ما ضابط الاقتداء في الإمام، وهل إذا زاد الإمام ركن أو ترك ركن أو ترك واجب أو زاد واجب زاد سنة أو ترك سنة هل يتابع أم ينوي المصلي نية المفارقة؟ أرجو الإجابة بتفصيل ممل للأهمية لقصوى بكافة الصور المذكورة مع ضرب الأمثلة؟ لحاجة الناس إلى تعلم هذه الأمور وصعوبة إيجادها في الكتب الكبيرة لنقص العلم، والله المستعان.
أحوال المأموم مع الإمام فيما لو زاد في صلاته أو نقص منها .
السؤال: 152929
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
– يجب على المأموم أن يتابع إمامه في كل أفعال الصلاة ما لم يخل بشيء منها ؛ لما روى البخاري (689) ومسلم (411) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ ) .
قال النووي رحمه الله :
” فِيهِ وُجُوب مُتَابَعَة الْمَأْمُوم لِإِمَامِهِ فِي التَّكْبِير وَالْقِيَام وَالْقُعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود ، وَأَنَّهُ يَفْعَلهَا بَعْد الْمَأْمُوم فَيُكَبِّر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام بَعْد فَرَاغ الْإِمَام مِنْهَا ، فَإِنْ شَرَعَ فِيهَا قَبْل فَرَاغ الْإِمَام مِنْهَا لَمْ تَنْعَقِد صَلَاته ، وَيَرْكَع بَعْد شُرُوع الْإِمَام فِي الرُّكُوع وَقَبْل رَفْعه مِنْهُ ، فَإِنْ قَارَنَهُ أَوْ سَبَقَهُ فَقَدْ أَسَاءَ ، وَكَذَا السُّجُود ، وَيُسَلِّم بَعْد فَرَاغ الْإِمَام مِنْ السَّلَام ، فَإِنْ سَلَّمَ قَبْله بَطَلَتْ صَلَاته إِلَّا أَنْ يَنْوِي الْمُفَارَقَة فَفِيهِ خِلَاف مَشْهُور ، وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ لَا قَبْله وَلَا بَعْده فَقَدْ أَسَاءَ ” انتهى .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
” يجب على المأموم أن يتابع إمامه في الركوع والسجود والقيام وفي الرفع منهما ، فلا يركع ولا يسجد ولا يرفع منهما إلا بعد إمامه ، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك ونهيه عن سبق الإمام أو مصاحبته في شيء من ذلك ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (7 /315)
–
وترك الإمام لركن من أركان الصلاة يكون على صور :
1- فإذا ترك الإمام تكبيرة الإحرام عمدا أو سهوا لم تصح متابعته لأن صلاته لم تنعقد ؛ لما رواه أبو داود (61) والترمذي (3) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ) .
وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
” إذا ترك المصلي تكبيرة الإحرام سهوا أو عمدا ، لم تنعقد صلاته ، لأن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام ” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (13 /320)
2- وإن ترك الإمام ركنا لا يمكن تداركه كما لو أخل بقراءة الفاتحة ، أو ترك الطمأنينة في الركوع أو السجود ، فإن المأموم ينوي الانفراد عنه ويتم صلاته منفردا .
قال ابن عثيمين :
” إذا صلى الإمام صلاة يسرع فيها ، لا يطمئن فيها ، ولا يدع من خلفه أن يطمئن ، فهاهنا لا تجوز الصلاة خلفه ، ويجب على من خلفه أن يفارقه ويتم الصلاة وحده ؛ لأنه إذا كان تطويل الإمام إطالة مخالفة للسنة تبيح للمأموم أن يدع إمامه ويتم الصلاة وحده ، فإن ترك الإمام الطمأنينة يبيح الإنفراد ، فإذا كان الإمام يسرع إسراعا لا يتمكن المأموم فيه من القيام بواجب الطمأنينة فإنه يجب على المأموم في هذه الحال أن يفارق الإمام وأن يصلي وحده ؛ لأن المحافظة على الطمأنينة ركن من أركان الصلاة ” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (13 /634)
3- وإن ترك سهوا ركنا يمكن تداركه – كما لو ترك الركوع أو السجود – وجب على المأمومين أن يسبحوا به ، ووجب عليه أن يتداركه ، ولم يجز لهم أن يتركوا متابعته في ذلك لمجرد نسيانه .
