في حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه حينما طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم إحضار أربعة شهود لو رأى رجلاً مع امرأته.
لي سؤال : إذا لم يجد لديه شهودا ، فمن أين يأتي بالشهود ؛ هل يذهب للشارع يخبر أربعة من الرجال أن زوجه الآن تعمل الفاحشة ، ويريدهم أن يأتوا ليشاهدوها تعمل الفاحشة حتى يشهدوا عليها ؟ هل هذه الأمر تقبله النفس ، أم إنه صعب عليها ؟ وضح لي بارك الله فيك .
من رأى زوجته تزني..، فما الواجب عليه فعله؟
السؤال: 178671
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
قال تعالى: ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/15. وقوله: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) سورة النور/4 ، وقوله تعالى: ( لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) سورة النور/13.
وروى مسلم (1498) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَؤُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: ( نَعَمْ ).
فثبت بذلك أن البينة التي يثبت بها الزنا : هي أربعة شهود ، وهي أعلى البينات ، والشروط التي يجب الوفاء بها لأجل هذه الشهادة يصعب تحقيقها جدا ، وذلك لما لهذه التهمة من خطر عظيم على الأعراض ، ومعرة بالغة تلحق بمن رمي بها ، وبأهله .
قال ابن قدامة رحمه الله: ” ذكر الخرقي في شهود الزنا سبعة شروط; أحدها: أن يكونوا أربعة ، وهذا إجماع ، لا خلاف فيه بين أهل العلم…” انتهى وانظر بقية الشروط في “المغني” (9/65) .
ثانيا :
حال الزوج مع زوجته يختلف عن حال غيره ، فالزوجة فراش الرجل ، ولا يكاد يقدم عاقل على رمي امرأته أو الشهادة عليها بذلك إلا وهو صادق ، لما يلحقه هو وأبناؤه من العار في ذلك ؛ ثم إن الزوج يطلع من زوجته على ما لم يطلع غيره عليه ، وقد يقف منها على ذلك ، في حين يتعذر على غيره أن يعرفه ، هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى فإن له حقا في هذه الجناية التي ارتكبتها المرأة ؛ فقد جنت عليه بتلويث فراشه ، وشرفه وسمعته ، وانتهاك حرمته .
ولأجل ذلك ، فقد راعى الشرع الجانبين : جانب البينة في ثبوت الزنا : ألا يثبت بأقل من أربعة شهداء ، ولا يحل لأحد أن يرمي أحدا من المسلمين بتلك الفاحشة إلا أن يأتي بالبينة الشرعية ، أو اعتراف الزاني ؛ وسواء في ذلك الزوجان وغيرهما ، فمن قذف مسلما بالزنا ، ولم يأت بالبينة الشرعية ، فقد استحق حد القذف ، ولو كان قد رمى زوجته .
لكن لما سبق ذكره من خصوصية تتعلق بالرجل ، فقد جعل الله له مخرجا من ذلك ، وهو أن يلاعنها ، إذا رماها بالزنا ، ولم تعترف هي به .
قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) سورة النور/6 .
قال ابن كثير رحمه الله : ” هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج، إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة ، أن يلاعنها، كما أمر الله عز وجل ، وهو أن يحضرها إلى الإمام [ القاضي ] ، فيدعي عليها بما رماها به ، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء ، ( إنه لمن الصادقين ) أي: فيما رماها به من الزنا ، ( والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ) ، فإذا قال ذلك، بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء ، وحرمت عليه أبدا، ويعطيها مهرها، ويتوجه عليها حد الزنا .
ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن ، فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، أي: فيما رماها به ، ( والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) ولهذا قال: ( ويدرأ عنها العذاب ) .
يعني: الحد ( أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) فخصها بالغضب ، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور، وهي تعلم صدقه فيما رماها به ، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه ” . انتهى من “تفسير ابن كثير” (6/14) .
وسبب نزول هذه الآية الكريمة ، هو جواب عما سألت عنه في السؤال :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ .
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ ؟!
فَجَعَلَ يَقُولُ الْبَيِّنَةَ ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ !!
فقَالَ هِلَالٌ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ .
فَنَزَلَ جِبْرِيلُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ) ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ؟
ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا : إِنَّهَا مُوجِبَةٌ !
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَتَلَكَّأَتْ ، وَنَكَصَتْ ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ، ثُمَّ قَالَتْ : لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ ؛ فَمَضَتْ !
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَبْصِرُوهَا ؛ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ ، فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ ) .
رواه البخاري (4747) .
وينظر : “روضة الطالبين” (7/327) ، “الشرح الممتع” (13/291) .
ثالثا :
الواجب على العبد أن يلزم الأدب مع ربه ، ومع أحكامه ودينه ، فإن أشكل عليه شيء سأل عن مجيء الشرع به ، فإذا ثبت به الشرع المطهر ، تلقاه بالرضا والقبول وانشراح الصدر ، والتسليم لحكم الله ، على ما وافق رأيه وعقله وهواه ، أو خالفه ؛ فليس الدين بالرأي ، إنما هو التسليم والرضا بما جاء عن رب العالمين ، قال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) سورة الأحزاب/36 , وقال تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة النور/51 .
وأما حديث الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ !! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي ) رواه البخاري(6846) .
قال ابن عبد البر رحمه الله: ” يريد والله أعلم ، أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه ، وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله ، وأن لا يتعدى حدوده، فالله ورسوله أغير..” .
انتهى من ” التمهيد “(21/256) .
وقد تبين أن طلب الشهود لم يكن في حديث سعد بن عبادة ، إنما كان في قصة أخرى .
وينظر : “شرح السنة” للبغوي (9/266) ، “فتح الباري” لابن حجر (9/449) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب