أنا والحمد لله مسلم ، أقيم حاليا في أرض الكفر ، وقد ولدت ونشأت بالغرب ، ونويت مؤخرا الهجرة لأرض الإسلام والمسلمين ، وسبحان الله وله الحمد فقد تمكنت من تدبير المال اللازم لرحلتي ؛ والمشكلة التى أواجهها ، والتي أدعو الله أن تساعدوني فيها ، هي أني أعاني من ذنب ما ، وكلما اقترفته أندم وأتوب ، لكني دائما ما أعود إليه ، وشكل هذا مشكلة كبيرة لي
، وحتى أتمكن من التوقف عن هذا الذنب أقسمت يمينا من شدة إحباطى ، وقلت : “والله إذا اقترفت هذا الذنب مجددا فإنى سأنفق المال الذى جمعته للهجرة صدقة ، ولن أدفع كفارة اليمين”. (بمعنى أني حتى لو كان أمامي فرصة دفع الكفارة ، فإني لن أدفعها لأجبر نفسي على دفع المال الذى جمعته ) . لكني ومن غبائي وحمقى فإني اقترفت الذنب ثانية ، فماذا أفعل ؟ هل يجب علي أن أنفق المال وأبدأ في جمعه مجددا ، أم إنه يجوز لي أن أتوب عن أخطائي وأبدأ في الاستعداد للهجرة فى سبيل الله (سبحانه وتعالى)؟ وبارك الله فيكم وجزاكم خيرا
أعد مالا للهجرة ، وأقسم أن يتصدق به إذا وقع في الذنب !!
السؤال: 153613
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قد أحسنت صنعا إذ نويت الارتحال من تلك البلاد والهجرة إلى بلاد الإسلام .
وحيث إنك قدرت عليه بجمعك المال اللازم للسفر ، لكنك أقسمت اليمين الذي أقسمت ، تريد منع نفسك من معاودة ذلك الذنب ، إلا أن نفسك غلبتك فعدت فيه : فيلزمك الاستمرار في مشروع الهجرة ، ولا يقعد بك يمينك الذي حلفت ؛ فإن المشروع في حق من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه .
ولا شك أن مصلحة الهجرة وما يترتب عليها من خير وبعد عن الفتن وأصحابها مقدمة على مضرة الحنث في اليمين .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
” وَالشَّارِعُ يَعْتَبِرُ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصَالِحَ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا قَدَّمَ الْمَصْلَحَةَ الرَّاجِحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمَرْجُوحَةِ ” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (24 /269)
وقد روى البخاري (6718) ومسلم (1649) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) .
وروى مسلم (1650) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ) .
قال النووي رحمه الله :
” فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث : دَلَالَة عَلَى مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل شَيْء أَوْ تَرْكه , وَكَانَ الْحِنْث خَيْرًا مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْيَمِين , اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْث , وَتَلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ ” انتهى .
فبادر بالخروج منها إلى بلاد الإسلام ، فهذا أنفع لك ، وأعظم لاستقامتك على الطريق من إلزام نفسك بالأيمان التي لم تتمكن من حفظها والالتزام بمقتضاها .
وعليك بالصدق في التوبة ، والإقبال على الله ، وحسن الظن به ، وتجديد العهد بالرجوع إليه ، ولا يخيب رجاء فيه ، لو حسن الرجاء ، فلا تيأس من روح الله ، ولا تقنط من رحمة الله ، وشمر عن ساعد الجد ، وأقبل على ربك بقلب خائف راج .. سيصدق اليوم .
وتذكر قول الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) الزمر / 53 – 54
وعليك كفارة يمين عن يمينك الذي حلفت ، واستمر في أمر الهجرة ، وأنفق ما لديك من مال في السعي للخروج من تلك البلاد إلى بلاد الإسلام بسلام ، والله يوفقك ويسددك ويتوب عليك.
والله تعالى أعلم .
راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (23491) ، (45889) ، (87962)
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة