0 / 0
73,37012/02/2011

تأخر الإمام في إقامة الصلاة

السؤال: 160000

في صلاتي الفجر والعشاء يقوم الإمام بتمديد المدة ما بين الأذان والإقامة الى ما يقارب ساعة كاملة. فهل هذا العمل صحيح؟ إنه يؤذن مثلاً العشاء الساعة 6:30 ويقيم الصلاة الساعة 7:30. في الحقيقة إني أقوم أنا وبعض الإخوة الآخرين بالصلاة بعد الأذان مباشرة وننصرف، في حين أن الإمام يقيم الصلاة الساعة السابعة والنصف ويصلي مع بعض الإخوة الآخرين.. فلا أدري إن كان علينا من إثم لتركنا الجماعة مع الإمام..؟ أرجو التوجيه.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لم يأت في السنة نص واضح في تحديد الوقت الذي ينبغي أن يكون بين الأذان والإقامة ، فالأمر في ذلك راجع إلى ما تعارف عليه أهلُ كلِّ مسجد ، مع مراعاة أن يكون بين الآذان والإقامة الوقت الكافي للاستعداد للصلاة، ليتمكن الناس من حضور الجماعة ، وإدراك الصلاة من أولها .
قال ابن بطال :
” أمَّا كم بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها ؟ فلا حَدَّ في ذلك أكثرَ من اجتماع الناس ، وتمكُّن دخول الوقت “. انتهى من ” شرح صحيح البخاري” (2/252) .
وينظر جواب السؤال (97009) .
ولكن ينبغي في ذلك مراعاة جملة من الأمور :
أولاً : أن تحديد وقت الإقامة من حق الإمام .
وعليه في ذلك أن يراعي مصلحة أهل المسجد في وقت الإقامة ، فإن كان المسجد في مكان يجتمع فيه الناس سريعاً ، أو كان ضمن سوق تجاري ، فإنه يُعجل في ذلك ، وإن كان في حي تعارف أهله على التأخير ، أخر الإقامة .
فعنْ سَالِم أَبِي النَّضْرِ : أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ النِّدَاءِ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا رَأَىَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلاً جَلَسَ حَتَّى يَرَى مِنْهُمْ جَمَاعَةً ثُمَّ يُصَلِّي ، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ فَرَأَى جَمَاعَةً أَقَامَ الصَّلاَةَ. رواه البيهقي في السنن الكبرى (2/19) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3219) .
قال الخطيب الشربيني:
“يسن أن يفصل المؤذن والإمام بين الأذان والإقامة بقدر اجتماع الناس في مكان الصلاة ، وبقدر أداء السنة التي قبل الفريضة”. انتهى من “مغني المحتاج” (1/138) .
وكذلك في صلاة الفجر يراعي الوقت الكافي للاستيقاظ والوضوء والغسل ولبس الثياب ونحو ذلك .
ثانياً : صلاة المغرب يُعجَّل بها في جميع الأحوال ، ولا تؤخر إقامتها إلا بقدر الوضوء وصلاة ركعتين فقط .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَذَلِكَ ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ . رواه البخاري (625) .
وفي لفظ : ( لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ ) .
وعن رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قال : كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. رواه البخاري (558) ومسلم (637).
قال النووي :
” مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يُبَكِّر بِهَا فِي أَوَّل وَقْتهَا بِمُجَرَّدِ غُرُوب الشَّمْس ، حَتَّى نَنْصَرِف وَيَرْمِي أَحَدنَا النَّبْل عَنْ قَوْسه وَيُبْصِر موقعه لِبَقَاءِ الضَّوْء .
وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْمَغْرِب تُعَجَّل عَقِب غُرُوب الشَّمْس وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ ” . انتهى من ” شرح صحيح مسلم” (5/136).
قال الحافظ ابن رجب :
” وقد أجمع العلماء على أن تعجيل المغرب في أول وقتها أفضل “. انتهى من “فتح الباري” (3/163).
ثالثاً : ورد في بعض الأحاديث الصحيحة ما يدل على استحباب تأخير إقامة صلاة العشاء ، وشرط ذلك أن لا يكون هناك مشقة على الناس في هذا التأخير .
ويدل على ذلك ما رواه مسلم (638) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَصَلَّى ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَوَقْتُهَا ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي .
قال النووي:
” فَفِيهِ تَفْضِيل تَأْخِيرهَا ، وَأَنَّ الْغَالِب كَانَ تَقْدِيمُها ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا لِلْمَشَقَّةِ فِي تَأْخِيرهَا “. انتهى من ” شرح صحيح مسلم” (5/ 138) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“صلاة العشاء الأفضل فيها التأخير إذا لم يشق على الجماعة” انتهى من “مجموع الفتاوى ” (12/191) .
وينظر جواب السؤال (117751) .
رابعاً : في بعض البلاد تعارف الناس على أوقات محددة بين الإقامة والأذان ، وقد يكون في ذلك تعميم من وزارة الأوقاف التابعة لها ، فينبغي للإمام أن يتقيد بهذا الوقت حتى لا يقع الناس في الاضطراب ، وقد تفوت منهم صلاة الجماعة بسبب هذا .
وفي بلاد الحرمين صدرت فتوى من المفتي العام السابق الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله بتحديد الأوقات بين الأذان والإقامة جاء فيها : ” نظرًا لما يلاحظ من اختلاف الأَئمة والمؤذنين بالنسبة إِلى الإِقامة ، فتجد بعضهم يصلى قبل بعض … ولما في ذلك من تشويش وارتباك .. فقد نظرنا فيما يخلص من هذا الأمر ويجمع الناس على أَمر واحد فيه مصلحة عامة للمسلمين ، وقررنا توحيد وقت الإِقامة لما في ذلك من تحصيل المصالح ودرء المفاسد.
فقد تقرر أَن يكون بين الأَذان والإِقامة لصلاة الفجر والظهر والعصر والعشاء مقدار ثلث ساعة – عشرون دقيقة – ، وأما المغرب فلا يُؤخر أَكثر من عشر دقائق ، لما ورد فيها من النصوص الدالة على تعجيلها …
ونظرًا لما يعرض لبعض الأَئمة والمؤذنين مما قد يضطرهم للتأْخير عن تلك الأَوقات المحددة ، سواء باختيارهم أَو بغير اختيارهم ، ولما في تأْخير الناس وحبسهم عن أَشغالهم واِشتغال خواطرهم ما لا يخفى ، وفيهم المريض والكبير وذو الحاجة ، فإِن على كل إِمام ومؤذن أَن يشعر الجماعة إِذا أَراد أَن يتغيب ، ويأْذن لهم إِذا تأَخر عن الوقت المقرر أَن يصلوا في نفس الوقت المقرر ، كما عليه أَن يعين له نائبًا يؤذن ويصلي بالناس ؛ لئلا يحبس الناس دون أَشغالهم وحوائجهم “. انتهى من “فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ” (2/99).
خامساً :
إذا رأى إمام المسجد تأخير إقامة الصلاة لمصلحة يراها ، وكان في ذلك مشقة على أهل المسجد ، فينبغي أن يناصحوه في ذلك ، فإذا تبين له أن في التأخير مشقة عليهم رجع إلى ما يريدون ، كما سبق في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤخر إقامة صلاة العشاء ، ـ مع أن تأخيرها أفضل ـ لما في ذلك من المشقة على المصلين .
فإن استجاب لكم فبها ونعمت ، وإن لم يستجب ، فليس لكم مخالفته وإقامة الصلاة في المسجد دون إذنه والانفراد عن جماعة المسجد ، بل في هذا مفسدة أعظم من مفسدة تأخير الإقامة ، وهي تفريق كلمة المسلمين ، والاعتداء على حق إمام المسجد ، مما هو مدعاة للفوضى وكثرة الشغب والقيل والقال في بيت الله .
وبإمكانكم ترك الصلاة في هذا المسجد ، والصلاة في غيره من المساجد ، فإن لم يكن ذلك في المستطاع ، فليس لكم إلا انتظار الإمام .
قال علامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي :
” يوجد في كثير من الجوامع الكبيرة أناسٌ يفتاتون على الإمام الراتب ، أي : يتقدمون بالصلاة جماعة عليه قبل أن تقام له ، فيختزلون من الجامع ناحية يؤمون بها أناساً على شاكلتهم ، رغبة في العجلة ، أو حباً في الانفراد للشهرة .
وقد اتفقت الحنابلة والمالكية على تحريم أن يُؤم في مسجد قبل إمامه الراتب… وكره ذلك الشافعية ، وأفتى ابن حجر بمنعه بتاتاً، وصرح الإمام الماوردي من الشافعية بتحريم ذلك في مسجد له إمام راتب ، وكره ذلك الحنفية .
ولا يخفى أن ما ينشأ عن هذا الافتئات من المفاسد يقضي بتحريمه ؛ لأنه يؤدي إلى التباغض والتشاجر ، وتفريق كلمة المسلمين ، والتشيع والتحزب في العبادة ، ومضادة حكمة مشروعية الجماعة من الاتحاد والتآلف والتعارف والتعاون على البر والتقوى .
فإن في تقسيمها تناكر النفوس ، وتبديل الأنس وحشة ، إلى مفاسد أخرى تنتهي إلى قريب الأربعين مفسدة ، وقد جمعت في حظر ذلك رسالة سميتها (إقامة الحجة على المصلي جماعة قبل الإمام الراتب من الكتاب والسنة وأقوال سائر أئمة المذاهب) ، فليحذر من هذه البدعة الشنيعة “. انتهى من كتابه ” إصلاح المساجد عن البدع والعوائد ” صـ 78-79.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” أما ما دام الوقت باقياً ، فإنهم لا يصلون حتى يحضر الإمام ، لكن ينبغي للإمام أن يحدد وقتاً معيناً للناس فيقول مثلاً إذا تأخرت عن هذا الوقت فصلوا ، ليكون في هذه الحال أيسر لهم وأيسر له هو أيضاً ، ولا يوقع الناس في حرج أو ضيق”. انتهى من “فتاوى نور على الدرب ” .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android