0 / 0

سرق بريد صاحبه الإلكتروني واطلع على صور زوجته ونشرها في الإنترنت

السؤال: 174917

بارك الله فيكم على هذا الموقع . سؤالي باختصار هو : أنني قمت بالانتقام من أحد الأشخاص من الذين كنت أحقد عليهم ، وقمت بسرقة عنوان الإيميل الخاص به ، وأخذت صوره هو وزوجته ! وقمت برفع صور زوجته على جميع مواقع التواصل الاجتماعي لكي يشاهد الجميع صور زوجته ، وبعد فترة رأى صور زوجته على الإنترنت وتأذى كثيراً وتدهورت حالته النفسية لفترة محدودة ، ولكن – الحمد لله – تحسن مرة أخرى ، المشكلة هي أنني بعدما قمت باستغفار الله والتوبة من هذا الذنب انتابني شعور بالخوف أن هذا الأمر سوف يحصل لي أو لأهلي في الدنيا ؛ وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كما تدين تدان ) ، فالسؤال هو ما الحل ؟ هل أطلب من هذا الشخص مسامحتي وأخبره بأنني الفاعل ؟ وذلك يكون مستحيلا لأنه إن أخبرته بأنني الفاعل سوف تسوء سمعتي أمام أصدقائي والجميع وسوف ينتقم أيضا ، فهل هناك حل غير هذا ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
لا شك أنك ارتكبتَ إثماً عظيماً بسرقتك البريد الإلكتروني الخاص بصديقك ، ومن ثم الاطلاع على ما فيه ، وهو من التجسس المحرَّم والاطلاع على العورات المنهي عنه .
قال الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله السند – حفظه الله – :
وكذلك لا يجوز التجسس على مخاطبات ومراسلات المتعاملين بالإنترنت لقول الله تعالى ( وَلاَ تَجَسَّسُوا ) الحجرات/ 12 ؛ لأن فيه تتبعاً للعورات والمثالب وكشفاً لما ستروه ورغبوا في حفظه ومنع ظهوره للناس ، بل ( مِنْ اِطَّلَعَ فِي بَيْت قَوْم بِغَيْرِ إِذْنهمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنه ) – رواه مسلم – ولا ضمان عليهم ، وعقوبة المتجسس هي التعزير ، إذ ليس في ذلك حد معين ، والتعزير يختلف والمرجع في تقديره إلى الإمام . ” انتهى من ” الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية ” ( ص 321 ) .
وقد اشتد الإثم وعظم الجُرم باطلاعك على صور زوجة صديقك ! واشتد الجرم أكثر وعظم الجرم أكثر بنشرك لتلك الصور على الناس ، ولا ندري كيف نجح الشيطان في التسويل لك بهذا الفعل المحرَّم ، وخاصة أنها زوجة صديقك الذي تُظهر له المودة وهو يأتمنك على نفسه وعرضه ، وكل ما ترتب على ذلك النشر لتلك الصور من نظر محرَّم إليها أو إيذاء معنوي أو نفسي فإن عليك وزره ولا شك لأنك السبب في وجوده ، قال تعالى ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) الأحزاب/ 58 .
فانظر كم حصل من ذنب في فعلك ذاك لتعلم عظم ما اقترفته ، فالسرقة والتجسس والاطلاع على العورات ونشرها بين الناس لينظروا نظرة حرام ، والأذية لصديقك وزوجته وأهلهما ، كل تلك كانت ذنوباً اقترفتها من أجل تنفيس عن حقد قلبي تجاه مسلم ما كان له أن يكون أصلاً فضلاً عن تنفيسه بارتكاب ذنوب وآثام عظيمة .

ثانياً:
مع عظم ذنوبك التي اقترفتها فإن باب التوبة مفتوح لك ، وقد أحسنت في توبتك بسبب ما فعلتَه من ذنوب ، ونرجو الله أن تكون صادقاً فيها وأن يتقبلها الله تعالى منك .

ثالثاً:
أما بخصوص خوفك من أن يعاقبك الله بمثل ما فعلت بصديقك استدلالاً بحديث ( كَمَا تَدين تُدان ) : فننبِّه قبل الجواب أن هذه الجملة لم تصح في حديثٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن جاءت الشواهد من الكتاب والسنَّة على صدقها وصحتها – وقد فصَّلنا القول فيها في جواب السؤال رقم ( 81528 ) فانظره – ومما جاء في الشرع ما يؤيد عين هذا الذنب والجزاء عليه من جنسه : ما جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ الله عنه قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ ( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ : لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ) رواه الترمذي ( 1955 ) وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
قال المباركفوري – رحمه الله – : ” ( عوراتهم ) فيما تجهلونها ، ولا تكشفوها فيما تعرفونها .
( تتبع الله عورته ) ذكره على سبيل المشاكلة أي : كشف عيوبه ، ومن أقبحها تتبع عورة الأخ المسلم ، وهذا في الآخرة .
( ومن تتبع الله عورته يفضحه ) أي : يكشف مساويه .
( ولو في جوف رحله ) أي : ولو كان في وسط منزله مخفيّاً من الناس ” انتهى من ” تحفة الأحوذي ” ( 6 / 153 ) باختصار .

ومع هذا فنطمئنك إلى أنَّ التوبة النصوح تهدم ما قبلها من الذنب الذي تاب منه صاحبه ، وقد أكرم الله تعالى التائبين بصدق أنه يبدِّل سيئاتهم حسنات ، وهذا يعني أنه لن يُعاقب التائب بصدق على ما اقترف من سيئات ومعاصي لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وبما أنك تخبر أنك قد تبتَ إلى ربِّك عز وجل واستغفرته فنرجو أن لا تؤاخذ على ما فعلتَ تجاه صديقك ، ونوصيك بالندم والإكثار من الأعمال الصالحة والعزم الأكيد على عدم العود لمثل هذه المعاصي .

رابعاً:
وننصحك بعدم إخبار صديقك بما فعلته معه من ذنوب ؛ لئلا تزيد من أذيته وقد يتسبب ذلك في أن يفقد الثقة في الناس ، بل تكتفي بالدعاء له ، والاجتهاد في الإحسان إليه ، والذب عن عرضه .
وهذا هو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو قول الحنابلة ، ففي ” المستدرك على مجموع الفتاوى ” ( 3 / 208 – 209 ) قال ابن تيمية رحمه الله : ” فكل مظلمة في العرض من اغتياب صادق وبهت كاذب : فهو في معنى القذف ؛ إذ القذف قد يكون صدقًا فيكون في المغيب غيبة ، وقد يكون كذبا فيكون بهتاً ، واختيار أصحابنا : أنه لا يُعلمه بل يدعو له دعاء يكون إحساناً إليه في مقابلة مظلمته ” انتهى .

خامساً:
النصيحة لعموم المسلمين : أن يحتاطوا لأجهزتهم وبريدهم من الاختراق ، وأن يحرصوا على أن لا يضعوا صوراً لنسائهم وبناتهم ؛ لما قد يحصل لأجهزتهم من اختراق ، أو ينظر إليها أصحاب محلات الصيانة أو من يسترجعها من يشتري الجهاز بالبرامج الكثيرة ، ونسأل الله أن يستر عوراتنا وأن يحفظنا بحفظه .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android