تنزيل
0 / 0
3498703/08/2012

يشكو من عزوف الناس عنه وعدم رغبتهم في مصاحبته

السؤال: 178693

أنا شاب عمري22 سنة ، متدين ، وأحفظ القرآن ، وشكلي مقبول وطبعي سهل لين ، ولكن مشكلتي هي عزوف الناس عني ، لا أكاد أجد صديقا ، حتى بين رواد المسجد وحفظة القران ، وكلما حاولت إقامة علاقة مع أحد منهم أجد الصد والإعراض ، ولا يوجد سبب معين ، فليس بيني وبينهم أي خصومة ، ولكني أجد أني قد لا أكون جذابا بما فيه الكفاية ، بالنسبة لهم أجد نفسي في عزلة قاتلة ، لا أكاد أجد صديقا ، في حياتي الجامعية 4 سنوات لم أستطع تكوين صديق واحد ، معظم غمي في الجامعة من انعدام الأصدقاء ، وكلما حاولت في الصداقة جوبهت بكسر الخاطر والإعراض ، أفيدوني جزاكم الله خيرا .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا داعي للقلق والحيرة والمزيد من الإحباط والحساسية المفرطة ، فالأمر سهل وليس كما
تظنه ، والإنسان اجتماعي بطبعه ، والذي يحصل أحيانا عدم التوافق في الطبائع
والأخلاق ، فقد يتعارف اثنان ، وبعد التعارف يختلفان فيفترقان لعدم حصول ذاك
الانسجام الذي يحدثه التقارب في الأخلاق أو الأفكار ونحو ذلك .
ولعلك إذا أخذت بنصيحتنا في هذا الأمر انتفعت بإذن الله .
ومشكلتك تتلخص في تصورك أنها مشكلة متجذرة عويصة ، فإذا عارضت ذلك بالمحاولة فظهر
لك إعراض الناس انطبع في نفسك لأول وهلة أنك قد فشلت ، فيحصل لك من اليأس والإحباط
ما يؤكد في نفسك هذا التصور ، ثم تأتي المحاولة التي تليها ، فيحصل ما حصل في
الأولى ، فيزداد يقينك بأنك إنسان يرفضه المجتمع ولا يقبله الناس ، وكل ذلك غير
صحيح .
وتصور رفض المجتمع التام لرجل حافظ للقرآن وعلى خلق ولين الجانب تصور غير مقبول
شرعا وعقلا وعرفا .
فإن طبائع الناس مجبولة على محبة الخير وبسطة الوجه ولين الكلام وحسن الخلق .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : ” البر شيء هين وجه طليق وكلام لين ” .
انتهى من “شعب الإيمان” (8059) .
وقال عروة ابن الزبير رحمه الله :
” مكتوب في الحكمة : لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم
العطاء ” انتهى من “حلية الأولياء” (2/178) .
إنما تؤتى من قبل توهمك المتزايد مع كل محاولة تفشل فيها فتيأس للوهلة الأولى ، فلا
تعطي نفسك الفرصة للصبر والتهيؤ لمعالجة ما عسى أن يكون هو السبب الحقيقي لهذا
الإعراض ، لكنك لا تبحث عن ذلك ولا تتدبره ، ثم تلتفت إلى تلك القناعة المتوهمة .
فننصحك بما يلي :
أولا : انس الفائت كله تماما ، جملة وتفصيلا ، كأنه لم يكن .
ثانيا : استقبل أيامك ومواقفك مع الناس بالتفاؤل والأمل وحسن الظن بالله .
ثالثا : ليكن الأصل في التعامل مع الناس حسن الظن بكل ما يقع منهم ، ولا تلتفت إلى
ما قد يطرأ من وساوس وظنون .
عن عمر بن عبد العزيز قال : ” يا بني إذا سمعت كلمة من مسلم فاحملها على أحسن ما
تجد حتى لا تجد محملا ” انتهى من “مداراة الناس” (ص 48) .
رابعًا : ابتعد تماما عن الحساسية المفرطة وكثرة التفكير وخاصة في الأمور العارضة ،
واحمل الوقائع غير المستحسنة من الناس على محمل ( لعل ، ولعل ) .
