0 / 0
121,66730/03/2011

حكم الاستشفاء بأول المطر

السؤال: 164231

سمعت بأن أول مطر ينزل في موسم الأمطار له قوة علاجية خارقة ، فلذلك يقوم الناس بتجميع ماء المطر في ذلك اليوم ، ويشربونه اعتقادًا أنه يشفي بعض الأمراض الصغيرة ، مثل وجع الرأس والمعدة ..الخ ، وبعض الناس يستدل بقوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) الأنفال/11 .
فهل فعلاً هذا المطر – وبالأخص أول مطر ينزل في الموسم – له قوة علاجية خاصة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

المطر من أعظم نعم الله تعالى على البشر ، جعله الله سببا للحياة ، ومظهرا من أعظم مظاهر النعم العامة التي بها يستبشر الإنسان والحيوان ، وبها تحيا الأرض بعد موتها ، وتنبعث الروح وتنتشر لتمضي سنة الله في خلقه ، ويستدل المخلوق الضعيف على عظمة الخالق سبحانه الذي أبدع الكون على هذا النمط العجيب ، كما قال سبحانه وتعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الروم/24 ، ويقول عز وجل : ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) النمل/60 .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب المطر ويستبشر به ، ويفرح لنزوله حتى يكشف عن جسده الشريف عليه الصلاة والسلام ، ليصيب من بركات نعمة الله تعالى .
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ( أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ ، قَالَ : فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ . فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى ) رواه مسلم (898) .
قال الإمام النووي رحمه الله :
” هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر ” انتهى من ” شرح مسلم للنووي ” (6/196) .
وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله :
” وهذا منه صلى الله عليه وسلم تبرك بالمطر ، واستشفاء به ؛ لأن الله تعالى قد سماه رحمة ، ومباركا ، وطهورا ، وجعله سبب الحياة ، ومبعدا عن العقوبة ، ويستفاد منه احترام المطر ، وترك الاستهانة به ” انتهى من ” المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم ” (2/546) .
وفي ” صحيح البخاري ” : ” باب من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته “، أورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم المطر على المنبر ، وكان مما قاله أنس رضي الله عنه : (ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ) رواه البخاري (1033) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” كأن المصنف أراد أن يبين أن تحادُرَ المطر على لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن اتفاقا ، وإنما كان قصدا ، فلذلك ترجم بقوله : ” من تمطَّر “، أي : قصد نزول المطر عليه ؛ لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف ، لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” فتح الباري ” (2/520) .

ومن هنا كان كثير من السلف الصالح يستحبون التبرك بالمطر النازل من السماء ، ويستَنُّون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى عقد ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (6/194-195) بابا بعنوان : ” من كان يتمطر في أول مطرة ” ، أي : يتعرض للمطر ويغتسل به .
وروى فيه بسنده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه : ” كان يتمطر في أول مطرة “.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه : ” كان يُخرج ثيابه حتى يخرج سرجه في أول مطرة “.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه : ” كان إذا أراد المطر خلع ثيابه وجلس ، ويقول : حديث عهد بالعرش ”
وهكذا عقد الإمام البخاري رحمه الله في كتابه ” الأدب المفرد ” (ص/200) بابا بعنوان : ” من استمطر في أول المطر ” .
وكذلك فعل ابن حبان حيث عقد في ” الصحيح ” (13/505) بابا بعنوان : ” ذكر ما يستحب للمرء الاستمطار في أول مطر يجيء في السنة “.
وعند البيهقي في ” السنن الكبرى ” (3/359) باب بعنوان : ” باب البروز للمطر ” .
كلهم يروون تحته حديث أنس بن مالك رضي الله عنه المرفوع ، ويستدلون به على استحباب البروز والتعرض للمطر في أول نزوله .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
” ونص الشافعي وأصحابنا على استحباب التمطر في أول مطرة تنزل من السماء في السنة ، وحديث أنس الذي خرجه البخاري إنما يدل على التمطر بالمطر النازل بالاستسقاء ، وإن لم يكن أول مطرة في تلك السنة ” انتهى من ” فتح الباري لابن رجب ” (6/316) .

فمن حرص على التعرض للمطر والإصابة منه بالغسل أو الشرب تبركا به ، فلا بأس عليه ولا حرج .
ولكن لا ينبغي نسبة الشفاء إلى هذا الماء إلا بدليل ، وإن كانت البركة الثابتة لهذا الماء قد تنفع في العلاج ، ولكن لا نجزم بوقوع العلاج والشفاء ما لم يرد نص شرعي خاص به ، ولا ينبغي الجزم بذلك للناس ، ومن باب أولى أن لا يقال : إن له قوة علاجية ” خارقة ” أو ” خاصة ” كما ورد في السؤال ، إذ لم يرد على هذه الدعوى دليل شرعي صحيح ، والناس قد يفتنون في مثل هذه الدعاوى إذا جربوا هذا الماء ولم ينتفعوا به في الاستشفاء ، فيكون الجهل سببا لفتنتهم ووقوع الشك في قلوبهم .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android