0 / 0

هل يتحمل المسلمون إثم عدم دعوتهم الكفار للإسلام ؟

السؤال: 177381

يظهر على قناة ” بيس ” التلفزيونية العديد من الخطباء والدعاة يقولون لنا : إن لم تقم بدور الدعوة مع كل من عرفت وقابلت من غير المسلمين فإنهم سيخاصمونك بين يديّ الله يوم القيامة .
فهل هذا صحيح ؟ وما الدليل على هذا ؟ وهل يُعقل أن هذا الكلام ينطبق على كل شخص أقابله ، أم إنه خاص فقط بمن أعرفه معرفة جيدة ؟ وهل زملائي في العمل وجيراني ومن أعرفهم في الشارع الذي أمرُّ منه كلهم من ضمن هؤلاء الناس الذين تجب دعوتهم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فإن الدعوة إلى الله واجبة من حيث العموم ، وجوبا على الكفاية ؛ فإذا قام بها من يكفي من الدعاة والعلماء وطلاب العلم : سقط ذلك عن باقي المسلمين، قال تعالى ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) التوبة/ 122 .
وقد يتعين ذلك على فرد بعينه ، كأن يكون في موطن لا يوجد فيه غيره ، أو أن توجد ثغرة لا يستطيع سدها أحد إلا هو ، أو لا تسد إلا بوقوفه مع من يدعو إلى الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” الدعوة إلى الله تجب على كل مسلم ، لكنها فرض على الكفاية ، وإنما يجب على الرجل المعين من ذلك ما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره ، وهذا شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتبليغ ما جاء به الرسول ، والجهاد في سبيل الله وتعليم الإيمان والقرآن ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 15 / 166 ) .

ومما يدل على أن الدعوة إلى الله فرض كفاية قوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران/ 104 .
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – : ” وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه ، ويدخل في ذلك العلماء المعلِّمون للدين والوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في دين الإسلام ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة ، والمجاهدون في سبيل الله ، والمتصدون لتفقد أحوال الناس ، وإلزامهم بالشرع ، كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، وكتفقد المكاييل والموازين ، وتفقد أهل الأسواق ، ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة ، وكل هذه الأمور من فروض الكفايات كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ) إلخ ، أي : لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الأشياء المذكورة ، ومن المعلوم المتقرر : أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به ، فكل ما تتوقف هذه الأشياء عليه : فهو مأمور به ” .
انتهى من ” تفسير السعدي ” ( ص 142 ) .
ثانياً:
أما من قال إن من يموت من الكفار سيكون خصمك أمام الله : فهذا كلام مرسَل ليس عليه دليل ، ويمكن أن نقسِّم الكفار المدعوين في هذا إلى أقسام :
القسم الأول : من يعيش من الكفار في بلاد لا يعلم عن حياته فيها أحد ، أو لا يمكن الوصول إليه بسهولة : فهؤلاء لا ينبغي لمسلم أن يحمِّل آثامهم لعموم المسلمين ، كما يفعله بعض من يشتغل في الدعوة فيقول : اليوم مات في أدغال أفريقيا بعض الوثنيين ، وإن إثم هؤلاء في رقاب المسلمين ! وهذا قول باطل لا يصح نسبته للشريعة وإلا للزم منه تأثيم النبي صلى الله عليه وسلم – عياذاً بالله – وصحابته الكرام ؛ حيث مات في زمن بعثته الكثير من أهل الهند والسند والصين وأفريقيا وغيرها من أصقاع الأرض ، فهل هؤلاء يأتون يوم القيامة خصماء للمسلمين ؟! وهل كلَّف الله تعالى المسلمين ما لا طاقة لهم به ، حتى يؤثمهم أولئك وهم لم يحصل منهم تقصير أصلاً ؟! والنبي صلى الله عليه قد بذل وسعه في إرسال الكتب لبعض الملوك وإلى الناس ، وأرسل الدعاة إلى بعض الأماكن قدر الوسع والطاقة ، وإذا كان ثمة إثم على أحد من المسلمين فعلى من رأى أولئك على الكفر ، ولم يبلغهم دين الله ، أو على من علم بوجودهم ، واستطاع الوصول إليهم ، ولم يفعل .
القسم الثاني : مَن سمع مِن الكفار بدعوة الإسلام ، وعلم أنه ثمة رسول خاتم ، ودين يجب عليه الدخول فيه : فهذا قد أقيمت عليه الحجة بما سمع وعلم ، ولا يجب على المسلم إذا رآه وخالطه أن يبلغه دين الله أو يدعوه إلى الدخول في الإسلام ، ولا يأثم إذا تركه من غير دعوة ؛ لما سبق من إقامة الحجة عليه ، ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ قريشاً دين الله تعالى وأمرهم بالدخول فيه في نودايهم وفي اجتماعاتهم ، ولم يكن بعدها كلما رأى كافراً منهم دعاه إلى الإسلام قبل الحديث معه ، ومما يدل على ذلك عقد صلح الحديبية مع سهيل بن عمرو وليس فيه دعوته له للدخول في الإسلام ، ومنه ما حصل من بيع وشراء مع اليهود .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – : ” وإذا كان في محل محدود كـ ” قرية ” و ” مدينة ” ونحو ذلك ووُجد فيها مَن تولى هذا الأمر وقام به وبلغ أمر الله : كفى ، وصار التبليغ في حق غيره سنَّة ؛ لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره ونفذ أمر الله على يد سواه ” .
انتهى من ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 1 / 332 ) .

وعليه : فقول من يقول ” بأن هذا الكافر سيخاصم المسلم يوم القيامة إن لم يدعه لا يصح ؛ لأن كونه خصمه يوم القيامة يلزم منه أن الكافر يكون يومئذ صاحب حجة على المسلم المقصر ، وصاحب عذر أمام الله تعالى فيدلي به ، وهذا باطل ؛ لأن غير المسلم تقام عليه الحجة بمجرد معرفته بالرسالة وسماعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار ) رواه مسلم ( 153 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
فمن بلغته الدعوة الإسلامية من غير المسلمين وأصر على كفره فهو من أهل النار .
ولاشك أن غالب من يعايشون المسلمين ، أو يعايشهم المسلمون ، قد بلغتهم الدعوة ، وخاصة في هذا الزمان المنفتح .
قال علماء اللجنة الدائمة : ” من عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره ، ثم لا يؤمن ، ولا يطلب الحق من أهله ، فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية وأصر على الكفر ، ويشهد لذلك عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم ” .
انتهى من ” فتاوى اللجنة ” ( 2 / 148 ) .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي .

إلا أن الحرص على البيان والتعريف ومزيد الإيضاح والتفهيم لهم ، هو من تمام إقامة الحجة عليهم ، والبراءة إلى الله من تبعتهم .
القسم الثالث : من يُرى من الكفار ، ويُعلم أنه لم تبلغه الرسالة ولم يدعه أحد إلى الإسلام ، أو جاء طالباً التعرف على الإسلام : فهذا يجب على المسلم أن يدعوه إلى الإسلام ، وأن يعرِّفه بدين الله تعالى وجوباً عينيّاً ، بما يستطيعه ويعلمه من دين الله ، وإذا لم يفعل المسلم ذلك فيكون آثماً إثماً عظيماً ، وأما الكافر نفسه فليس ثمة دليل أنه يأتي خصيماً لذلك المسلم ، لكنه يكون معذوراً عند الله ، إذ لم تبلغه رسالة الإسلام ، فيُختبر يوم القيامة .
ومن علِم بوجود من لم تبلغه رسالة الإسلام ، وجب عليه أن يسعى إليه ، إذا كان مستطيعاً ، أو يدل عليه مستطيعاً من الدعاة بحسب الوسع والطاقة والقدرة .
ثم إن تنوع تبليغه رسالة الإسلام تتنوع بحسب الزمان والمكان ؛ فقد تكون بالهاتف ، أو قد تكون المراسلة – كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الملوك في زمانه – أو غيرها من الطرق الحديثة ، وما لا يستطيعه المسلم فلا يكلَّف به ، ولذا لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم دعاة إلى الأرض كلها ؛ لعدم وجود من يسد هذا الباب ، ولم يراسل أشخاص الكفار كلهم ، لعدم القدرة على ذلك .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – : ” وقد يكون ذلك فرض عين إذا كنتَ في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك , كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنه يكون فرض عين ويكون فرض كفاية , فإذا كنتَ في مكان ليس فيه من يقوى على هذا الأمر ، ويبلغ أمر الله سواك : فالواجب عليك أنت أن تقوم بذلك , فأما إذا وجد من يقوم بالدعوة والتبليغ ، والأمر والنهي غيرك : فإنه يكون حينئذ في حقك سنَّة , وإذا بادرت إليه وحرصت عليه : كنت بذلك منافسا في الخيرات ، وسابقاً إلى الطاعات ” انتهى من ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 1 / 331 ) .

وقال – رحمه الله – أيضاً – : ” ولكن بالنسبة إلى بقية أرض الله ، وإلى بقية الناس : يجب على العلماء حسب طاقتهم , وعلى ولاة الأمر حسب طاقتهم ، أن يبلغوا أمر الله بكل ما يستطيعون , وهذا فرض عين عليهم على حسب الطاقة والقدرة .

وبهذا يعلم أن كونها فرض عين وكونها فرض كفاية : أمر نسبي يختلف , فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى أقوام وإلى أشخاص ، وسنَّة بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام ؛ لأنه وجد في محلهم وفي مكانهم من قام بالأمر وكفى عنهم .
أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة الواسعة : فعليهم من الواجب أكثر , وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار حسب الإمكان ، بالطرق الممكنة وباللغات الحية التي ينطق بها الناس , يجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها , باللغة العربية وبغيرها ؛ فإن الأمر الآن ممكن وميسور بالطرق التي تقدم بيانها , طرق الإذاعة والتلفزة والصحافة وغير ذلك من الطرق التي تيسرت اليوم ولم تتيسر في السابق ” انتهى من ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 1 / 332 ) .

وعليه : فمن كان مستطيعاً إنشاء فضائية أو مواقع إلكترونية لتوصل رسالة الإسلام إلى أهل الديار التي يُعلم عدم سماعهم بالإسلام – أو سماعهم له مشوَّهاً – فهذا يجب عليه أن يفعل ذلك ولا يُعذر بتخلفه وبخله وكسله ، وإن ذلك الأمر يتعين على ولاة الأمور وعلى الأغنياء أكثر من غيرهم .

قال علماء اللجنة : ” أما مَن عاش في بلاد غير إسلامية ولم يَسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن القرآن والإسلام : فهذا – على تقدير وجوده – حكمه حكم أهل الفترة يجب على علماء المسلمين أن يبلغوه شريعة الإسلام أصولاً وفروعاً ، إقامةً للحجة ، وإعذاراً إليه ، ويوم القيامة يعامَل معاملة من لم يكلف في الدنيا لجنونه أو بلهه أو صغره وعدم تكليفه ” .
انتهى من ” فتاوى اللجنة ” ( 2 / 150 ) .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي .
وانظر أجوبة الأسئلة ( 131777 ) و ( 26721 ) و ( 84308 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android