وسئل ابن عثيمين :
إذا صلى الإمام ونسي الجلسة بين السجدتين ثم قام وسبح المأمومون هل يرجع أو يتم ويأتي بركعة ؟
فأجاب :
” الآن هذا الرجل ترك الجلسة والسجود الثاني فيجب عليه أن يرجع ، حتى ولو قرأ الفاتحة ، وحتى ولو ركع ، يعني : لو لم ينبهوه إلا بعد أن رفع من الركوع في الركعة الثانية يجب أن يرجع ويجلس ثم يسجد ثم يقوم ويكمل صلاته ، لكن لو وصل إلى الجلسة بين السجدتين في الركعة الثانية صارت الركعة الثانية هي التي قبلها وتقوم مقامها ، لأننا الآن لو قلنا له : ارجع رجع وجلس ، فالمهم خذوا القاعدة أو الضابط : إذا نسي الإنسان ركناً من ركعة وجب عليه أن يرجع إليه متى ذكر ، إلا إذا وصل إلى مكانه في الركعة الثانية ، فإن الركعة الأولى تلغى وتقوم الثانية مقامها ، فإذا وصل إلى مكانها من الركعة الثانية ينويها أن هذا هو عن الركعة الأولى ” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح” (180 /25) .
4- ولو ترك ركنا يعتقده المأموم ولا يعتقده الإمام ، أو فعلا محرما عند المأموم دونه ، صحت الصلاة خلفه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” ولو ترك الإمام ركناً يعتقده المأموم ، ولا يعتقده الإمام : صحت صلاته خلفه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، ومذهب مالك ، واختيار المقدسي ” .
وقال أيضا :
” لو فعل الإمام ما هو محرم عند المأموم دونه ، مما يسوغ فيه الاجتهاد : صحت صلاته خلفه ، وهو المشهور عن أحمد ” انتهى من “الاختيارات الفقهية” (70) .
وينبغي على المأموم متابعة إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد وإن خالفه في حكمه كالقنوت وسجود التلاوة ، وكما لو جمع للمطر وكان المأموم لا يرى ذلك .
قال شيخ الإسلام :
” ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، فإذا قنت قنت معه ، وإن ترك القنوت لم يقنت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إنما جعل الإمام ليؤتم به ” وقال : ” لا تختلفوا على أئمتكم ” ، وثبت عنه في الصحيح أنه قال : ” يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 23 / 115 ، 116 ) .
وأما الزيادة :
فإن زاد الإمام ركنا ناسيا ، كما لو قام لركعة خامسة من الرباعية مثلا ، أو زاد سجودا : وجب على المأموم تنبيهه ، فإن لم يرجع ، لم يجز له متابعته ، وعليه أن يبقى جالسا ويتشهد ويسلم ، فإن تابعه عالما بأن هذه الركعة هي الخامسة بطلت صلاته ، وإن تابعه جاهلا أو ناسيا ، فصلاته صحيحة .
وينظر جواب السؤال رقم : (87853)
– ولو ترك الإمام واجبا من واجبات الصلاة سهوا كالتشهد الأول ، وتكبيرات الانتقال ، وقول سمع الله لمن حمده : لم يجز للمأموم ترك متابعته ، وإنما الواجب تنبيهه على سهوه بالتسبيح: فإن ذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه .
– وإن ذكره بعد مفارقة محله ، وقبل أن يصل إلى الركن الذي يليه : رجع فأتى به ، ثم يكمل صلاته ويسلم ، ثم يسجد للسهو ويسلم .
– وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه : سقط فلا يرجع إليه ، فيستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم .
– فإذا ترك الإمام سنة من سنن الصلاة ، كدعاء الاستفتاح والتعوذ ورفع اليدين عند الركوع والرفع منه ونحو ذلك ، عامدا كان أو ناسيا : فلا شيء عليه ، ولا على من خلفه .
– وكل ما يعد اختلافا على الإمام ، ينبغي للمأموم ألا يفعله ، ما دامت صلاته صحيحة .
وما كان من سنن الصلاة مما يتركه الإمام ، ولم يقتض فعله من المأموم المخالفة له فالمستحب للمأموم فعله .
قال ابن عثيمين :
” يسقط المستحب إذا تركه الإمام ، كأن لا يرى الجلوس للاستراحة ، فإن المشروع في حق المأموم أن يتابعه لا يجلس ، وإن كان يرى استحباب الجلوس .
فإن قلت : وهل مثل ذلك إذا كان الإمام يرى عدم رفع اليدين عند الركوع ، وعند الرفع منه ، وعند القيام من التشهد الأول ، والمأموم يرى استحباب ذلك هل نقول للمأموم : لا ترفع يديك كالإمام ؟
فالجواب : لا ، ارفع يديك ؛ لأن رفع يديك لا يقتضي مخالفة الإمام ، فإنك سترفع معه ، وتسجد معه وتقوم معه بخلاف الذي يقتضي المخالفة ” انتهى .
“مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (13 /632)
راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم : (33790) ، (34458) ، (136385)
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة