لربما كان سؤالي قد سئلَ مراراً من ذي قبل فهو عن " الرهن العقاري " في بلاد غير المسلمين ، إننا نعيش في مجتمع غربي ونعيش في بيوت إيجار لنتجنب الربا ، وقد عرفنا مؤخراً أنه لا يوجد بيوت للإيجار فهناك نسبة 96 % من السوق تعتمد على " الرهن العقاري " ، وجميع البيوت معروضة للبيع فقط ، وقد أخبرني بعضهم أنه يجوز لي في هذه الحال أن أشتري بيتاً عن طريق " الرهن العقاري " ، والأكثر من ذلك أن ذلك من الممكن أن يجري بالحصول على الرهن عن طريق اسم ائتمان العائلة ، فلا يقوم الفرد بدفع الفائدة أو الرهن وإنما يدفعه الائتمان ، فهل يجوز الرهن العقاري باسم الائتمان ؟ بينما أنت وأفراد آخرون أمناء أو مستفيدون ولا تتصلون بشكل مباشر بالبنك ويقوم المحامي بالتواصل مع الرهن نيابة عنك ؟ . أرجو أن تنصحونني إن كان ذلك جائزاً أم لا ؟ .
حكم التعامل بـ ” الرهن العقاري ” في بلد غير مسلم
السؤال: 159213
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
" الرهن العقاري " – Mortgage – معاملة ربوية محرَّمة تقوم على الإقراض بفائدة ربوية ، ويرهن بها صاحبُ المال العقارَ الذي يقترض المقترض من أجله حتى يتم سداد الدَّين مع فوائده الربوية ، وفي حال تأخر المدين عن السداد فإن من حق صاحب المال أن يبيع العقار ويستوفي ماله .
ويقوم بهذه المعاملة : البنوك الربوية ، أو شركات الرهن العقاري ، وتتم المعاملة هذه بأن يأتي الراغب باقتناء بيت إلى شركة الرهن العقاري – أو إلى بنك ربوي – ليعرض عليهم شراء ذلك البيت ويتم تقسيط المبلغ عليه مع زيادة ربوية متفق عليها ، فيجتمع ممثل عن الشركة – أو البنك – مع صاحب البيت والطرف الثالث وهو المقترض ، فيتم في المجلس دفع ثمن البيت كاملاً لصاحبه – وفي بعض الأحيان يدفع المقترض جزءً من الثمن – ويتم توقيع عقد مع المقترض بالمبلغ المدفوع لصاحب البيت مضافاً إليه الفوائد الربوية ، ويتم رهن البيت لصالح شركة الرهن العقاري – أو البنك – التي دفعت المال لصاحب البيت ، وفي حال تخلف المقترض عن سداد شيء من أقساط قرضه ، فإن من حق شركة الرهن العقاري بيع البيت لصالحها لاستيفاء باقي أموالها التي في ذمة المقترض .
وهذه المعاملة من الربا الواضح الصريح ، وقد حرَّم الله تعالى الربا وتوعَّد آكليه بالعقوبات الغليظة ، قال تعالى ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/ 275 .
وهذه المعاملة الربوية لا تحل في ديار المسلمين ولا في ديار الكفار ، ولا تحل من أجل امتلاك البيوت ولا من أجل امتلاك المحلات .
وقد أباح بعض المعاصرين هذه المعاملة الربوية إن كانت في ديار الكفار ، وكانت من أجل تملك بيت يُسكن ، ونسب ذلك الجواز إلى المذهب الحنفي ، واستدل له ببعض أدلة ، وقد تصدى لهذه الفتوى كثير من أهل العلم ، ومنهم الشيخ صلاح الصاوي حفظه الله في كتابه " وقفات هادئة مع فتوى إباحة القروض الربوية لتمويل شراء المساكن في المجتمعات الغربية " ، وقد قدَّم للكتاب : الشيخ علي السالوس حفظه الله ، ومما قاله في مقدمته للكتاب :
"لقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا وموكله ، وقال ( هم سواء ) ، وفي حديث آخر في الربا ( الآخذ والمعطي فيه سواء ) ، فإذا قال أحد – كائنًا من كان – إنهما ليسا سواء : أفنأخذ بقوله أم بقول الله تعالى في بيانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ؟! .
والاقتراض بالربا لتملك مسكن يعني أن المقترض يريد الإقامة الدائمة ! بل وجدناه يتجنس بجنسيتها ! ويصبح محاربًا في جيشها ! أفيصبح المسلم هو نفسه حربيًّا يحل ماله للمسلم غير المقيم ؟! .
إذن : على المسلم المقيم في أوروبا أو أمريكا أن ينتبه لخطورة هذه الفتوى ، وأن هذه البلاد لو اعتبرها دار حرب فلا يجوز له أن يقيم فيها ، ويتجنس بجنسيتها ، ويصبح جنديًّا في جيشها ، وعليه أن يترك البيت الذي تملكه ، سواء أكان بالربا ، أم كان بغير ربا .
إن بعض من وقفوا وراء الفتوى – مثل فضيلة الشيخ القرضاوي – بينوا من قبلُ أن مثل هذه الفتاوى الشاذة لا يؤخذ بها ! فعندما ظهرت فتوى إباحة فوائد البنوك الربوية تصدى لها الشيخ القرضاوي بقوة ، ولا يزال ، ومما ذكره : أن " مجمع البحوث الإسلامية " في مؤتمره الثاني أفتى بتحريم هذه الفوائد ، وشارك في المؤتمر علماء من خمس وثلاثين دولة ، وذكر أسماء بعض العلماء الكبار الأفذاذ الذين شاركوا في إصدار هذه الفتوى ، ثم قال : " الاجتهاد الجماعي لا ينقض ، وإذا جاز أن ينقض فلا ينقض إلا باجتهاد جماعي أكبر منه ، أو مثله على الأقل " .
قلت : وذلك المؤتمر هو نفسه وفي الفتوى ذاتها قال : " الإقراض بالربا محرم ، لا تبيحه حاجة ولا ضرورة ، والاقتراض بالربا حرام كذلك ، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة " ، فذكر في الاقتراض الضرورة شأن كل حرام لذاته ، ولم يذكر الحاجة .
ومجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي قرر بالإجماع ما يأتي : " إن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان ، ويجب أن يوفَّر بالطرق الشرعية بمال حلال ، وإن الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها من الإقراض بفائدة – قلَّت أو كثرت – هي طريقة محرَّمة شرعًا لما فيها من التعامل بالربا " .
وورد إلى المجمع أسئلة من " المعهد العالمي للفكر الإسلامي " بواشنطن ، منه سؤال حول شراء منزل السكنى ، وسيارة الاستعمال الشخصي ، وأثاث المنزل ، بواسطة البنوك والمؤسسات التي تفرض ربحاً محدوداً على تلك القروض : فأجاب المجمع : بأن هذا لا يجوز شرعاً ، ولم يذكر أن المسلمين بواشنطن في دار حرب مثلاً" .انتهى من مقدمة " وقفات هادئة مع فتوى إباحة القروض الربوية لتمويل شراء المساكن في المجتمعات الغربية " ( ص 3 ، 4 ) – ترقيم الشاملة – .
وينظر أيضا للفائدة جواب السؤال رقم ( 126056 ) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة