اللقاحات الطبية التي تُعطى للأطفال هي موضع تساؤلي ، فالنظرية السائدة تقول : إنه بمجرد إعطاء الطفل نسبة بسيطة من فيروسات المرض الفلاني – وهو ما يعرف باللقاح – فإنه بذلك يكتسب مناعة ضد هذا المرض بقية حياته . لكن قلقي زاد بخصوص هذا الأمر بعد أن قرأت أن اللقاحات التي تعطى للأطفال معظمها يستخلص من الدم الفاسد للأحصنة ، ومن قيح بعض الأبقار المريضة ، ومن دم الخنزير ، ومن مخ الأرانب ، ومن كلية الكِلاب ، ومن رحم الدجاج ، والقائمة تطول . فالذي أريد أن أعرفه هو حكم هذه الأشياء ، وهل يجوز للآباء أن يعطوا لأبنائهم هذه اللقاحات ، وإن كانت هذه المعلومات التي قرأتها صحيحة فمعنى هذا أن أطفال العالم يُحقنون بمواد نجسة ومتعفنة ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ( لم يجعل الله دواء أمتي في دائها ) ؟! فما العمل إذاً ؟ .
أنواع اللقاحات الطبية وحكم التطعيم بها
السؤال: 159845
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
التلقيح – ويسمَّى " التحصين " و " التطعيم " – يجعل جسم متناوله يصنع مواد تُعرف بـ " الأجسام المضادة " ووظيفتها : مقاومة الأمراض ، ولا تسبِّب – في الأصل – الأمراض لمتناولها ، وما يحدث من أعراض جانبية جرَّاء أخذها لا يقارن بما لها من نفع مستقبلي بإذن الله .
وفي " الموسوعة العربية العالمية " : التحصين ( التمنيع ) النشط ، مصطلح آخر للتلقيح ، ويحتوي اللقاح على مواد من شأنها تحفيز المناعة في الجسم لإنتاج أجسام مضادة لمرض معد معين ، وهذه الأجسام المضادة تحمي الشخص إذا ما أصيب بالكائن الحي المسبب للمرض .
ويحتوي اللقاح على مادة قوية تكفي للبدء في إفراز الأجسام المضادة ، ولكنها ليست بالقوة التي تسبب المرض فعلاً ، ومعظم اللقاحات تحتوي على البكتيريا المسببة للمرض أو فيروسات ميتة ، ويحتوي بعضها الآخر على الجراثيم الحية ، ولكن في حالة ضعيفة حتى لا تسبب المرض ، وتُعرف اللقاحات باسم " الذوفانات " ، حيث تُصنّع من سموم تفرزها الكائنات المسببة للمرض ، وتُعالج هذه السموم كيميائيّاً بحيث تعطي المناعة دون أن تسبب المرض .
انتهى
ثانياً:
وحكم التطعيم يرجع إلى حكم المواد المستعملة فيه والآثار المترتبة عليها ، وهي أقسام :
القسم الأول :
ما كان منها مواد مباحة الاستعمال في الأصل ، ولها آثارها النافعة .
وهذه لا شك جائزة ، بل هي من نعَم الله تعالى العظيمة على الخلق ، وقد ساهم هذا الإنجاز الطبي في القضاء على انتشار أوبئة كثيرة .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري – حفظه الله – :
" ومن المسائل المتعلقة بالأوبئة والأمراض المعدية : حُكم أخذ اللقاح الذي يعطى من أجل الوقاية من هذه الأمراض ، فنقول : اللقاح الذي يُعطى على نوعين :
النوع الأول : ما عرف أثره بالتجربة أنه يقي بإذن الله من هذا المرض ، ومثل هذا له أحكام العلاج وهو نوع من أنواع العلاج ؛ وذلك لدخوله في قوله صلى الله عليه وسلم ( تداووا ) ، فيأخذ حكم التداوي ، وبعض الفقهاء استشكل أخذ اللقاح وقال : إن هذا اللقاح مرض مخفَّف يُنقل إلى الجسد ليتمكن الجسم من محاربة المرض الثقيل ( ليتعود البدن على مقاومة المرض ) ، قالوا : فكيف نستجيز إدخال مرض إلى الجسد ؟ والأظهر : أن هذا العمل لا حرج فيه ، بل هو من القربات ؛ لأن إدخال الضرر هنا لا يترتب عليه ضرر بل يترتب عليه مصلحة لوقاية متعاطي هذا اللقاح من المرض الشديد ، فهذا دليل على عدم المنع من أخذ هذا اللقاح " . انتهى من محاضرة بعنوان " أحكام فقهية تتعلق بالأوبئة " .
https://web.archive.org/web/20110604224336/www.al-adwa.net/?p=181
وينظر كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في جواب السؤال رقم : ( 20276 ) .
