أود أن أعرف الكثير عن حجة الوداع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وما أعلنه فيها للأمة .
حول حجة الوداع
السؤال: 175128
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
معرفة الكثير عن حجة الوداع التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم في العام العاشر من الهجرة تقتضي النظر في الأحاديث التي وصفت تلك الحجة ، والعناية بالكتب التي شرحتها وبينت تفاصيلها وأحكامها والدروس المستفادة منها ، وهي كتب كثيرة ، لكن يمكننا إرشادك إلى أهمها على الوجه الآتي :
1. شرح حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، تأليف العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
2. شرح حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، للعلامة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله .
3. حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر رضي الله عنه ، تأليف العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله .
4. حجة الوداع ، تأليف الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي .
5. خطبة الوداع فوائد وفرائد ، تأليف الدكتور محمد عبد الغني .
6. ومنها ما كتبه العلامة ابن القيم في كتابه العظيم ” زاد المعاد في هدي خير العباد/ فصل في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم ” (2/97-285) .
ونحن نسوق هنا حديث جابر بن عبد الله كما رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه ، فقراءته كافية في منح تصور عام لهذا الحدث العظيم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ ، فَقُلْتُ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ .
فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِكَ ، يَا ابْنَ أَخِي ، سَلْ عَمَّا شِئْتَ ، فَسَأَلْتُهُ ، وَهُوَ أَعْمَى ، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا ، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا ، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ ، عَلَى الْمِشْجَبِ ، فَصَلَّى بِنَا .
فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ ، حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ : ( اغْتَسِلِي ، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي ) .
فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ ، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ .
فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ : لَبَّيْكَ اللهُمَّ ، لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ ، قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام ، فَقَرَأَ : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) البقرة/125، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ – وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ : ( إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ) البقرة/158 أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا ، فَرَقِيَ عَلَيْهِ ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ ، وَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ ، قَالَ : مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى ، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى ، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ ، فَقَالَ : لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً ، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى ، وَقَالَ : دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ ، مَرَّتَيْنِ ، لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا ، وَاكْتَحَلَتْ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا ، قَالَ : فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ : فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : صَدَقَتْ صَدَقَتْ ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ ؟ قَالَ قُلْتُ : اللهُمَّ ، إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ ، قَالَ : فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ ، قَالَ : فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً ، قَالَ : فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا ، إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ .
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى ، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ ، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ ، فَنَزَلَ بِهَا ، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ ، فَرُحِلَتْ لَهُ ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ : «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ، كِتَابُ اللهِ ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ، فَقَالَ : بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ ، اللهُمَّ اشْهَدْ ، اللهُمَّ اشْهَدْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
ثُمَّ أَذَّنَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا ، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى : أَيُّهَا النَّاسُ ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا ، حَتَّى تَصْعَدَ ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، وَصَلَّى الْفَجْرَ ، حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ .
ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا ، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا ، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى ، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا ، مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا ، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ ، فَطُبِخَتْ ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا .
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ ، فَقَالَ : انْزِعُوا ، بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ )
وقد أورد الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله أربعا وأربعين ومائة فائدة في شرح هذا الحديث ، تنوعت ما بين الفوائد الفقهية والعقائدية والسلوكية والتربوية ، ونحن نختصرها هنا بالفوائد الآتية :
قال الشيخ رحمه الله :
” من فوائد هذا الحديث :
1. أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في السنة العاشرة من الهجرة .
2. أن الصحابة رضي الله عنهم من أحرص الناس على طلب العلم ذكورهم وإناثهم لقوله : ( فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ) .
3. أن طلب العلم لا يختص بالرجال فكما أن الرجل يشرع له طلب العلم بل يتعين عليه إذا كانت عبادته لا تقوم إلا به فإنه يتعين عليه فكذلك المرأة ولا فرق .
4. أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر أنه في مجيئه إلى مكة وإحرامه أنه إنما يفعل ذلك تلبية لدعاء الله ، قال الله تعالى : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) الحج/27، فالأذان بأمر الله يعتبر أذانا من الله فإذا كان الله هو الذي أذن فأنا أجيبه وأقول : لبيك اللهم لبيك . . . . . الخ .
5. أن التلبية توحيد خالص ؛ لأن الإنسان يقول : لبيك اللهم لبيك , ولبيك هذه جواب ، جواب دعوة ، ولهذا إذا دعي أحدنا فقيل : يا فلان ! قال للداعي : لبيك ، وهي بصيغة التثنية ، ولكن المراد التكرار ، ومن ثم يقول النحويون إنها ملحقة بالمثنى ؛ لأن لفظها لفظ تثنيه ومعناها التكثير ، والتلبية هي الإجابة ، فكأنك تقول : يا رب إجابة لك بعد إجابة ، وتكرر توكيدا .
6. الثناء على الله عز وجل بالحمد والنعمة ، فإنه هو المتفضل عز وجل بذلك : (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) النحل/53.
