0 / 0

نصائح ووصايا لمن ذهب لبلد مسلم فرأى تفرق وتحزب الدعاة فيه

السؤال: 154644

لقد زرت إحدى المدن الكبرى في إحدى الدول الإسلامية لغرض الدراسة ، فوجدت المسلمين فيها على حال لا يرضي الله ولا رسوله من تنافر لأهل المسجد الواحد ، وعدم التفاهم والكلام ، بل والسلام للأسف الشديد ، وتركت حلقات التحفيظ والعلم ، ومُنع الجادون في إلقاء الدروس العلمية من إلقائها بسبب هذه الفتن الدائرة في الساحة الدعوية ، وأنا سأمكث إن شاء الله تعالى مدة ثلاث سنوات ، ما هي الخطوات التي تنصحني بها في ظل هذا الوضع المؤسف ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
إننا لنأسف على ما يحدث في طول العالم وعرضه من الاختلاف والتفرق بين المسلمين ، ونأسف أشد الأسف على تفرق أهل السنة والجماعة .
وفي ديننا من مظاهر الاجتماع الشيء الكثير ، كالاجتماع على معبود واحد ، ونبي واحد ، وقرآن واحد ، وقبلة واحدة ، وهذا أدعى للاجتماع على منهج واحد يعتمد على الكتاب والسنَّة بفهم خير القرون الذين لا يُختلف على دينهم وصحة منهجهم ، وبدلاً من هذا الاجتماع رأينا التفرق والتحزب ، وكل واحد رضي لنفسه بأن يكون تابعاً لحزب أو جماعة أو شيخ ، ولم يكتف هؤلاء بالتكتل والتحزب حتى أضافوا إلى ذلك البغض والكراهية للأطراف الأخرى ، فحصل التفرق والتشتت ، وأُعجب كل واحد برأيه ومنهجه ، وحارب المناهج الأخرى ، ولو كان ذلك على حساب الدعوة للإسلام ، وإظهار الصورة الحسنة لأحكامه وتشريعاته .
ولسنا هنا بصدد ترجيح طائفة على أخرى ، ولا منهج على آخر ؛ لأن ذلك لن يسهم في الاجتماع بل بالتفرق ، ولسنا نميع ديننا ونقول إننا نريد اجتماعاً على أي شيء حتى لو كان خطأ ، بل نرى أن الصواب في الاعتقاد والمنهج والسلوك هو ما كان عليه خير القرون ، ومن تبعهم على دينهم وفهمهم ، ولذا فإننا نخاطب العقلاء من أهل السنة والجماعة بأن يرضوا لأنفسهم أن يكونوا على منهج العلماء الربانيين الراسخين في العلم في هذا الزمان – إذا خفي عليهم معرفة ما كان عليه سلف الأمة من الاعتقاد والمنهج والفهم للدين – من أمثال الشيخين عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله ، وإخوانهما من أهل العلم ، فهؤلاء جميعاً قدموا خدمات جليلة للإسلام ، ونفعوا المسلمين في عقيدتهم ومنهجهم ، ولم يكونوا أفراداً في جماعات وأحزاب ، ولم يطلقوا ألسنتهم بالطعن والشتم للعاملين للإسلام ، ولم يفرقوا الصف المسلم ، بل مدوا أيديهم لكل المسلمين العاملين للإسلام ، مع النصح والتوجيه والإرشاد للمخالف منهم في شيء من اعتقاده ومنهجه لأهل السنة والجماعة ، وهذا بخلاف غيرهم ممن لم ترسخ قدمه في العلم ، ولم يؤت حكمة ، فراح يفرق الصف المجتمِع ، ويشتت الشباب المؤتلِف ، ولك أن تضع لنفسك قاعدة في معرفة المحق من المبطل ، وهي ” مِن ثمارهم تعرفهم ” ! فانظر لثمار أولئك العلماء الربانيين ، ولثمار غيرهم ممن خالفهم وادعى أنه على طريقهم ، لتعرف المصيب من المخطئ .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
نشاهد في هذا الوقت كثرة الحديث عن الجماعات الإسلامية التي تدعو إلى الله عز وجل ، فأي هذه الجماعات نتبعها ؟ وما موقف المسلم من اختلاف الجماعات ؟ .
فأجاب :
