لو أن شخصاً رأى رؤية طيبة، فقام بقصّها على شخص هو يعلم أنه سيفسرها له تفسيراً حسناً، فهل يمكن أن يكون ذلك التفسير سبباً في عدم وقوع تلك الرؤية على الحقيقة؟..
فأنا أعلم أن الرؤى تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ومتى ينبغي على الشخص أن يخبر بهذه الرؤية ومتى لا ينبغي.. ولكني أريد معرفة الحكم في هذه المسألة على وجه الخصوص.. فقد بحثت عن سؤال مشابه لسؤالي هذا على موقعكم فلم أجد، فأرجو الإجابة عنه دون الإحالة .. وجزاكم الله خيراً.
متى يستحب للرائي أن يخبر بما رآه في منامه
السؤال: 162203
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إذا رأى الإنسان في منامه ما يسره ، فإنه يحمد الله تعالى على ما رآه من خير ولا يخبر به إلا من يحب من أهل الصلاح والخير..؛ لما رواه البخاري ( 7044 ) ومسلم ( 2261 ) من حديث أبي سلمة رضي الله عنه قال : ” لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ : وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ..)
قال الملا علي القاري: ” أي من العلماء والصلحاء والأقرباء ويحمده سبحانه على ذلك كما في رواية للبخاري ومسلم : ” إذا رأى في منامه ما يحب فليحمد الله عليها وليحدث بها ولا يحدث بها إلا من يحب ” انتهى
وقال النووي رحمه الله: في قوله عليه الصلاة والسلام : ( لَا تُخْبِر بِهَا إِلَّا مَنْ تُحِبّ ) فَسَبَبه أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ بِهَا مَنْ لَا يُحِبّ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْبُغْض أَوْ الْحَسَد عَلَى تَفْسِيرهَا بِمَكْرُوهٍ , فَقَدْ يَقَع عَلَى تِلْكَ الصِّفَة , وَإِلَّا فَيَحْصُل لَهُ فِي الْحَال حُزْن وَنَكَد مِنْ سُوء تَفْسِيرهَا ” انتهى من “شرح مسلم”
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” حَاصِل مَا ذُكِرَ مِنْ أَبْوَاب الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ثَلَاث أَشْيَاء: أَنْ يَحْمَد اللَّه عَلَيْهَا, وَأَنْ يَسْتَبْشِر بِهَا, وَأَنْ يَتَحَدَّث بِهَا لَكِنْ لِمَنْ يُحِبّ دُون مَنْ يَكْرَه ” انتهى من “فتح الباري”
أما إذا رأى ما يزعجه ويقلقله ، فإنه لا يحدث بها إطلاقاً ؛ لقوله : ( وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ )
قال النووي رحمه الله : ” في قوله عليه الصلاة والسلام: ( وَلَا يُحَدِّث بِهَا أَحَدًا ) فَسَبَبه أَنَّهُ رُبَّمَا فَسَّرَهَا تَفْسِيرًا مَكْرُوهًا عَلَى ظَاهِر صُورَتهَا , وَكَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا, فَوَقَعَتْ كَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّه تَعَالَى , فَإِنَّ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْل طَائِر, وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحْتَمِلَة وَجْهَيْنِ فَفُسِّرَتْ بِأَحَدِهِمَا وَقَعَتْ عَلَى قُرْب تِلْكَ الصِّفَة. قَالُوا: وَقَدْ يَكُون ظَاهِر الرُّؤْيَا مَكْرُوهًا, وَيُفَسَّر بِمَحْبُوب, وَعَكْسه, وَهَذَا مَعْرُوف لِأَهْلِهِ ” انتهى من “شرح مسلم”
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” ولا يخبر بها أحداً ” أي لا يقول رأيت ورأيت ولا يذهب إلى الناس يعبرونها ولا يذهب إلى أحد يفسرها فإنها لا تضره أبداً حتى وكأنها ما وقعت وفي هذا راحة له وبعض الناس إذا رأى شيئاً يكرهه ذهب يتلمس من يفسر له هذه الرؤيا ونحن نقول له لا تفعل ذلك وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون الرؤيا يكرهونها فلما حدثهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث استراحوا فصار الإنسان إذا رأى الرؤيا التي يكرهها بصق عن يساره ثلاث مرات واستعاذ من شرها وشر الشيطان ولم يحدث بها أحدا ثم لا تضره وكأنه ما رآها ” انتهى من شرح “رياض الصالحين”
أما وقوع الرؤية من عدم وقوعها فهذا إلى الله عز وجل وليس لمجرد تفسيرها، فقد تقع على ما ذكره المعبر وقد لا تقع…إما لعدم توضيح الرؤية له أو أنه ليس من أهل هذا الشأن.. جاء في البخاري (7046)، ومسلم (2269) عند طلب من النبي صلى الله عليه وسلم تعبير رؤية الرائي….فلما فرغ من تعبيرها قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ” َأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا…”
قال النووي رحمه الله : ” َفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز عَبْر الرُّؤْيَا , وَأَنَّ عَابِرهَا قَدْ يُصِيبُ , وَقَدْ يُخْطِئُ. وَأَنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ لِأَوَّلِ عَابِرٍ عَلَى الْإِطْلَاق, وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا أَصَابَ وَجْههَا ” انتهى من ” شرح مسلم “
وقال الزرقاني رحمه الله: ” روي مرفوعاً : (الرؤيا لأول عابر) وهو ضعيف، لكن له شاهد عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين العقيلي رفعه : (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت)
قال أبو عبيدة وغيره : معناه إذا كان العابر الأول عالماً فعبر وأصاب وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله تعالى فيما ضرب من المثل فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وإن لم يصب فليسأل الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول” انتهى من شرح الموطأ للزقاني (4/454)
وعلى هذا ، فإذا كان تفسير الرؤيا صحيحاً فإنها تقع كما فسرت .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب