0 / 0
149,90528/03/2012

من رأى زوجته تزني..، فما الواجب عليه فعله؟

السؤال: 178671

في حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه حينما طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم إحضار أربعة شهود لو رأى رجلاً مع امرأته.
لي سؤال : إذا لم يجد لديه شهودا ، فمن أين يأتي بالشهود ؛ هل يذهب للشارع يخبر أربعة من الرجال أن زوجه الآن تعمل الفاحشة ، ويريدهم أن يأتوا ليشاهدوها تعمل الفاحشة حتى يشهدوا عليها ؟ هل هذه الأمر تقبله النفس ، أم إنه صعب عليها ؟ وضح لي بارك الله فيك .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
قال تعالى: ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/15. وقوله: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) سورة النور/4 ، وقوله تعالى: ( لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) سورة النور/13.
وروى مسلم (1498) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَؤُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: ( نَعَمْ ).

فثبت بذلك أن البينة التي يثبت بها الزنا : هي أربعة شهود ، وهي أعلى البينات ، والشروط التي يجب الوفاء بها لأجل هذه الشهادة يصعب تحقيقها جدا ، وذلك لما لهذه التهمة من خطر عظيم على الأعراض ، ومعرة بالغة تلحق بمن رمي بها ، وبأهله .
قال ابن قدامة رحمه الله: ” ذكر الخرقي في شهود الزنا سبعة شروط; أحدها: أن يكونوا أربعة ، وهذا إجماع ، لا خلاف فيه بين أهل العلم…” انتهى وانظر بقية الشروط في “المغني” (9/65) .

ثانيا :
حال الزوج مع زوجته يختلف عن حال غيره ، فالزوجة فراش الرجل ، ولا يكاد يقدم عاقل على رمي امرأته أو الشهادة عليها بذلك إلا وهو صادق ، لما يلحقه هو وأبناؤه من العار في ذلك ؛ ثم إن الزوج يطلع من زوجته على ما لم يطلع غيره عليه ، وقد يقف منها على ذلك ، في حين يتعذر على غيره أن يعرفه ، هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى فإن له حقا في هذه الجناية التي ارتكبتها المرأة ؛ فقد جنت عليه بتلويث فراشه ، وشرفه وسمعته ، وانتهاك حرمته .
ولأجل ذلك ، فقد راعى الشرع الجانبين : جانب البينة في ثبوت الزنا : ألا يثبت بأقل من أربعة شهداء ، ولا يحل لأحد أن يرمي أحدا من المسلمين بتلك الفاحشة إلا أن يأتي بالبينة الشرعية ، أو اعتراف الزاني ؛ وسواء في ذلك الزوجان وغيرهما ، فمن قذف مسلما بالزنا ، ولم يأت بالبينة الشرعية ، فقد استحق حد القذف ، ولو كان قد رمى زوجته .
لكن لما سبق ذكره من خصوصية تتعلق بالرجل ، فقد جعل الله له مخرجا من ذلك ، وهو أن يلاعنها ، إذا رماها بالزنا ، ولم تعترف هي به .
قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) سورة النور/6 .
قال ابن كثير رحمه الله : ” هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج، إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة ، أن يلاعنها، كما أمر الله عز وجل ، وهو أن يحضرها إلى الإمام [ القاضي ] ، فيدعي عليها بما رماها به ، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء ، ( إنه لمن الصادقين ) أي: فيما رماها به من الزنا ، ( والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ) ، فإذا قال ذلك، بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء ، وحرمت عليه أبدا، ويعطيها مهرها، ويتوجه عليها حد الزنا .
ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن ، فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، أي: فيما رماها به ، ( والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) ولهذا قال: ( ويدرأ عنها العذاب ) .
يعني: الحد ( أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) فخصها بالغضب ، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور، وهي تعلم صدقه فيما رماها به ، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه ” . انتهى من “تفسير ابن كثير” (6/14) .

وسبب نزول هذه الآية الكريمة ، هو جواب عما سألت عنه في السؤال :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ .
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ ؟!
فَجَعَلَ يَقُولُ الْبَيِّنَةَ ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ !!
فقَالَ هِلَالٌ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ .
فَنَزَلَ جِبْرِيلُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ) ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ؟
ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا : إِنَّهَا مُوجِبَةٌ !
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَتَلَكَّأَتْ ، وَنَكَصَتْ ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ، ثُمَّ قَالَتْ : لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ ؛ فَمَضَتْ !
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَبْصِرُوهَا ؛ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ ، فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ ) .
رواه البخاري (4747) .
وينظر : “روضة الطالبين” (7/327) ، “الشرح الممتع” (13/291) .

ثالثا :
الواجب على العبد أن يلزم الأدب مع ربه ، ومع أحكامه ودينه ، فإن أشكل عليه شيء سأل عن مجيء الشرع به ، فإذا ثبت به الشرع المطهر ، تلقاه بالرضا والقبول وانشراح الصدر ، والتسليم لحكم الله ، على ما وافق رأيه وعقله وهواه ، أو خالفه ؛ فليس الدين بالرأي ، إنما هو التسليم والرضا بما جاء عن رب العالمين ، قال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) سورة الأحزاب/36 , وقال تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة النور/51 .

وأما حديث الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ !! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي ) رواه البخاري(6846) .
قال ابن عبد البر رحمه الله: ” يريد والله أعلم ، أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه ، وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله ، وأن لا يتعدى حدوده، فالله ورسوله أغير..” .
انتهى من ” التمهيد “(21/256) .
وقد تبين أن طلب الشهود لم يكن في حديث سعد بن عبادة ، إنما كان في قصة أخرى .
وينظر : “شرح السنة” للبغوي (9/266) ، “فتح الباري” لابن حجر (9/449) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android