أعرف قرية ريفية في دولة تركيا محافظة جداً وشعائر الدين تقام فيها بكل يسر والحمد لله ، ولا تكاد تجد امرأة ، فضلاً عن أن تجد متبرجة ، ثم إن من أسباب سفري لهذه القرية هو إحياء عبادة التفكر في صنع الله جل جلاله ، والتأمل في مخلوقاته عز وجل ، فهل يجوز السفر بهذه النية ، وإلى هذه القرية مادامت خالية من المنكرات .
هل يسافر إلى بلد آخر لإحياء عبادة التفكر ؟
السؤال: 150371
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
التفكر عبادة شرعية ، تصفي القلب ، وتؤنس وحشته ، وتروض النفس على المراجعة والتتبع ، وتذكرها بآيات الله الكونية والشرعية ، وتخلصها من أسباب التلهي .
قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران / 190 ، 191
وقال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الجاثية / 13
وروى النسائي في “السنن الكبرى” (11850) بسند جيد عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأُمِّ الدَّرْدَاءِ : أَيُّ عِبَادَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانَتْ أَكْثَرَ ؟ قَالَتْ : التَّفَكُّرُ ، وَالاِعْتِبَارُ .
وروى ابن أبي شيبة في “المصنف” (35728) بسند صحيح عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : ” تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ ” .
ولكن هذه العبادة لا تحتاج إلى تكبد مشاق السفر ، ومعاناة أثقاله ، من مغادرة البلاد ، وترك الأهل والصحب والولد ، وإنفاق المال ، إلى غير ذلك مما هو معلوم .
ويحصل التفكر وتحصل ثمرته في العادة بتدبر آيات الله الكونية الموجودة في كل مكان ، وفي أنفسنا ، وفي آياته الشرعية .
فمن أحسن النظر في آيات الليل والنهار ، وتفكر في خلق السموات والأرض ، وتدبر في الكون من حوله ، وتدبر معاني القرآن ، حصل له مقصوده من هذه العبادة ، دون أن يعاني السفر ومشاقه .
فإن كنت تريد السفر للتفكر الشرعي ، فليس لك أن تسافر خاصة لأجله ، حيث كان يمكنك تحقيقه في حال حلك وإقامتك ، وصبغته بالصبغة الشرعية فيه تكلف ظاهر .
أما إذا كان مقصودك التنزه والتفرج فلا بأس بالسفر لهذه الغاية المباحة ، إذا كان في بلاد آمنة من المنكرات ، كالتي ذكرتها ، ولم يعد سفرك بآثار سلبية عليك أو على أسرتك .
والذي ننصحك به : استغلال الوقت والجهد والمال فيما يعود عليك في أمر دينك ودنياك ، بما هو أفضل لك من هذا السفر ؛ كأن تسافر لمكة لعمل عمرة ، أو للصلاة في البيت الحرام ، والذي تكون الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد ، أو للطواف ، أو تسافر إلى المدينة ، لتنعم بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أن تسافر في طلب العلم ، أو الدعوة إلى الله ، إلى غير ذلك من المقاصد الشرعية .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب