0 / 0

الاجتهاد في العمل الصالح أولى من البحث عن سبيل للعيش في المدينة المنورة

السؤال: 163521

ما حكم الإصرار على البحث عن عمل في المدينة المنورة لما فيها من فضائل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فضائل المدينة المنورة كثيرة جليلة ، ثبتت بها أدلة السنة الصحيحة ، منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ الْمَدِينَةِ شِعْبٌ وَلَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا ) رواه مسلم (1374)
غير أن القاعدة الأثرية الواردة عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال هي أن الأرض المقدسة لا تُقَدِّسُ أحدا ، إنما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُه .
وذلك فيما رواه الإمام مالك في ” الموطأ ” (4/1117) عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي : أن هلم إلى الأرض المقدسة ، فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الإنسان عمله .
والله عز وجل حين يحاسب الناس يوم القيامة لن يأمر بسكان مكة والمدينة وبيت المقدس أن لا حساب عليهم ولا عذاب ، ولن يكتب لهم دخول الجنة بسكناهم أشرف البقاع ، ولكنه عز وجل سائل الناس عن أعمالهم ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/7-8.
أترى هل يستوي المسلم العامل المجتهد في عمله ، وعلمه ، وخلقه ، ودعوته ، وسعيه بالمعروف بين الناس ، بذلك المعتزل المعتكف في مكة أو المدينة الذي آثر مجاورة الأماكن المقدسة بالهدوء والدعة على الجهاد في سبيل الدعوة إلى الله ، وإصلاح المجتمعات ، وتعليم الأخلاق ، ومحاربة الفساد والمفسدين ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) رواه أحمد في ” المسند ” (9/64) طبعة مؤسسة الرسالة ، وصححه المحققون . وكذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ) رواه مسلم (2948)
يقول الإمام النووي رحمه الله :
” المراد بالهرج هنا : الفتنة ، واختلاط أمور الناس ، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ، ويشتغلون عنها ، ولا يتفرغ لها إلا أفراد ” انتهى من ” شرح مسلم ” (18/88)
بل إن في سكنى مكة والمدينة خطرا عظيما ، وهو تعظيم المعصية في ذلك المكان ، حتى كان بعض السلف الصالحين يتقون السكن في الحرم – خاصة المكي – خشية تغليظ العقوبة على الذنب فيه ، كما قال تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) الحج/25.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
” كان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم خشية ارتكاب الذنوب فيه ، منهم : ابن عباس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وكذلك كان عمر بن عبد العزيز يفعل ، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : الخطيئة فيه أعظم ، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لأن أخطئ سبعين خطيئة – يعني بغير مكة – أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة . وعن مجاهد قال : تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات . وقال ابن جريح : بلغني أن الخطيئة بمكة بمائة خطيئة ، والحسنة على نحو ذلك . وقال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد في شيء من الحديث : ( إن السيئة تكتب بأكثر من واحدة ) ؟ قال : لا ، ما سمعنا إلا بمكة ، لتعظيم البلد ، ولو أن رجلا بعدن أبين هم بقتل الإنسان عند البيت أذاقه الله من عذاب أليم ” انتهى باختصار من ” جامع العلوم والحكم ” (352)

ومع ذلك نقول :
إذا لم تكن لدى المؤمن همة لجهاد الدعوة والإصلاح ونشر الفضائل بين الناس ، وكان يخشى على نفسه ودينه الفتنة في غير المدينة المنورة ، ورأى أن صلاح قلبه وعمله في ذلك المكان الطاهر المليء بالخير والصلاح والحمد لله – في هذه الأزمان – : شرع له الحرص على الإقامة في ذلك المكان الطاهر ، ومجاورة الصالحين ، وقد جاء عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا ، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا )
رواه الترمذي (3917) وقال : حسن صحيح غريب . وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي” .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android