وسواء كانت هذه المواد المباحة الاستعمال من الفيروسات أو البكتريا أو غير ذلك فكلها داخل فيما يجوز تناوله إن كان له آثار نافعة محمودة .
وينظر حكم التداوي بالسموم ، واستعمالها في اللقاحات في جواب السؤال رقم ( 109424 ) .
القسم الثاني :
ما كان منها مواد مباحة الاستعمال ، ولكنَّها تسبِّب أضراراً للبدن أكثر من النفع ، أو لا يكون فيه نفع أصلاً .
وهذه اللقحات لا شك في عدم جواز تناولها ؛ لما نهينا عنه من الإضرار بأنفسنا في المطعومات والمشروبات والأدوية وغير ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم ( 20276 ) .
القسم الثالث : ما كان منها مواد محرَّمة أو نجسة في أصلها ، ولكنها عولجت كيميائيّاً أو أضيفت إليها مواد أخرى غيَّرت من اسمها ووصفها إلى مواد مباحة ، وهو ما يسمَّى " الاستحالة " ، ويكون لها آثار نافعة .
وفي " الموسوعة العربية العالمية " : " وما زالت بعض اللقاحات تصنع من أجزاء أو إفرازات الكائنات المسببة للمرض ، وتتكون مجموعة لقاحات أخرى من كائنات حية تشابه تلك التي تسبب المرض ، وهذه الكائنات تعطي المناعة ولكنها لا تسبب الأمراض " . انتهى
وهذه اللقاحات يجوز تناولها لأن الاستحالة التي غيَّرت اسم موادها ومواصفاتها قد غيَّرت حكمها فصارت مباحة الاستعمال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
" وأما دخان النجاسة : فهذا مبني على أصل وهو أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة – مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحا طيبا كغيرها من الملح …
ففيه للعلماء قولان : أحدهما : لا يطهر ، كقول الشافعي ، وهو أحد القولين في مذهب مالك ، وهو المشهور عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه ، والرواية الأخرى : أنه طاهر ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك في أحد القولين وإحدى الروايتين عن أحمد .
ومذهب أهل الظاهر وغيرهم : أنها تطهر ، وهذا هو الصواب المقطوع به ؛ فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى ، فليست محرَّمة ولا في معنى المحرَّم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحل ؛ فإنها من الطيبات ، وهي أيضا في معنى ما اتفق على حله فالنص والقياس يقتضي تحليلها " انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 21 / 70 ، 71 ) .
القسم الرابع :
ما كان منها مواد ضارَّة أو محرَّمة ، ولا يُجزم بآثارها ، وهناك اختلاف بين الأطباء والمختصين في نفعها وفائدتها .
وهذه اللقاحات لا يجوز تناولها ؛ لما فيه من احتمال تعريض النفس للهلاك والأمراض .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري – حفظه الله – :
"ومن المسائل المتعلقة بالأوبئة والأمراض المعدية حكم أخذ اللقاح الذي يعطى من أجل الوقاية من هذه الأمراض ، فنقول اللقاح الذي يعطى على نوعين :
النوع الأول : … – سبق ذِكره قريباً – .
النوع الثاني من لقاح الأمراض المعدية : ما لم يُتأكد من أثره ولم يعرف بالتجربة بعدُ ، أو اختلف كلام الأطباء فيه بحيث لم يعتمد الإنسان على شيء ولم يترجح لديه شيء من أقوالهم : فحينئذ الأصل : المنع من أخذه وعدم جوازه ؛ لأنه لم يتأكد من تأثيره في الوقاية من المرض ، فنحن تأكدنا من أنه مضر ، وأنه يدخل على البدن شيئاً من الضرر ولم نتأكد من أن له فائدةً أعظم منه ، ومن ثَمَّ فإننا نمنع منه ، لأننا لا نستجيز الإقدام على فعل إلا إذا كان نفعه أكبر من ضرره ، فما لم نتأكد من ذلك فالأصل منعه ، إذا كان الفعل نتأكد ونجزم بأنه مضر وأن ما يقابل هذا الضرر من الفائدة لم يثبت بعد : فحينئذ يمنع منه " . انتهى من محاضرة بعنوان " أحكام فقهية تتعلق بالأوبئة " .
https://web.archive.org/web/20110604224336/www.al-adwa.net/?p=181
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة