تنزيل
0 / 0

حكم تزيين جدران المساجد وتعليق صورة القدس – وغيرها – في قبلتها

السؤال: 150177

نحن نعيش فتنة كبيرة بسبب تعليق ” صورة القدس ” في القبلة للمسجد ، نريد فتوى على ذلك ، هل نعلقها أم لا ؟ نريد فتوى شرعية تبين ذلك .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
لا يجوز للمصلين أن يجعلوا للشيطان طريقاً إليهم ليفتنهم في أخوتهم واجتماعهم
فيفرِّق بينهم ويجعلهم أعداءً بعضهم لبعض ، وبيوت الله تعالى لم تبنَ لمثل تلك
الاختلافات والنزاعات ، وإنما بُنيت لذِكر الله وإقامة شعائر دينه ، فالواجب على
عقلاء المصلين أن لا يسمحوا بالفرقة أن تكون بين أهل المسجد وعليهم السعي لحل ما
يعترض أخوتهم وائتلافهم بعرض المسائل على أهل العلم الثقات ليفصلوا في مسائل النزاع
، وأن تبقى بيوت الله تعالى بعيدة عن الشقاق والنزاع.

ثانياً:
بخصوص تعليق صورة القدس – أو غيرها من الصور في المسجد – : فأقل أحوال ذلك الكراهة
، ويزداد النهي عن ذلك ، وتشتد كراهته إذا كانت الصورة معلقة في جهة القبلة .
والواجب أن تُصان بيوت الله عن مشابهة الكنائس وبيوت العبادة عند الكفار حيث يحرصون
على تلوين الجدران وتزيينها وتعليق الصور والتحف في أرجاء تلك البيوت .
وقد روى البخاري في صحيحه – معلَّقاً – ( 1 / 171 ) – عن عُمَر بن الخطاب لما أمر
بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ النبوي َقَالَ : ” أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ ،
وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ ” .
والتحمير والتصفير إنما يكون في الجدران ، وهو من الزينة والزخرفة التي رغِب عنها
النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من هديه . عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ
الْمَسَاجِدِ ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ” لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى ” .
رواه أبو داود ( 448 ) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
وهذه الزخرفة هي التي تكون داخل المساجد على الجدران ، فتبين أن الصحابة الأجلاء قد
نهوا عن زخرفة المساجد وتزيينها بالتلوين لجدرانها ، وبالنقش في جدرانها ، وغير ذلك
من أنواع وأشكال الزخرفة .
ولا شك أن تعليق الصور في جدران المساجد ووضع البراويز بالآيات المزخرفة ، هو من
الزخرفة والتزيين المنهي عنه في كلام الصحابة الأجلاء ، فلا يخرج حكم تزيين جدران
المساجد عن كونه بدعة ، أو مشابهة لأهل الكتاب وكلاهما منهي عنه في الشرع المطهَّر
، ويشتد المنع إذا كانت تلك الزينة في قبلة المسجد ؛ لإشغالها المصلي عن التدبر
والخشوع في صلاته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها ، حين حرفوا كتبهم وبدَّلوها ” انتهى .

وفي ” الموسوعة الفقهية ” (
23 / 217 ، 218 ) :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يكره زخرفة المسجد بذهب أو فضة ، أو نقش ، أو صبغ ، أو
كتابة ، أو غير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن ذلك ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
ما أمرت بتشييد المساجد ) والتشييد : الطلاء بالشِّيد ، أي : الجص ، قال ابن عباس :
” لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ” ، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ) – رواه أبو داود
والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني – ، وروى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله
عنه أمر ببناء مسجد وقال : ” أكنَّ الناس من المطر ، وإياك أن تُحمِّر أو تصفِّر
فتفتن الناس ” ، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : ” إذا حلَّيتم مصاحفكم وزخرفتم
مساجدكم فالدمار عليكم ” ؛ ولأن ذلك يلهي المصلي عن الصلاة بالنظر إليه فيخل بخشوعه
، ولأن هذا من أشراط الساعة .
انتهى
وقال الشيخ حسام الدين عفانة – أستاذ الفقه والأصول في ” كلية الدعوة وأصول الدين ”
جامعة ” القدس ” – وفقه الله – بعد أن ساق طائفة من الأدلة على منع تعليق الصور في
المسجد – :
أرى أنه لا يجوز تعليق الصور مهما كانت في قبلة المسجد ، وكذلك تعليق اللوحات سواء
كانت لوحات قرآنية ، أو مجلات حائط أو نحوها ، في قبلة المسجد وأمام المصلين ؛
لأنها بالتأكيد تشغلهم عن صلاتهم ، وينبغي – بشكل عام – تنزيه المسجد عن مثل هذه
الأمور ، فالمساجد ليست معارض ، ولا متاحف لتعليق الصور أو اللوحات الفنية ، أو
الزخرفات المختلفة .
” فتاوى حسام الدين عفانة ” ( 1 / 177 ) – ترقيم الشاملة – .