عن أبي قلابة قال :
” التمس لأخيك العذر بجهدك ، فإن لم تجد له عذرا فقل : لعل لأخي عذرا لا أعلمه ” .
انتهى من “مداراة الناس” (ص 48) .
خامساً : ابتعد عن الانطوائية ، وأقبل على الناس برحابة صدر .
سادساً : لا تعامل الناس على سبيل التجربة ، ولكن من منطلق العقل والحكمة ، والحرص
على التقرب منهم والتودد إليهم ، وفي سبيل ذلك احتمل أذاهم ، ومن أعرض منهم أقبل
عليه ، ومن أساء منهم اعف عنه ، ومن جهل منهم احلم عليه .
سابعاً : ليكن تعرفك بالناس من منطلق الدعوة والأخوة الإسلامية ، فاحرص ما أمكنك
على أن يكون تعرفك بالناس لغرض شرعي من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو نصيحة أو
تحقيق مصلحة ونحو ذلك .
ثامناً : لا تهمل مع ذلك الجوانب الترفيهية مع الناس ، فاخرج معهم للتنزه والتفسح ،
وخالطهم في أحاديثهم ومحاوراتهم .
تاسعا : لا تصاحب إلا ذا دين وخلق ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) رواه
الترمذي (2395) وحسنه الألباني في “صحيح الترمذي” .
عاشراً : أكثر من التبسم ، فإنه من أحسن الخلق ؛ وقد روى الترمذي (3574) وحسنه عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ : ” مَا رَأَيْتُ أَحَدًا
أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ”
وصححه الألباني في “صحيح الترمذي” .
وروى مسلم (4760) عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ
تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) .
حادي عشر : إذا ساءك موقف من المواقف فابحث عن سبب حصوله ولو بسؤال صاحب الموقف معك
، وناقشه في ذلك ، وحاول أن تتوصل بالبرهان إلى مكمن العلة ، وإياك أن تستسلم
معتقدا أن هذا هو الأمر الطبيعي مع الناس : عزوفهم عني .
ثاني عشر : أين أنت من مؤانسة القرآن ومدارسة السنة وسير السلف وكيف كان صبرهم على
أذى الناس ؟ أين أنت من العلاج الشرعي للهم والغم بالقرآن والدعاء والأذكار ؟ أين
أنت من التعلق بالمساجد وكثرة التردد عليها ؟ أين أنت من قيام الليل ودعاء السحر ؟
كل ذلك جدير بالذهاب بهذا الهم الجاثم وهذه الكروب المتناوبة على قلبك .
وفي كتاب “مداراة الناس” لابن أبي الدنيا رحمه الله مجموعة صالحة من الآثار عن
السلف تتعلق بهذه المسألة ، فننصحك باقتنائه والنظر فيه .
ومما جاء فيه ما رواه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ” من يتبع نفسه كل ما يرى
في الناس يطل حزنه ولا يشف غيظه “
وعن عبد الوهاب بن الورد قال : ” جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : إني قد حدثت نفسي
أن لا أخالط الناس فما ترى ؟ قال : لا تفعل إنه لا بد للناس منك ، ولا بد لك منهم ،
لك إليهم حوائج ، ولهم إليك حوائج ، ولكن كن فيهم أصم سميعا ، أعمى بصيرا ، سَكوتا
نطوقا ” .
وعن أيوب السختياني قال : ” لا ينبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان : العفة عما في أيدي
الناس ، والتجاوز عما يكون منهم ” انتهى من “مداراة الناس” (ص 40- 46) .
راجع جواب السؤال رقم : (47026)
والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android