0 / 0
31,36802/08/2010

كيف نفرق بين السنة والعادة كلبس العمامة

السؤال: 151146

أشكل علي أمر ، ألا وهو التفريق بين إتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله على أنها سنة ، وعدم إتباعه على أنها من العادات ، كمسألة العمامة وإطالة الشعر مثلا .
ومعلوم أن السنة قول أو فعل أو إقرار ، فكيف يكون المعيار الذي أفرق به ؛ حيث إذا قلنا لا بد وأن يصاحب الفعل أمر ، أصبحت سنة قوليه .
أرجو التوضيح .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

السنة : ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير .

والأصل في أقواله صلى الله عليه وسلم أنها للتشريع ، لأنه مبلغ عن ربه ، مرسل لهداية الخلق ، مأمور بالبيان ، كما قال تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) النحل/44 ، وقال : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) المائدة/67 .
ويدل على أن الأصل في أقواله صلى الله عليه وسلم أنها للتشريع : ما روى أبو داود (3646) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: ( اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ).

وقد يقول صلى الله عليه وسلم القول لا يريد به التشريع ، وهذا خلاف الأصل ، ولابد من دليل يبين أنه لغير التشريع ، كما في قصة تأبير النخلة المشهورة .

وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم فقد تصدر منه على وجه التشريع ، وقد تكون من أفعال الجبلة والعادة التي هي مقتضى البشرية ، وقد تتردد بين أن تكون للجبلة أو للتشريع ، وقد يكون الفعل خاصا به صلى الله عليه وسلم ، فهذه أربعة أقسام .

وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله في “كتاب الاعتصام” من “صحيحه” : “باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم” .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه :

” الْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .

وَقَدْ ذَهَبَ جَمْع إِلَى وُجُوبه لِدُخُولِهِ فِي عُمُوم الْأَمْر بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ ) وَبِقَوْلِهِ ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه ) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَاتَّبِعُوهُ ) ؛ فَيَجِب اِتِّبَاعه فِي فِعْله كَمَا يَجِب فِي قَوْله حَتَّى يَقُوم دَلِيل عَلَى النَّدْب أَوْ الْخُصُوصِيَّة .

وَقَالَ آخَرُونَ : يَحْتَمِل الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة فَيَحْتَاج إِلَى الْقَرِينَة .

وَالْجُمْهُور لِلنَّدْبِ إِذَا ظَهَرَ وَجْه الْقُرْبَة . وَقِيلَ : وَلَوْ لَمْ يَظْهَر [ أي: إنها للندب أيضا ] . وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ بَيْن التَّكْرَار وَعَدَمه .

وَقَالَ آخَرُونَ : مَا يَفْعَلهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ ، فَحُكْمه حُكْم ذَلِكَ الْمُجْمَل ، وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إِبَاحَة ؛ فَإِنْ ظَهَرَ وَجْه الْقُرْبَة فَلِلنَّدْبِ ، وَمَا لَمْ يَظْهَر فِيهِ وَجْه التَّقَرُّب فَلِلْإِبَاحَةِ , وَأَمَّا تَقْرِيره عَلَى مَا يَفْعَل بِحَضْرَتِهِ فَيَدُلّ عَلَى الْجَوَاز . وَالْمَسْأَلَة مَبْسُوطَة فِي أُصُول الْفِقْه ” انتهى من “فتح الباري” (13/288-289) .

فمن أمثلة ما كان للتشريع : أفعال الوضوء ، والصلاة ، والحج . ويعلم أنها للتشريع من جهات :

الأولى : أن تكون بيانا لما أُمر بها ، إيجابا ، أو ندبا ، كأفعال الوضوء فإنها بيان لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) المائدة/6

الثانية : أن يصرح فيها بالدعوة للاقتداء والتأسي ، كقوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ، أو قوله : خذوا عني مناسككم .

الثالثة : الترغيب فيها مع فعلها ، وتجتمع هنا السنة القولية والفعلية .

وضابط الأفعال الجبلية : كل ما يفعل بمقتضى البشرية ، ولا يظهر منه قصد التعبد والتشريع والدعوة للاقتداء ، وذلك كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، والنوم ، والاستظلال ، والمشي ، وتسريح الشعر ، وإطالته ، أو تقصيره ، ولبس الإزار والرداء والقميص (الثوب) والعمامة ، لأن الإنسان لابد له من لباس يلبسه ، وقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم هذه الألبسة التي كانت في قومه .

وأما المحتمل للجبلي والتشريعي ، فضابطه : أن تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها ، لكنه وقع متعلقًا بعبادة ، بأن وقع فيها أو في وسيلتها ، كالركوب إلى الحج ، ودخول مكة من كَداء ، ونزول صلى الله عليه وسلم المحصّب بعد الحج (وهو اسم موضع بين مكة ومنى وإلى منى أقرب، ويسمى الأبطح)، وقد اختلف الصحابة في هذا النزول : هل هو تشريع أو ليس كذلك ، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يراه سنة، وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: ” ليس التحصيب (أي: نزول المحصب) بشيء ، إنما هو منزل نزله رسول الله – صلى الله عليه وسلم -” ، وكانت عائشة رضي الله عنها توافق ابن عباس فتقول: ” نزول الأبطح ليس بسنة ، إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج “.
وينظر : صحيح البخاري (1765) ، (1766) ، صحيح مسلم (1310).

فما احتمل الجبلي والتشريعي ، تردد بين أن يكون مباحا أو مندوبا .

وأما الجبلي المحض ، فهو مباح ، ولو تأسى فيه متأس فلا حرج عليه ، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يلبس النعال السبتية ، ويصبغ بالصفرة، فسئل عن ذلك فقال: “… وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها….”. رواه البخاري (1/267) برقم (166).
وورد عن الإمام الشافعي أنه قال لبعض أصحابه: اسقني، فشرب قائمًا ، فإنه – صلى الله عليه وسلم – شرب قائمًا.
وورد عن الإمام أحمد أنه تسرى واختفى ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر ، اقتداءً بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – في التسري واختفائه في الغار ثلاثًا، وقال: ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطى الحجام دينارًا .

وينظر : معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ، للدكتور محمد حسين الجيزاني، ص 128 ، تيسير أصول الفقه ، لعبد الله بن يوسف الجديع (121-124).

ثانيا :

يتبين مما سبق أن أفعال الجبلّة ليست من السنن ، بل هي من العادات المباحة ، ولا حرج في التأسي بها ، إلا أن تكون مخالفة لما عليه الناس ، كلبس الإزار والرداء في مجتمع لا يلبس فيه ذلك ، أو لبس العمامة في قوم لا يعتادونها ، أو إطالة الشعر إذا صار ذلك شعارا للفسقة ، فينبغي ترك ذلك لما فيه من الشهرة أو المشابهة لمن أمرنا بمخالفتهم .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في حديثه عن الخضاب ـ يعني : بالحِنَّاء ـ وخلاف السلف فيه :

” الْخِضَاب مُطْلَقًا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ اِمْتِثَال الْأَمْر فِي مُخَالَفَة أَهْل الْكِتَاب , وَفِيهِ صِيَانَة الشَّعْر عَنْ تَعَلُّق الْغُبَار وَغَيْره بِهِ , إِلَّا إِنْ كَانَ مِنْ عَادَة أَهْل الْبَلَد تَرْك الصَّبْغ ، وَأَنَّ الَّذِي يَنْفَرِد بِدُونِهِمْ بِذَلِكَ يَصِير فِي مَقَام الشُّهْرَة : فَالتَّرْك فِي حَقّه أَوْلَى ” انتهى من “فتح الباري” (10/367-368) .

وقد نص على ذلك جمع من أهل العلم فيما يتعلق بالمسألتين : لبس العمامة ، وإطالة الشعر ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (113894)ورقم (69822)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android