موقفي من هذا : أنه أمر مؤلم ، ومؤسف ، ويُخشى أن هذه النهضة والصحوة الإسلامية تعود فتُهدم ، وتتحطم ، وتشل ؛ لأن الناس إذا تفرقوا كانوا كما قال الله عز وجل : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ، إذا تفرقوا وتنازعوا : فشلوا أو خسروا ، وذهب ريحُهم ، ولن يكون لهم وزن .
أعداء الإسلام – ممن يتسمون ظاهراً ، أو ممن هم أعداء له ظاهراً ، أو ممن هم أعداء له ظاهراً وباطناً – يفرحون بهذه التفرقة ، وهم يوقدون نارها ، ويأتون إلى هذا ويقولون : هذا كذا ، وهذا فيه كذا ، يلقون العداوة والبغضاء بين هؤلاء الإخوة الدعاء إلى الله عز وجل .
فالواجب علينا أن نقف ضد كيد هؤلاء المعادين لله ، ولرسوله ، ولدينه ، وأن نكون أمة واحدة ، وأن يجتمع بعضنا إلى بعض ، ويستفيد بعضنا من بعض ، وأن نجعل أنفسنا كداعٍ واحدٍ ، وطريقُ ذلك : أن يجتمع في كل بلد الزعماء الذين لهم كلمة في إخوانهم ، ويتدارسون الوضع ، ويجتمعون على خطة تكون جامعة للجميع ، حتى وإن اختلف منهاج الدعوة إلى الله عز وجل فلا يهم ، المهم أن نكون إخوة متآلفين على الحق ، متحابين .
وأما قوله : أي هذه الطوائف أفضل ؟ فأنا إذا قلت إن الطائفة الفلانية أفضل : فهذا إقرار لهذا التفرق ، وأنا لا أقره ، وأرى أن الواجب أن ننظر في أمرنا نظرة صدق وإخلاص لله عز وجل ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ، وأن نكون يداً واحدة ، والحق والحمد لله بيِّن ، الحق لا يخفي إلا على أحد رجلين : إما معرض ، وإما مستكبر ، أما مَن أقبل على الحق بإذعان وانقياد : فإنه لا شك سيوفق له .
” الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات” (133-134) .
ثانياً:
الذي ننصحك به أخي الفاضل أمور ، منها :
1. أن لا تنتسب لأحدٍ من تلك الفرق والجماعات ، فإنك إن فعلت ذلك : حُسبتَ عليها ، وخسرتَ غيرها ، بل ابق على صلة حسَنة بالجميع ، ناصحاً ، ومفيداً ، ومستفيداً .
2. أن تنصح لمن تراه مخطئاً ، فإن سمعت غيبة ، أو رأيت تحريشاً : فعليك بالنصح بالتي هي أحسن للتي هي أقوم .
سئل علماء اللجنة الدائمة عن الجماعات العاملة للإسلام فقالوا :
كلٌّ مِن هذه الفرَق فيها حق وباطل ، وخطأ وصواب ، وبعضها أقرب إلى الحق والصواب ، وأكثر خيراً وأعمُّ نفعاً من بعض ، فعليك أن تتعاون مع كلٍّ منها على ما معها من الحق ، وتنصح لها فيما تراه خطأ ، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 2 / 238 ، 239 ) .
3. الاشتغال بطلب العلم ، وصرف وقتك فيما ينفعك من الطاعات والأمور المباحة .
وطلب العلم من أجل العبادات ، ومن أفضل ما يصرف فيه المسلم وقته ، والعلم إن أعطيته كلَّك أعطاك بعضَه ، فلا تضيِّع وقتك بالقيل والقال ، ولا تصرف طاقتك وجهدك لما ليس فيه نفع لك في دينك ودنياك ، فالوقت أنفس ما يُعنى بحفظه ، وما ذهب منه فلن يرجع .
4. الاشتغال بالدعوة والتعليم .
وهي عبادات عظيمة ، أوجبها الله تعالى على من رزقه الله علماً ، وهما زكاة علم المسلم ، يشكر نعمة الله تعالى عليه بأن اصطفاه للقيام بوظيفة المرسلين ، ويرفع الجهل عن الناس ، ويدعوهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة .
5. أن تشتغل بعيوب نفسك فتصلحها ، وتترك عنك تتبع عيوب الناس .
وفي الاشتغال بعيوب مفاسد كثيرة ، منها :
أ. تضييع الوقت بما يضر .
ب. وتزكية النفس بما ليس فيها .
ج. والانشغال عن عيوب نفسك .
