0 / 0
54,34602/04/2012

هل ثبت عن أحد من الصحابة الخضاب بالسواد أو الأمر به ؟

السؤال: 178626

هل صحيح : أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:” اختضبوا بالسواد فإنه آنس للنساء وهيبة للعدو” .
وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:”عليكم بهذا الخضاب الأسود فإنه أهيب لكم في صدور أعدائكم وأعطف لنسـائكم عليكم”
وأيضا هل صح أن الصحابة: عثمان بن عفان , سعد بن أبي وقاص , عمرو بن العاص , المغيرة بن شعبة , جرير بن عبدالله , الحسن والحسين .. رضي الله عنهم أجمعين , اختضبوا بالسواد ؟
وأسأل عن الحديث في صحيح مسلم والذي ورد في جواب السؤال (47652) (غَيِّرُوا هَذَا بِشَىْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ ) .
فإذا كانت عبارة “واجتنبوا السواد” تفيد النهي , فهل عبارة “غيروا هذا ” أي الشيب تفيد الأمر بحيث “يجب” على كل ذي شيبة أن يغير بياض شيبته بأي شيء سوى السواد ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
اتفق الفقهاء على أن تغيير الشيب بالحناء ونحوه مستحب للرجل والمرأة ؛ لما ورد من الأخبار والآثار في ذلك .
راجع “الموسوعة الفقهية” (2/ 281) .
واختلفوا في حكم الاختضاب بالسواد : فجمهورهم على التحريم .
راجع “الموسوعة الفقهية” (2/ 280) .
وراجع إجابة السؤال رقم (7227) .

ثانيا :
المشهور الثابت عن عامة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة التابعين الخضاب بالحناء والكتم ، أو الحناء وحدها أو الصفرة .
قال ابن القيم رحمه الله :
” الكتم والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود ” زاد المعاد ” ( 4 / 336 ) .
وممن جاء عنه الخضاب بالحناء والكتم من الصحابة أبو بكر رضي الله عنه ، كما في صحيح البخاري (3920) ومسلم (2341) ، وكذا عمر رضي الله عنه كما في صحيح مسلم (2341)
وكذا محمد بن الحنفية ، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما رواه عنه ابن أبي شيبة (8/245) ، وهو مما يدل على عدم صحة المذكور عن علي رضي الله عنه من استحباب الخضاب بالسواد .

ثالثا :
أما ما روي عن الصحابة رضوان الله عليهم في الخضاب بالسواد :
فما روي عن عمر رضي الله عنه : لا يصح إسناده إليه ، فقد رواه الطبري في “تهذيب الآثار” (833) من طريق الْحَارِث بن عمر بن الْحَارِث الطَّاحِي قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو البخْترِي بن عبد الحميد الطَّاحِي ” أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يَأْمر بالخضاب بِالسَّوَادِ ، وَيَقُول : هُوَ أسكن للزَّوْجَة ، وأهيب فِي الْعَدو ” .
وهذا إسناد ضعيف ، الحارث بن عمر مجهول ، كما في “لسان الميزان” (2 /155) و “الجرح والتعديل” (3/82) .
وأبو البختري الطاحي لم نجد له ترجمة فيما بين أيدينا من المصادر ، ولعله أبو البختري الطائي ، وهو ثقة لكنه لم يسمع من عمر رضي الله عنه كما في “اللسان” (7/452) .
فهذا الإسناد غير صحيح ، ولا يصح عن عمر رضي الله عنه الخضاب بالسواد فضلا عن الأمر به ، إنما صح عنه الخضاب بالحناء والكتم كما تقدم .

وأما عثمان رضي الله عنه : فروى الطبري في “التهذيب” (853) والدولابي في “الكني” (2/715) من طريق أبي عُثْمَان صَاحب الأكفان ( وعند الدولابي: صاحب الألقاب ) قَالَ: حَدثنِي بشير بن سِبَاع عَن ابْن أبي مليكَة : ” أَن عُثْمَان بن عَفَّان كَانَ يخضب بِالسَّوَادِ ” .
وابن أبي مليكة لم يسمع من عثمان ، كما في “المراسيل” لابن أبي حاتم الرازي (ص 22)
إذ بين وفاتيهما 82 سنة ، فلم يسمع منه قطعا ، فهو منقطع .

وأبو عثمان هذا ذكره الدولابي – وسماه عبيد الله – برواية محمد بن المثنى عنه فقط ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، فهو مجهول .
أما بشير بن سباع : فقال ابن حبان في الثقات : ” بشر بن سباع يروى عن ابن أبي مليكة روى عنه عبد الله بن عمر أبو عثمان صاحب الأكفان ” انتهى من “الثقات” (6 /97) .
وعليه : فالصواب في اسمه : “بشر” لا “بشير” وهو مجهول أيضا ، لم يذكروا في الرواة عنه سوى أبي عثمان .

والصحيح عن عثمان الخضاب بالصفرة ، فقال ابن أبي شيبة (8/252) : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَبْنِي الزَّوْرَاءَ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مُصَفِّرًا لِحْيَتَه ُ.
وهذا إسناد صحيح .

وأما علي رضي الله عنه : فما ذكر عنه في السؤال من قوله : “عليكم بهذا الخضاب الأسود فإنه أهيب لكم في صدور أعدائكم وأعطف لنسـائكم عليكم” لا يعرف عنه ، وثبت بالإسناد الصحيح عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي، قَالَ : ” رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب أَبيض الرَّأْس واللحية ” رواه الطبري في “التهذيب” (932) فلو كان صحيحا لخضب به .
وروى الطبري أيضا (836) عَن سوَادة بن حَنْظَلَة قَالَ: ” رَأَيْت عليا أصفر اللِّحْيَة “.

وقد روى ابن ماجة (3625) عن صُهَيْبِ الْخَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَحْسَنَ مَا اخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي صُدُورِ عَدُوِّكُمْ ) لكنه ضعيف كما قال الشيخ الألباني رحمه الله في “ضعيف ابن ماجة” .

وأما الحسن والحسين رضي الله عنها فقد روي عنهم من غير طريق الخضاب بالسواد ، كما في “تهذيب الطبري” (837-842)
ثم روى (843) عن الحسين رضي الله عنه الخضاب بالحناء والكتم أيضا .

وأما المغيرة بن شعبة وجرير بن عبد الله : فروى الطبري (853) عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، قَالَ: ” رَأَيْت الْمُغيرَة بن شُعْبَة يخضب بالصفرة “.
وروى الطبري أيضا (854) عَن عبد الْملك قَالَ : ” رَأَيْت جرير بن عبد الله البَجلِيّ والمغيرة بن شُعْبَة يصبغان لحاهما بالصفرة “.
ولم يثبت عنهما الخضاب بالسواد .

وقد روى الطبري (846 ) وابن أبي شيبة (8/250) بإسناد صحيح عن عبد الْملك بن أبي سليمان عَن عَطاء، قَالَ : ” سَأَلته عَن الخضاب بِالسَّوَادِ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يخضب بِالسَّوَادِ ، إِنَّمَا كَانَ خضابهم بِالْحِنَّاءِ ، وَهَذِه الصُّفْرَة ” .

ولفظ ابن أبي شيبة : عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، قَالَ : سُئِلَ عَطَاءٌ ، عَنِ الْخِضَابِ بِالْوَسْمَةِ فَقَالَ : ” هُوَ مِمَّا أَحْدَثَ النَّاسُ ، قَدْ رَأَيْت نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَضِبُ بِالْوَسْمَةِ ، مَا كَانُوا يُخَضِّبُونَ إلاَّ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَهَذِهِ الصُّفْرَةِ ” .

أما عمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص فلم نجد من روي عنهما الخضاب بالسواد ، وفي كلام ابن القيم الآتي ما يدل على أن في صحة ذلك نظرا .

والثابت عن عامة الصحابة والتابعين الخضاب بالحناء ، أو بها مع الكتم ، أو بالصفرة ، فروى ابن أبي شيبة في “مصنفه” (8/244- 253) والطبري في “تهذيبه” (843-853) ذلك عنهم ، ومنهم – غير من تقدم ذكره : جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وسهل بن سعد وأنس بن مالك وأبو أمامة وابن أبي أوفى وعبد الله بن بسر وابن عمر وأبو هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم .
ومن التابعين : أبو وائل وأبو الجوزاء وأبو نضرة وقيس بن أبي حازم وشبيل بن عوف والقاسم وزيد بن وهب وطاوس وغيرهم رحمهم الله .

وكره غير واحد من السلف الخضاب بالسواد ، وهو المعروف عنهم ، منهم : عطاء ومجاهد ومكحول والشعبي والأسود وغيرهم رحمهم الله .
وروى ابن أبي شيبة (8/252) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَسُئِلَ عَنِ الْخِضَابِ بِالْوَسْمَةِ فَكَرِهَهُ فَقَالَ : ” يَكْسُو اللَّهُ الْعَبْدَ فِي وَجْهِهِ النُّورَ ، ثُمَّ يُطْفِئُهُ بِالسَّوَادِ “.
وهذا إسناد صحيح .

وروى الإمام أحمد (15452) عن أبي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي وَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : ” كَانَ خِضَابُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ “.
قال الهيثمي :
” رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح خلا بكر بن عيسي وهو ثقة ” .
انتهى من “مجمع الزوائد” (5 /285) .

قال ابن القيم رحمه الله :
” وَأَمَّا الْخِضَاب بِالسَّوَادِ : فَكَرِهَهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم , وَهُوَ الصَّوَاب بِلَا رَيْب لِمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَد : تُكْرَه الْخِضَاب بِالسَّوَادِ ؟ قَالَ : أَيْ وَاَللَّه ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَة مِنْ الْمَسَائِل الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا , وَقَدْ جَمَعَهَا أَبُو الْحَسَن , وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّن التَّلْبِيس , بِخِلَافِ الصُّفْرَة .
وَرَخَّصَ فِيهِ آخَرُونَ , مِنْهُمْ أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة , وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَن وَالْحُسَيْن وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , وَعَبْد اللَّه بْن جَعْفَر وَعُقْبَة بْن عَامِر . وَفِي ثُبُوته عَنْهُمْ نَظَر , وَلَوْ ثَبَتَ فَلَا قَوْل لِأَحَدٍ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسُنَّته أَحَقّ بِالِاتِّبَاعِ , وَلَوْ خَالَفَهَا مَنْ خَالَفَهَا ” انتهى من “تهذيب السنن” (2/284) .

رابعا :
قول الأخ السائل : ” فإذا كانت عبارة “غيروا هذا ” أي الشيب تفيد الأمر ، بحيث يجب على كل ذي شيبة أن يغير بياض شيبته بأي شيء سوى السواد ؟
الجواب عنه أن يقال : الأمر بتغيير الشيب سنة فقط وليس بواجب ، باتفاق أهل العلم .
قال الشوكاني رحمه الله :
” قال الطبري : الصواب أن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض ، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة والنهي لمن له شمط فقط .
قال : واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك ، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع ، ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض ” .
انتهى من “نيل الأوطار” (1 /144)
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (2/281) :
” اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَغْيِيرَ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ أَوْ نَحْوِهِ مُسْتَحَبٌّ لِلْمَرْأَةِ كَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلرَّجُل ، لِلأْخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ ” انتهى .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android