تنزيل
0 / 0
90,57422/02/2012

أساء لدين الله في كلامه دون أن يقصد الإساءة ، فهل له من توبة ؟

السؤال: 175838

عندي سؤال يحيرني هذا السؤال هو ما حكم من يتلفظ بكلمة لا يقصد الإساءة للإسلام ، علما أن هذا الأمر قد حدث معي ؛ هل يعتبر من تلفظ بها كافرا ؟ وإذا كان كذلك : هل من أمل للتوبة ؟ وكيف يتوب بارك الله فيكم ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الواجب على المسلم أن يراقب لسانه ويحتاط لدينه فلا يتلفظ بما يضره ولا ينفعه ،
وآفات اللسان مهلكات ، ولا شيء أشد على المرء من لسانه ، قال الله تعالى : (مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) سورة ق /18 .
وروى البخاري (5996) ومسلم (5304) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا
بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) .
وروى الترمذي (2241) وصححه عن بِلَال بْن الْحَارِثِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَحَدَكُمْ
لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا
بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ .
وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ
أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى
يَوْمِ يَلْقَاهُ ) .
وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وروى النسائي (3712) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ إِنِّي
بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَإِنْ
كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا ) .
صححه الألباني في الإرواء (2576) .
وروى الترمذي (2541) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم
: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ : (
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ ) .
صححه الألباني في ” الصحيحة ” (1122) .
ثانيا :
إذا تكلم العبد بكلمة منكرة ، مما فيه إثم أو عصيان ، أو تضمنت إساءة لدينه ، أو
لله ، أو لرسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وهو لا يقصد أن يتكلم بشيء من ذلك ، بل سبق
بها لسانه دون أن يقصد إلى نطقها ، أو أكره على قولها ، أو نحو ذلك مما يقال فيه :
إن المتكلم لم يكن يقصد أن ينطق بنفس الكلمة ؛ فمثل هذا قد عفا الله لعباده عنه ،
ووضع عنهم إثمه ؛ قال الله تعالى : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَا ) البقرة/ 286 .
وروى ابن ماجة (2043) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ
عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) .
صححه الألباني في “صحيح ابن ماجة” .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وَهُوَ حَدِيث جَلِيل , قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْف
الْإِسْلَام , لِأَنَّ الْفِعْل إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ ، أَوْ لَا ,
الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ ؛ فَهَذَا
الْقِسْم مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ. وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ
الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْإِثْم أَوْ الْحُكْم أَوْ هُمَا مَعًا ؟ وَظَاهِر الْحَدِيث
الْأَخِير , وَمَا خَرَجَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ فَلَهُ دَلِيل مُنْفَصِل ” انتهى من
“لفتح الباري” (5/161) .
وقال علماء اللجنة :
” معناه : أن الله تعالى أكرم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته ، بأن لا
يؤاخذ أحدا منهم ارتكب محظورا ، أو ترك واجبا ؛ خطأ أو نسيانا ، لا يكون بذلك في
حكمه تعالى آثما ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (4 /401) .
ثالثا:
من تكلم بكلمة فيها إساءة أو إثم ، أو ردة والعياذ بالله ؛ وهو يعلم ما في هذه
الكلمة من الإساءة أو الإثم أو الردة ؛ إلا أنه لم يقصد أن يرتد بذلك ، إنما تكلم
بها على وجه العبث ، أو اللهو واللعب والسخرية ، أو لنيل شهوة أو غرض من أغراض
الدنيا : وقع عليه حكم ما نطق به ، ولو ادعى أنه هازل غير جاد . قال الله تعالى : (
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة / 65 – 66 .
يقولون عند الاعتذار : إنما نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب .
فقال اللّه تعالى : ( قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) فإن
الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين ؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم
اللّه وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد
المناقضة .
“تفسير السعدي” (ص 342-343) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وبالجملة : فمن قال أو فعل ما هو كفر كَفَرَ بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا ؛ إذ
لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله ” انتهى من “الصارم المسلول” (ص 184) .
وقال ابن نجيم رحمه الله :
” مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا كَفَرَ عِنْدَ
الْكُلِّ وَلَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِهِ “
“البحر الرائق” (5/134) . وينظر: “الفتاوى الهندية” (2/275-276) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
” من استهزأ بدين الإسلام أو بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كإعفاء اللحية وتقصير الثوب إلى الكعبين أو إلى نصف الساقين وهو يعلم ثبوت ذلك –
فهو كافر ، ومن سخر من المسلم واستهزأ به من أجل تمسكه بالإسلام فهو كافر ؛ لقول
الله عز وجل: ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) ” انتهى.
“فتاوى اللجنة الدائمة” (2 /44) .
وسئل علماء اللجنة :
بعض الناس يقول الكلام قد يؤدي إلى الكفر أو الفسق ، ويقول : إنني أمزح ، فهل مزاحه
به صحيح في رفع الحرج أم لا ؟
فأجابوا : ” يحرم المزح تحريما شديدا بما فيه كفر أو فسق ، قال الله تعالى : (
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) … الآية ، وتجب التوبة من ذلك العمل
والاستغفار ، عسى الله أن يتوب على فاعله ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (2
/50) .

وأما إن كان قائل ذلك جادا ،
قاصدا لما يقوله ؛ فالأمر فيه واضح ، ووقوع مقتضى كلامه عليه مما لا يحتاج إلى شرح
وبيان .

رابعا :
الواجب عليك الآن أن تتوب إلى الله توبة نصوحا ، إن كنت وقعت في شيء من ذلك عن قصد
إلى نطقه ، وذكر لمعناه ، فتب إلى الله تعالى ، وأمسك لسانك عن مثل ذلك مما يغضب
ربك ، واندم على ما سلف من ذلك ، وحاذر منه فيما يستقبل من أمرك ، وأقبل على الله
تعالى بالطاعات ، واستكثر منها : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ ) هود/114-115 .
وينظر جواب السؤال رقم (7810)، (42506)
.

ولا تيأس من روح الله وإن
عظم ذنبك وفحش جرمك ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
وتذكر دائما قول الله تعالى :
( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) الزمر/ 53 .
ويراجع جواب السؤال رقم : (101873)
، (174401) .
والله تعالى أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android