاري – : هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ ، إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ ” لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ” : غُفِرَ لَهُ .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
وقال ابن رشيد : يحتمل أن يكون مراد البخاري الإشارة إلى أن من قال ” لا إله إلا الله ” مخلصاً عند الموت ، كان ذلك مسقطاً لما تقدم له ، والإخلاص يستلزم التوبة والندم ، ويكون النطق علَما على ذلك .
وأدخل حديث أبي ذر ليبيِّن أنه لا بد من الاعتقاد ، ولهذا قال عقب حديث أبي ذر في كتاب ” اللباس ” قال أبو عبد الله : هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم .
” فتح الباري ” ( 3 / 110 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً – :
وحاصل ما أشار إليه : أن الحديث محمول على من وحَّد ربه ، ومات على ذلك ، تائباً من الذنوب التي أشير إليها في الحديث ؛ فإنه موعود بهذا الحديث بدخول الجنة ابتداء ، وهذا في حقوق الله باتفاق أهل السنَّة ، وأما حقوق العباد : فيشترط ردُّها عند الأكثر ، وقيل : بل هو كالأول ، ويثيب الله صاحب الحق بما شاء .
” فتح الباري ” ( 10 / 283 ) .

2. وأما إن كان القائل لكلمة ” لا إله إلا الله ” قبل موته كافراً : فتكون الكلمة في حقه ” كلمة إسلام ” ينتقل بها من الكفر إلى الإسلام ، والإسلام يجبُّ ما قبله ، فإن خُتم له بها : لقي ربَّه تعالى مسلماً مغفوراً له كفره وذنوبه ، قال تعالى : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) الأنفال/ 38.
وقد دل على ذلك الأصل نصوص كثيرة من السنة ، منها حديث معاذ المذكور في أول الجواب ، ومن أوضحها :
أ. عَنْ سَعِيد بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ : ( أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ) فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ : يَا أَبَا طَالِبٍ تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ ” عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ” فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ ) فَنَزَلَتْ ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) وَنَزَلَتْ ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) . رواه البخاري ( 3671 ) ومسلم ( 24 ) .
وفي رواية لمسلم ( 25 ) :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ ( قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قَالَ : لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) .
ومن خلال القصة يتبين بوضوح أن من قال كلمة التوحيد قبل الاحتضار نفعه ذلك يوم لقاء ربه تعالى ، وأنه يلقاه بذلك مسلماً ، وواضح في الروايتين أن أبا طالب لم يكن في حال النزع لوجود محاورة النبي صلى الله عليه وسلم له وردُّه عليه ، ولمحاورة أبي جهل وابن أبي أمية – وقد أسلم فيما بعد – له .
قال النووي – رحمه الله – :
وأما قوله ( لما حضرت أبا طالب الوفاة ) فالمراد : قربت وفاته وحضرت دلائلها ، وذلك قبل المعاينة والنزع ، ولو كان في حال المعاينة والنزع : لما نفعه الإيمان ، لقول الله تعالى ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ) ويدل على أنه قبل المعاينة محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش ، قال القاضي عياض رحمه الله : وقد رأيت بعض المتكلمين على هذا الحديث جعل الحضور هنا على حقيقة الاحتضار ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رجا بقوله ذلك حينئذ أن تناله الرحمة ببركته صلى الله عليه وسلم ، قال القاضي رحمه الله : وليس هذا بصحيح ؛ لما قدمناه .
” شرح مسلم ” ( 1 / 214 ) ، وينظر: ” جامع المسائل ” ، لابن تيمية ( 3 / 125 ) .
ب. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ ( أَسْلِمْ ) فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ ) .
رواه البخاري ( 1290 ) .
وقد جاء في بعض الروايات أن ذلك الغلام مات في مرضه ذاك ، فقد جاء عند الإمام أحمد في مسنده – وصححه المحققون – ( 21 / 78 ) ” فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ ” .

وهل يُكتفى بها ـ في حق الكافر ـ عن الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ؟ بالطبع لا ؛ لأن مفتاح دخول الإسلام هو قول الشهادتين ، لكن جاء في السنَّة التعبير بكلمة ” لا إله إلا الله ” عن الشهادتين ، كما جاء مثل ذلك في حديث جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) رواه البخاري ( 2786 ) ومسلم ( 21 ) .
ومن العلماء من يقول يُكتفى بها في حق من يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة لكنه لا يوحِّد ربَّه تعالى ، كما هو حال أبي طالب لما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ” لا إله إلا الله ” فأبى ذلك ، وهذا واضح الخصوصية فيمن كان حاله كحال أبي طالب ، لكن الأولى أقوى وأولى .
قال أبو الحسن المباركفوري – رحمه الله – :
وقال الدميري : نقل في ” الروضة ” عن الجمهور : الاقتصار على ” لا إله إلا الله ” ، ونقل جماعة من الأصحاب أنه يضيف إليها ” محمد رسول الله ” لأن المراد ذكر التوحيد ، والمراد موته مسلماً ولا يسمَّى مسلماً إلا بهما ، والأول : أصح .
أما إذا كان المحتضَر كافراً : فينبغي الجزم بتلقين الشهادتين ؛ لأنه لا يصير مسلماً إلا بهما ، كذا في ” السراج المنير ” .
قلت : كلمة ” لا إله إلا الله ” كلمة إسلام ، وكلمة ذِكر ، فإذا قالها الكافر ليدخل في الإسلام : فهي كلمة إسلام ، وكلمة الإسلام هي كلمتا الشهادة جميعاً ، وإذا ذَكر بها المسلم : فهي ذِكر كسائر الأذكار ، كما قال صلى الله عليه وسلم ( أفضل الذكر لا إله إلا الله ) ، والظاهر : أن المراد في حديث الباب تلقينها من حيث أنها كلمة ذِكر ، فلا يشترط قول ” محمد رسول الله ” عند المحتضر ؛ فإنَّه ليس بذكر وإن كان ركن الإسلام .
والمراد بـ ( موتاكم ) : موتى المسلمين ، وأما موتى غيرهم : فيُعرض عليهم الإسلام كما عرضه عليه السلام على عمه عند السياق ، وعلى الغلام الذمي الذي كان يخدمه .
قال في ” المجموع ” : يُذكر عند المحتضر ” لا إله إلا الله ” بلا زيادة عليها ، فلا تسن زيادة ” محمد رسول الله ” ؛ لظاهر الأخبار ، وقيل : تسن زيادته ؛ لأن المقصود بذلك التوحيد ، ورُدَّ بأن هذا موحد ، ويؤخذ من هذه العلة ما بحثه الأسنوي : أنه لو كان كافراً لقِّن الشهادتين وأُمر بهما ، قاله القسطلاني .
” مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ” ( 5 / 308 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android