0 / 0
127,50905/03/2012

الوسوسة القهرية والابتلاء في حياة المؤمن وهل يمكن دفع ذلك ورفعه بالدعاء ؟

السؤال: 175303

الذي أريد أن ألقيه بين أيديكم يخص موضوع الشيطان ووسوسته ، فوالله عندما تاب الله عليَّ وتبت إليه ووفقني للطاعات ، وصلاة الفجر ، وقيام الليل ، والنجاة من كل الفتن ظاهرة كانت أو باطنة ، وأعطاني الله يقظة قوية مع الشيطان ، بحيث بدأت أعرف كل مداخله ، بدأ هذا الشيطان يأتيني من مدخل خطير ، بحيث بدأ يزحزح لي اليقين ، ويشككني في وجود الله ويقول لي : بأنه ليس هناك جنة أو نار، وأنا أحاول أن أخالفه وأزيد في الطاعة ، بحيث ينتصر عليَّ مرة وأنتصر عليه بإعانة من الله مرة .
فسؤالي هو : إن العلماء يقولون : إنه لا يُبتلى الإنسان حتى يُمكَّن ، فهل التمكن يعني التمسك بشرع الله وأن يتوب توبة نصوحاً ؟ وهل هذا الذي أنا فيه ابتلاء ؟ وهل الدعاء يزيح الابتلاء ، أم الابتلاء يظل بيد الله هو الذي يعلم متى يزيحه ؟
وأرجوكم أن تردوا عليَّ في أقرب وقت ، وشكراً .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
ما يصيب المسلم من ” وسواس قهري ” مما يجعله يشك في وجود الله تعالى ويدفعه للسخرية بشعائر الدين وإنكارها : هو من الابتلاء الذي يمكن أن يزول بالاستعانة بالله تعالى ، والقيام على طاعته ، والإكثار من الأدعية والأذكار ، وكلما أهمله المسلم ولم يلتفت إليه ، ساعد ذلك في التخلص منه بالكلية ، فما يقع من وسوسة قهرية إنما هو من كيد الشيطان ووسوسته ليصرف المسلم عن طاعة ربِّه ويدخله في سلك الضالين .
وليطمئن من أصيب بهذا المرض أنه غير مؤاخذ بما يقع في قلبه من شك أو جحود ، وغير مؤاخذ بما ينطق لسانه من يمين أو طلاق ، وانظر في ذلك جوابي السؤالين (110095 ) و (12315 ) .
ثانياً :
الابتلاء سنَّة كونية وضرورة إيمانية ، قال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُترَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) العنكبوت/ 2 ، ومن أعظم حكَم الله تعالى في ذلك أن يتبين في الابتلاء من صدق في إيمانه ممن لم يصدق ، قال تعالى ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمنَّ الكاذِبين ) العنكبوت/ 3 .
قال ابن القيم – رحمه الله – : ” الله سبحانه اقتضت حكمتهُ أنه لا بد أن يمتحن النفوسَ ويبتَليها ، فُيظْهِرَ بالامتحان طِّيبَها مِن خبيثها ، ومَنْ يصلُح لموالاته وكراماته ومَنْ لا يصلُح ، وليُمحِّص النفوسَ التى تصلُح له ويُخلِّصها بِكِير الامتحان ، كالذَّهب الذى لا يخلُص ولا يصفو مِن غِشه إلا بالامتحان ، إذ النفسُ فى الأصل جاهلة ظالمة وقد حصل لها بالجهل والظلم مِن الخُبث ما يحتاجُ خروجه إلى السَّبكِ والتصفية ، فإن خرج فى هذه الدار وإلا ففى كِير جهنم ، فإذا هُذِّب العبدُ ونُقِّيَ أُذِنَ له فى دخولِ الجنة ” انتهى من ” زاد المعاد في هدي خير العباد ” ( 3 / 18 ).

ولا يخلو الابتلاء من فوائد للمؤمن الصابر المحتسب ، فهو إما يكون من أجل تطهيره من الذنوب ، أو يكون لرفع درجته في الصابرين ، فهو في كلا الحالين منتفع إذا صبر واحتسب على ما ابتلاه الله تعالى به .
وللاستزادة من معرفة الحكمة من الابتلاءات انظر جواب السؤال رقم (35914 ) .

ثالثاً:
وما قلتَه عن العلماء أن المؤمن لا يبتلى إلا بعد التمكن ليس صواباً فيما نعلم ، بل الصواب عكسه وأن الابتلاء أولا ثم يأتي التمكين بعده ، فالابتلاء هو مقدمة التمكين والذي هو العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة ، وقد سئل الإمام الشافعي رحمه الله : أيهما أفضل للرجل أن يُمكَّن أو يُبتلى ؟ فقال : ” لا يُمكَّن حتى يُبتلى ” ، فالتمكين في الأرض لا يأتي إلا بعد ابتلاء ، فإذا تمكَّن فيها دعا إلى الله وسعى في هداية الناس ، ومما يدل على ما قاله الشافعي رحمه الله قوله تعالى ( وَجَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون ) السجدة/ 24 .
قال ابن القيم – رحمه الله – : ” فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت أو رغبت عن الإيمان لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة ، والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء ، ثم يصير إلى الألم الدائم .
– ثم ذكر كلام الإمام الشافعي – .
ثم قال :
والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل فلما صبروا مكنهم ، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة ، وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول ؛ فأعقلهم من باع ألما مستمرا عظيما بألم منقطع يسير ، وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر ” انتهى من ” زاد المعاد ” ( 3 / 14 ، 15 ) .
رابعاً:
الدعاء من أعظم أسباب دفع البلاء ورفعه ، قال الله عز وجل ( وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام/ 42،43 ، وقال سبحانه وتعالى ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) المؤمنون/ 76 .
قال ابن القيم – رحمه الله – : ” والدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن ” انتهى من ” الجواب الكافي ” ( ص 4 ) .
وقد انتفع قوم يونس غاية الانتفاع بالدعاء حين رأوا العذاب ، فكان ذلك سبباً في نجاتهم منه ، مع تحقق إيمانهم قبل ذلك .
قال ابن كثير – رحمه الله – : ” لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيِّهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس ، وهم أهل ” نِينَوى ” ، وما كان إيمانهم إلا خوفاً من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعد ما عاينوا أسبابه ، وخرج رسولهم من بين أظهرهم ، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا لديه واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم ، فعندها رحمهم الله وكشف عنهم العذاب وأُخِّروا كما قال تعالى ( إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) يونس/ 98 ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” ( 4 / 297 ) .

وثمة أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت انظرها في جواب السؤال رقم (71236 ) .
وكيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته ؟ انظر في ذلك جواب السؤال رقم ( 112905 ) .

نسأل الله أن يعافيك مما يصيبك ، وأن يزيدك إيمانا ويقينا وهدى .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android