د. وتضييع الحسنات وإهداؤها للمتكلَّم فيه .
6. أن تجعل موالاتك للمؤمنين ، ومعاداتك للكافرين ، ولعمل الفاسقين والمبتدعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وليس لأحدٍ أن ينصِّب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته ، ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينصِّب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله ، وما اجتمعت عليه الأمة ، بل هذا مِن فعل أهل البدع الذين ينصِّبون لهم شخصاً ، أو كلاماً يفرِّقون به بين الأمة ، يوالون به على ذلك الكلام ، أو تلك النسبة ، ويعادون .
” مجموع الفتاوى ” ( 20 / 164 ) .
7. الابتعاد عن تصنيف الدعاة والعاملين للإسلام وتجريحهم ؛ فإنها صنعة المفاليس .
قال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – :
وإذا علمتَ فشوّ ظاهرة التصنيف الغلابة ، وأن إطفاءها واجب : فاعلم أن المحترفين لها سلكوا لتنفيذها طرقاً منها :
أنك ترى الجراح القصاب كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم ( ذبيحاً ) فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرَّة ، تمرق من فمه مروق السهم من الرمية ، ثم يرميه في الطريق ويقول : أميطوا الأذى عن الطريق فإن ذلك من شعب الإيمان ! وترى دأبه التربص والترصد : عين للترقب ، وأذن للتجسس ، كل هذا للتحريش ، وإشعال نار الفتن بالصالحين ، وغيرهم ، وترى هذا ( الرمز البغيض ) مهموماً بمحاصرة الدعاة بسلسلة طويلٌ ذرْعها ، رديءٌ متْنها ، تجرُّ أثقالاً من الألقاب المنفِّرة ، والتهم الفاجرة ، ليسلكهم في قطار أهل الأهواء ، وضُلاَّل أهل القبلة ، وجعْلهم وقود بلبلة ، وحطب اضطراب ! وبالجملة فهذا ( القطيع ) هم أسوأ غزاة الأعراض بالأمراض ، والعضِّ بالباطل في غوارب العباد ، والتفكه بها ، فهم مقرَّنون بأصفاد : الغل ، والبغضاء ، والحسد ، والغيبة ، والنميمة ، والكذب ، والبهت ، والإفك ، والهمز ، واللمز ، جميعها في نفاذٍ واحد .
إنهم بحق : ( رمز الإرادة السيئة ) يرتعون بها بشهوة جامحة ، نعوذ بالله من حالهم ، لا رُعُوا .
” تصنيف الناس بين الظن واليقين ” ( ص 22 ، 23 ) .
وقال – حفظه الله – :
وفي عصرنا الحاضر يأخذ الدور في هذه الفتنة دورته في مسالخ من المنتسبين إلى السنَّة ، متلفعين بمرطٍ ( ينسبونه إلى السلفية ) – ظلماً لها – فنصبوا أنفسهم لرمي الدعاة بالتهم الفاجرة ، المبنية على الحجج الواهية ، واشتغلوا بضلالة التصنيف … وصدق الأئمة الهداة : إن رمي العلماء بالنقائص ، وتصنيفهم البائس من البينات : فتح باب زندقة مكشوفة .
ويا لله كم صدت هذه الفتنة العمياء عن الوقوف في وجه المد الإلحادي ، والمد الطرقي ، والعبث الأخلاقي ، وإعطاء الفرصة لهم في استباحة أخلاقيات العباد ، وتأجيج سبل الفساد والإفساد ، إلى آخر ما تجره هذه المكيدة المهينة من جنايات على الدين ، وعلى علمائه ، وعلى الأمة ، وعلى ولاة أمرها ، وبالجملة فهي فتنة مضلة ، والقائم بها ( مفتون ) و ( منشق ) عن جماعة المسلمين .
” تصنيف الناس ” ( ص 28 ، 29 ) .

ونرجو أن تصيب هذه النصائح والوصايا منك قبولاً لها ، وعملاً بها ، وأن يرزقك الله بركة السير على النهج السوي ، والصراط المستقيم .

والله الموفق

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android