ثالثاً:
ليَعلم كل من تسبَّب في إشغال المصلين عن صلاتهم أن له نصيباً من الإثم بسبب
مخالفته لحكم الشرع ، ولإشغال قلوب المصلين عن صلاتهم .
قال أبو حامد الغزالي – رحمه الله – :
وفِرقة أخرى ربما اكتسبت المال من الحلال وأنفقت على المساجد ، وهي أيضا مغرورة من
وجهين :
أحدهما :
الرياء وطلب الثناء ؛ فإنه ربما يكون في جواره أو بلده فقراء ، وصرف المال إليهم
أهم وأفضل وأولى من الصرف إلى بناء المساجد وزينتها ، وإنما يخف عليهم الصرف إلى
المساجد ليظهر ذلك بين الناس .
والثاني : أنه يصرف إلى زخرفة المسجد وتزيينه بالنقوش التي هي منهي عنها ، وشاغلة
قلوب المصلين ومختطفة أبصارهم ، والمقصود من الصلاة : الخشوع وحضور القلب ، وذلك
يفسد قلوب المصلين ، ويحبط ثوابهم بذلك ، ووبال ذلك كله يرجع إليه ، وهو مع ذلك
يغتر به ، ويرى أنه من الخيرات ، ويعدُّ ذلك وسيلة إلى الله تعالى ، وهو مع ذلك قد
تعرض لسخط الله تعالى ، وهو يظن أنه مطيع له وممتثل لأمره وقد شوش قلوب عباد الله
بما زخرفه من المسجد ، وربما شوَّقهم به إلى زخارف الدنيا ، فيشتهون مثل ذلك في
بيوتهم ، ويشتغلون بطلبه ، ووبال ذلك كله في رقبته ؛ إذ المسجد للتواضع ولحضور
القلب مع الله تعالى .
” إحياء علوم الدين ” ( 3 / 408 ) .

وقد سبق ذكر هذا الحكم
بأدلته في جواب السؤال رقم (
127987
)، وفيه بيان المنع من كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في
قِبلة المسجد ؛ ولا شك أن تعليق الصور ، ولو كانت للمسجد الأقصى في قبلة المسجد ،
أولى بالمنع من مجرد كتابة الآيات القرآنية .

ونسأل الله لكم التوفيق
للعلم النافع والعمل الصالح ، وأن يكون ما ذكرناه هنا كافياً لقطع النزاع بينكم ،
وأن لا يتردد الإخوة في نزع تلك الصورة أو اتخاذ قرار بعدم تعليقها ؛ استجابة لحكم
الشرع العام بترك التنازع ونبذ الفُرقة ، وحكمه الخاص في عين المسألة .
وسئل الشيخ الألباني رحمه الله : ” بالنسبة لتعليق بعض الصور ، مثل : المسجد الأقصى
ومسجد الصخرة ، يعني في البيوت ، بيجوز هذا أستاذنا ؟” .
فأجاب :
” إذا كان مقصود من السؤال أن لها حكم الصور التي لها أرواح ، الجواب : ليست كذلك ،
لكن إذا كان المقصود بصورة عامة ، فنقول : إن هذا مما يكره ، لأنه من باب الزينة
والزخارف التي لا يحث الإسلام على استعمالها ، بخاصة إذا كان الشيء المعلق يتضمن
شيئاً لا يقره الشرع ، وهنا عندك نقطة مهمة جداً ، بمعنى مسجد الصخرة فيه صخرة ، من
الخطأ أن يُعتقد فيها قداسة معينة أو فضل معين ، بالعكس هذا خطأ لا يقره الإسلام ،
فحينما توضع صورة في البيت ، في مكان يشعر ويوحي أن هذا الواضع يؤيد قداسة هذا الذي
وضع صورته في جداره ، لا شك أن هذا خطأ في خطأ ، هذا بالنسبة للصخرة ، لما بنترك
الصخرة إلى مسجد الرسول عليه السلام – مثلاً – علقناها الصورة ، نفس الشيء يُقال ،
فأنت تعليقك لها يوحي أو يشعر بأنك تقر مثل هذا الأمر القائم في هذه الصورة ، وهكذا
، فينبغي الابتعاد عن هذه الصور ” انتهى .
فتوى منشورة بهذا الرابط :

http://www.almenhaj.net/makal.php?linkid=1726

والله أعلم.

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android