7. أنه ينبغي للإنسان الحاج أو المعتمر أن يبادر حين الوصول إلى مكة إلى الذهاب إلى المسجد ليطوف ؛ لأن هذا هو المقصود ولا ينبغي أن يجعل غير المقصود مقدما ، بل المقصود ينبغي أن يكون مقدما على كل شيء .
8. حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعوه فيها .
9. أن السنة كما تكون بالفعل تكون كذلك بالترك ، فإذا وجد سبب الفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله دل هذا على أن السنة تركه .
10. أنه ينبغي لك وأنت تسعى أن تستشعر بأنك في ضرورة إلى رحمة الله عز وجل كما كانت أم إسماعيل رضي الله عنها في ضرورة إلى رحمة الله سبحانه وتعالى ، فكأنك تستغيث به تبارك وتعالى من آثار الذنوب وأوصابها .
11. حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الحق .
12. أن التعليم يكون بالقول وبالفعل لقوله : ( فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج ) .
13. أن الربا موضوع كله ولا يؤخذ مهما كان ، فالربا الثابت في ذمم الناس يجب وضعه ولا يجوز أخذه حتى وإن عقد قبل إسلام العاقد أو قبل علمه ، أما ما قبض من قبل من ربا وأتى الإنسانَ موعظة من الله فلا يلزمه تقويمه والتخلص منه ، لكن ما بقي في ذمم الناس فإنه لا تتم التوبة منه إلا إذا تركه ولم يقبضه.
14. بيان عدل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ظاهر من قوله : ( وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع )، فأول ما قضى عليه من أمر الجاهلية ما كان يتصل بأقاربه وهذا كما قال في الحديث الصحيح : ( وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )، وهكذا يجب على الإنسان أن يكون قائما لله بالعدل ، لا يفرق بين قريب وبعيد ، أو غني وفقير ، أو قوي وضعيف ، الناس في حكم الله واحد لا يتميز أحد منهم بشيء إلا بما ميزه الله به .
15. وفيه الإشارة إلى أن الذي يتولى طلب الرزق وحصول الكسوة هو الرجل ، لقوله : ( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ، أما المرأة فشأنها أن تبقى في بيتها لإصلاح حالها وحال زوجها وحال أولادها ، وهذا ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم .
16. وفيه الحث على الاعتصام بكتاب الله ، والرجوع إليه ، وأن به العصمة من كل سوء ، فإن قال قائل : ما تقولون في السنة التي لم تكن موجودة في القرآن بعينها؟
قلنا : كل سنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم فهي موجودة في القرآن ، قال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب/21، وقال تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) الحشر/7، وقال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران/31، وقال تعالى : (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف/158، فكل سنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم فهي من القرآن لكن ليس من اللازم أن ينص عليها بعينها .
17. اعتراف الصحابة رضي الله عنهم بالجميل للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله :
( نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ) ، وهذه الشهادة التي شهدها الصحابة رضي الله عنهم يجب على كل مؤمن أن يشهدها ، فنحن نشهد أنه قد بلغ وأدى ونصح عليه الصلاة والسلام .
18. جواز الإشارة إلى مكان الله عز وجل ، وهو في السماء ، ولكن هل هذا المكان محيط به ؟ الجواب : لا ، بل وسع كرسيه السموات والأرض ، فهو سبحانه وتعالى فوق سماواته ، على عرشه ، عليٌّ على خلقه بذاته وصفاته ، لقوله تعالى : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) البقرة/255.
19. أنه ينبغي للإمام بل يجب على الإمام أن يكون أول من يبادر إلى ما يأمر به ، ودليله أن الرسول صلى الله عليه وسلم دفع وقد شنق للقصواء الزمام ، وما كان ليقول للناس السكينة السكينة وهو تاركها تمشي بسرعة ، بل هو أول من يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام ، وهكذا الإمام الذي يقتدي به سواء كان إماما في التنفيذ أو إماما في العلم فإنه يجب عليه أن يتحرى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يُقتدى به .
20. حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لما استرعاه الله حتى في البهائم ؛ وجه ذلك أنه كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لناقته قليلا ؛ فإن هذا من حسن رعايته لها ورأفته بها صلى الله عليه وسلم .
21. تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث أردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما دون أشراف القوم ، وأردف في دفعه من عرفة إلى مزدلفة أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو مولى .
22. وفيه دليل على كرم النبي صلى الله عليه وسلم حيث أهدى مائة بدنة عن سبعمائة شاة ، وكثير من الناس اليوم يشق عليه إهداء شاة واحدة حتى إنه يختار النسك المفضول على الفاضل تفاديا للهدي .
23. وفيه أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أسوة ؛ لقوله لبني عبد
المطلب: ( انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ) ؛ لأنه لو نزع لكان سنة يأخذ بها الناس ، وحينئذ يغلبونهم على السقاية.
24. وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حين شرب من الدلو الذي يشرب منه الناس ، ناولوه دلوا فشرب منه عليه الصلاة والسلام .
والحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين” انتهى ـ ملخصا ـ من كتاب “شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم” (ص/85-139) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب