تنزيل
0 / 0

هل يتعارض إثبات جريمة الزنا مع تحريم التجسس ؟

السؤال: 175129

لدي سؤال خاص بموضوع الاغتصاب ، لكي نحصل على الدليل على حدوث هذا الأمر هل صحيح أننا يجب أن نأتي بأربعة شهود من الرجال ، أو ثمانية من النساء حين الحاجة ؟ ، لو أن هناك أربعة من الرجال ، أو ثمانية من النساء شاهدو ذلك الأمر ، أليس هذا تعدي لقاعدة إسلامية والتي تمنع الشخص من التجسس على أخيه ؟
و أيضاً التجسس على رفيقين زوجين يكون حراما ؛ لأنه سوف يطلع على أجزاء خاصة من العورة الخاصة بأشخاص آخرين ؟
أنا أحاول فهم كيف يمكن حدوث وقوع شهادة أربعة من الرجال أو ثمانية من النساء ، فلو أني رأيت رفيقان يفعلان تلك الفعلة فهل يجب علي الاتصال بثلاثة من الأصحاب ليأتوا فيشهدوا ما رأيت ؟ وهل هذا يجعلني شاذا جنسياً حين أحاول الاطلاع على مثل هذه العلاقة المنحرفة ؟
أشكرك .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
جريمة الزنا سواء كانت عن تراضٍ أو بالاغتصاب فهي تثبت بالإقرار والاعتراف أو
بالبينة وشهادة الشهود ، ومما يشترط في الشهود أن يكونوا أربعة من الرجال .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا
لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور/4
ولا تصح شهادة النساء في ذلك مراعاة لطبيعة النساء وما جبلن عليه من الضعف واحترار
العاطفة والشعور ورهافة الحس ورقة الطبع .
قال ابن قدامة في “المغني” (10/170) في شروط شهود واقعة الزنا :
” أن يكونوا أربعة وهذا إجماع ليس فيه اختلاف بين أهل العلم لقول الله تعالى : (
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) .
وقال تعالى : ( لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ
يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) .
وقال سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه و سلم : ” أرأيت لو وجدت مع امرأتي
رجلاً أمهله حتى آتى بأربعة شهداء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعم ) ”
رواه مالك في ” الموطأ “و أبو داود في سننه .
الشرط الثاني : أن يكونوا رجالاً كلهم ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال ، ولا نعلم
فيه خلافًا إلا شيئًا يروى عن عطاء وحماد أنه يقبل فيه ثلاثة رجال و امرأتان ، وهو
قول شاذ لا يعول عليه ؛ لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكورين ، ويقتضي أن يكتفى فيه
بأربعة ، ولا خلاف في أن الأربعة إذا كان بعضهم نساء أنه لا يكتفى بهم ، وأن أقل ما
يجزئ خمسة وهذا خلاف النص ، ولأن في شهادتهن شبهة لتطرق الضلال إليهن ، قال الله
تعالى : ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى )
والحدود تدرأ بالشبهات ” انتهى .
ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة السؤال رقم (114877)
.

ثانيًا : اشتراط الشهود
الأربعة في حد الزنا هو تأكيد لمزيد من الاحتياط في صيانة الأعراض ، كي لا يتساهل
الناس في القذف والطعن في الشرف ، ولا تتسارع الألسنة في هتك الأعراض ونشر الفحش
والتشكيك في الأنساب وإلحاق المعرة بالشرفاء .
قال الماوردي رحمه الله في ” الحاوي” (13/226 ) :
” الشهادات تتغلظ بتغليظ المشهود فيه ، فلما كان الزنا واللواط من أغلظ الفواحش
المحظورة وآخرها ، كانت الشهادة فيه أغلظ : ليكون أستر للمحارم ، وأنفى للمعرة ”
انتهى .

ثالثًا : ليس مطلوبًا من
المسلم أن يتتبع عورات الناس وأن يتجسس على خصوصياتهم حتى يثبت جريمة الزنا ، بل قد
ورد النهي عن التجسس في الكتاب والسنة .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ
الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ) الحجرات /12.
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَجَسَّسُوا
وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا إِخْوَانًا ) .
رواه البخاري ( 4849 ) ومسلم ( 2563) .
ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة السؤال رقم (99738)
.
فلا يجوز للحاكم أو غيره أن يتجسس على الناس وأن يتتبع عوراتهم حتى يثبت الجريمة ،
لكن إن رأى منكرًا غيره بغير تنقيب عنه .
قال إمام الحرمين : ” ليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور
بالظنون ، بل إن عثَر على منكر غيَّره جهدَه ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” للنووي ( 2
/ 26) .

رابعًا : رغم أن الأصل في
التجسس المنع والتحريم ، لكن إذا علم المحتسب ، أو غلب على ظنه : أن ثم جريمة يمكن
الحيلولة دون وقوعها ، وإذا تأخر فسوف يفوت استدراكها ، كقتل بريء أو اغتصاب فتاة ،
فمصلحة حفظ نفس من التعرض للقتل ، أو منع وقوع المنكر إذا ظهرت علاماته ، وبدت
بوادره ، مقدمة على مفسدة التجسس على الآخرين .
قال الماوردي : ” ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يَظهر من المحرمات ، فإن غلب على الظن
استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت : فذلك ضربان :
أحدهما : أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها ، مثل أن يخبره من يثق بصدقه
أن رجلاً خلا برجل ليقتله ، أو بامرأة ليزني بها ، فيجوز له في مثل هذا الحال أن
يتجسس ، ويقدم على الكشف والبحث ، حذراً من فوات ما لا يستدرك ، وكذا لو عرف ذلك
غير المحتسب من المتطوعة : جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار .
الضرب الثاني : ما قصر عن هذه الرتبة ، فلا يجوز التجسس عليه ، ولا كشف الأستار عنه
، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار : لم يهجم عليها بالدخول
، لأن المنكر ظاهر ، وليس عليه أن يكشف عن الباطن ” انتهى من “شرح صحيح مسلم”
للنووي ( 2 / 26) .

خامسًا : إذا رأيت جريمة
الزنا فلست مطالبًا بالاتصال بمن يأتي ليكون شاهدًا عليها ، لكن إن كان الواقع في
هذه الجريمة مستترًا قد غلبته شهوته وترجى توبته ، فالأولى ستره وعدم فضحه إلا
لمصلحة راجحة ، أما إن كان مجاهرًا مجترئًا على الفواحش فالأولى فضحه وتسليمه
للحاكم إن توفر الشهود الأربعة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ” فتح الباري ” ( 12 / 124 – 125 ) عند حديثه عن
قضية الصحابي ماعز الذي أقر على نفسه بالزنى وأقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد
عليه :
” ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر
نفسه ، ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز .
وأن مَن اطلع على ذلك : يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام ،
كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة : ( لو سترته بثوبك لكان خيراً لك ) ،
وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه
أن يستره على نفسه ويتوب ، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر.
وقال ابن العربي : هذا كله في غير المجاهر ، فأما إذا كان متظاهراً بالفاحشة
مجاهراً ، فإني أحب مكاشفته والتبريح به لينزجر هو وغيره ” انتهى .

سادسًا : في أحكام جريمة
الزنا راعت الشريعة الإسلامية حفظ الأعراض والدماء بالتشديد في إثبات الجريمة ، كما
راعت حفظ الدين والأخلاق وحق المجتمع بالتشديد في العقوبة برجم الزاني المحصن ،
وجلد غير المحصن وتغريبه ، مع العلنية في تنفيذ العقوبة لمزيد من الاتعاظ والردع ،
وهذا من محاسن الشريعة وكمالها وتمامها .
ولذلك يصعب أن تثبت جريمة الزنا بشهادة الشهود إلا في حق فاجر مجاهر بالفاحشة مستخف
بالحرمات يمارس الزنا علنًا بحيث يراه أربعة من الرجال رؤية عينية لا ريب فيها ،
وهذا لا يحدث عادة إلا في مجتمعات متهتكة فاسقة يفشو فيها الفجور والرذيلة وتشيع
فيها الفواحش والموبقات بلا إنكار ولا تثريب ، كما قد يحدث في بلاد الكفار ، نسأل
الله السلامة والعافية .
أما في المجتمعات الإسلامية فلا تكاد تثبت جريمة الزنا إلا بالإقرار والاعتراف ؛
لأن طبيعة هذه المجتمعات في العادة لا تفرز هذا النوع من الانحلال والتهتك الذي
يسمح لفاجر بالمجاهرة بجريمة كالزنا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ” منهاج السنة النبوية ” (6/95) :
” والشهادة على الزنا لا يكاد يقام بها حد ، وما أعرف حدًا أقيم بها ، وإنما تقام
الحدود إما باعتراف وإما بحبل ” انتهى .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android