عندما أدخل في مشاجرة أو مناورة بين أشخاص يكرهونني ويكونون منعدمي الأخلاق فإني أكون هادئاً وغير متعصب ، وغير ذلك فإني أنصحهم لله أكثر من مرة على أن ما يفعلونه من العنف المكروه في الإسلام وأنه يجب أن يحترموا تربية الأب والأم وألا يسبوا وغير ذلك .
لكن عندما يبدأ أحد بالهجوم عليَّ فإني لا أرد الضربات لأني لا أعلم موقف الإسلام من ذلك ، هل أرد كل ضربة بضربة مثلها أو أقف ولا أدافع عن نفسي ؟ وأقول هذا لأني أعلم أنني لو حدث وهجمت سأكون مؤذيا بالفعل ! .
فالرجاء منكم أن تجيبوني على موقف الإسلام من ” رد ” الضرب والعنف ، وأرجو أن يكون مصحوبا بالأدلة الإسلامية إن أمكن .
وجزاكم الله عن أفعالكم خيراً .
كيف يتصرف من تعرَّض للضرب في الشارع من قبَل معتدين ؟
السؤال: 175170
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قد أحسنتَ في نصحك لأولئك الأشرار وتذكيرهم بالله تعالى على ما يصدر منهم من سوء أقوال وأفعال ، وهذا الذي يجب على المسلم فعله حين رؤية أو سماع مثل تلك المنكرات .
وإذا حصل منهم – بعد ذلك – اعتداء عليكَ فإنه يجوز لك دفعهم ، ويسمَّى هذا – في الشرع – ” دفع الصائل ” ، على أن هناك ضوابط لهذا الدفع ، أهمها أمران :
الأول : أن تدفعه بالأخف فالأخف ، فلا تضربه وأنت قادر على دفعه ، ولا تضرب بعصا مع استطاعتك ضربه بيدك .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 28 / 106 ) : ” ويُدفع الصائل بالأخف فالأخف إن أمكن ، فإن أمكن دفعه بكلام أو استغاثة بالناس : حرُم الضرب ، أو أمكن دفعه بضرب بيد حرُم بسوط ، أو بسوط حرُم بعصا ، أو أمكن دفعه بقطع عضو حرُم دفعه بقتل ؛ لأن ذلك جُوِّز للضرورة ، ولا ضرورة في الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأخف .
وعليه : فلو اندفع شره بشيء آخر كأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله أو حال بينهما جدار أو خندق أو غير ذلك : لم يكن له ضربه ، وإن ضربه ضربة عطلتْه : لم يكن له أن يثني عليه ؛ لأنه كُفيَ شرُّه ، ولأن الزائد على ما يحصل به الدفع لا حاجة إليه فلم يكن له فعله ” انتهى .
الثاني : تجنب الضرب على الوجه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( إِذَا ضرب أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ ) .
رواه البخاري ( 2420 ) ومسلم ( 2612 ) – واللفظ له – ، ورواه – أيضاً – بلفظ ( فَلاَ يَلْطِمَنَّ الوَجْهَ ) .
قال ولي الدين العراقي – رحمه الله – : ” قَدْ يُقَال إنَّ قَوْلَهُ [ يعني في رواية الحديث (إذا قاتل أحدكم أخاه) ] قَاتَلَ : بِمَعْنَى قَتَلَ وَإِنَّ الْمُفَاعَلَةَ هُنَا لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا ، بَلْ هِيَ مِثْلُ عَاقَبْت اللِّصَّ ، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إذَا ضَرَبَ ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَلْطُمَنَّ الْوَجْهَ .
وَقَدْ يُقَالُ : هِيَ عَلَى بَابِهَا ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ مُقَاتَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَوْ فِي دَفْعِ صَائِلٍ وَنَحْوِهِ : يَتَّقِي وَجْهَهُ ؛ فَمَا ظَنُّك بِمَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَرْبٌ ، فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَّقِيَ الْوَجْهَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُدَافَعَةِ قَدْ تَضْطَرُّهُ الْحَالُ إلَى الضَّرْبِ فِي وَجْهِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَهَى عَنْهُ ؛ فَاَلَّذِي لَا يُدَافِعُهُ الْمَضْرُوبُ أَوْلَى بِأَنْ يُؤْمَرَ بِاجْتِنَابِ الْوَجْهِ.” انتهى من ” طرح التثريب ” ( 8 / 16 ) .
وانظر جوابي السؤالين (78978 ) و (83420 ) .
وإذا كنتَ في بلد يحكم بالشرع في القصاص ، فلك أن تقاضي من ضربك لتقتص منه بمثل ما فعل بك ، والصحيح من قولي العلماء أن الضرب مما يجوز فيه القصاص .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” وأما القصاص في الضرب بيده أو بعصاه أو سوطه مثل أن يلطمه أو يلكمه أو يضربه بعصا ونحو ذلك : فقد قالت طائفة من العلماء : إنه لا قصاص فيه بل فيه التعزير ؛ لأنه لا تمكن المساواة فيه .
والمأثور عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين : أن القصاص مشروع في ذلك ، وهو نص أحمد وغيره من الفقهاء ، وبذلك جاءت سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصواب ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 28 / 379 ) .
على أنه من المهم هنا أن يعلم هذا الخصم أنك إنما تركته لله ، وعفوت عنه عن قدرة ، لا عن عجز ؛ وخاصة إذا كان من سفهاء القوم ، وأراذل الناس ؛ وإذا اضطرك الحال إلى أن تمسك به ، أو تجعله في موقف يوقن فيه بمقدرتك على الرد ، وعلى عقابه فهو حسن ؛ فالعفو مطلوب ، وهو من محاسن الأخلاق والفضائل ؛ لكن بحيث لا يغري السفهاء بك ، ويجرئهم على إيذائك .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة