علمنا من الأحاديث الصحيحة أن هناك أربع ركعات قبل الظهر ، فكيف تؤدى هذه الركعات يوم الجمعة ؟ ومن المعلوم أنه ليس هناك سنن قبل الجمعة، لكن بالنسبة لشخص دأب على أداء هذه الأربع الركعات هل يصح أن يأتي بها في يوم الجمعة كذلك؟ وهل يصح أن يصليها قبل الزوال؟
هل للجمعة سنة قبلية ؟
السؤال: 181043
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرع لصلاة الجمعة سنة راتبة قبلها ، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى للجمعة سنة راتبة قبلها ، كراتبة الظهر أو غيرها من الصلوات .
ولا يصح أن تصلى راتبة الظهر يوم الجمعة ؛ لأن الجمعة ليست ظهرا ؛ بل هي صلاة مستقلة في أحكامها ، وما يتعلق بها ، فليست هي ظهرا ، ولا يصح ـ أيضا ـ قياسها على الظهر في ذلك
وينظر جواب سؤال رقم (114765) .
وأما ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه: ( أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا )، فقد رواه الترمذي معلقاً بصيغة التمريض، موقوفاً على ابن مسعود ، ونقل شارح الترمذي : عن الحافظ ابن حجر رحمه الله ، أن عبد الرزاق والطبراني أخرجاه مرفوعاً ، وفي سنده ضعف وانقطاع ، ومثل هذا لا يحتج به .
ينظر : فتاوى "اللجنة الدائمة" (8/261) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله : " منكر " ، كما في " السلسلة الضعيفة " (3/83).
ثانيا :
يستحب لمن أتى الجمعة أن يتطوع بالصلاة قبلها ، بما تيسر له ، من حين دخوله إلى المسجد ، إلى أن يخرج الإمام على الناس ، من غير أن يكون ذلك مقيدا بعدد مخصوص ، فيصلي ركعتين ، أو أربعا ، أو ما شاء الله له أن يصلي .
روى البخاري (883) ومسلم (857) عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ) .
قال ابن القيم رحمه الله في جملة ما ذكره من خصائص يوم الجمعة :
" لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال ، عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه ، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية ، ولم يكن اعتماده على حديث ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ، وقال : إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة ، وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام … " .
وذكر حديث سلمان السابق ذكره ، ثم قال : " فندبه إلى الصلاة ما كتب له ، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام .
ولهذا قال غير واحد من السلف : منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل : خروج الإمام يمنع الصلاة ، وخطبته تمنع الكلام ، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام ، لا انتصاف النهار .
وأيضاً : فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف ، ولا يشعرون بوقت الزوال ، والرجل يكون متشاغلا بالصلاة ، لا يدري بوقت الزوال ولا يمكنه أن يخرج ويتخطى رقاب الناس وينظر إلى الشمس ويرجع ، ولا يشرع له ذلك " انتهى من " زاد المعاد"(1/365) .
ورجح الشوكاني هذا القول أيضا ، وذكر أن أحاديث النهي عن الصلاة وقت الزوال ، مخصصة بحديث سلمان السابق . ينظر "نيل الأوطار" (3/313) .
واختاره أيضا الشيخ عبد الله الفوزان حفظه الله ، واستدل له بنحو مما ورد في كلام ابن القيم .
ينظر " منح العلام شرح بلوغ المرام" (1/162) .
وينظر أيضا : " الأجوبة النافعة " ، للشيخ الألباني رحمه الله (59-70) .
وقد حرر الإمام أبو شامة هذين المسألتين تحريرا حسنا ؛ مسألة أن الجمعة ليس لها سنة راتبة قبلها ، والمسألة الأخرى : مشروعية التطوع قبل صلاة الجمعة ، حتى يخرج الإمام .
قال رحمه الله :
" فصل في بدع الجمعة :
وجرت عادة الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك ، إلى خروج الإمام وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاة ، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ، ومعظم المتفقهة منهم : أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر ، ويصرحون في نيتهم بأنها سنة الجمعة ، ويقول من هو عند نفسه ، معتمدا على قوله : إن قلنا : الجمعة ظهر مقصورة ، فلها كالظهر ، وإلا فلا .
وكل ذلك بمعزل عن التحقيق ، والجمعة لا سنة لها قبلها ، كالعشاء والمغرب ، وكذا العصر على قول وهو الصحيح عند بعضهم ، وهي صلاة مستقلة بنفسها …
والدليل على أنه لا سنة لها قبلها : أن المراد من قولنا الصلاة المسنونة أنها منقولة عن رسول الله ، قولا وفعلا ، والصلاة قبل الجمعة لم يأت منها شيء عن النبي يدل على أنه سنة ، ولا يجوز القياس في شرعية الصلوات .
أما بعد الجمعة : فقد نقل في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين [ رواه البخاري (937) ومسلم (882) من حديث ابن عمر ] ، وقال : ( مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا ) [ رواه مسلم (881) . قال أبو عيسى الترمذي : رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا ، وقال عطاء : قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعًا " .
فإن قلت : فقد روى الترمذي أيضا قال : وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ، وإليه ذهب النووي وابن المبارك ؛ فهذا يدل على أن للجمعة سنة قبلها أربع ركعات كالظهر ؟
قلت : المراد من صلاة عبد الله بن مسعود قبل الجمعة أربعا : أنه كان يفعل ذلك تطوعا إلى خروج الإمام ، كما تقدم ذكره ؛ فمن أين لكم أنه كان يعتقد أنها سنة الجمعة ؟
وقد جاء عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم أكثر من ذلك ، قال أبو بكر بن المنذر : روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يصلي ثماني ركعات ؛ وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع من قِبَل أنفسهم ، من غير توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك اختلف العدد المروي عنهم ، وباب التطوع مفتوح ؛ ولعل ذلك كان يقع منهم ، أو معظمه ، قبل الأذان ودخول وقت الجمعة ، لأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام .
وقد فعلوا مثل ذلك في صلاة العيد ، وقد علم قطعا أن صلاة العيد لا سنة لها ، وكانوا يصلون بعد ارتفاع الشمس في المصلى وفي البيوت ، ثم يصلون العيد . روى ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين ، وبوب له الحافظ البيهقي بابا في سننه .
ثم الدليل على صحة ذلك أن النبي كان يخرج من بيته يوم الجمعة فيصعد منبره ، ثم يؤذن المؤذن ، فإذا فرغ أخذ النبي في خطبته ، ولو كان للجمعة سنة قبلها لأمرهم بعد الأذان بصلاة السنة ، وفعلها هو صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الأذان الذي بين يدي الخطيب وعلى ذلك مذهب المالكية إلى الآن .
فإن قلت : لعله صلى الله عليه وسلم ، صلى السنة في بيته بعد زوال الشمس ثم خرج ؟
قلت : لو جرى ذلك لنقله أزواجه رضي الله عنهن ، كما نقلن سائر صلواته في بيته ليلا ونهارا ، وكيفية تهجده وقيامة بالليل ، وحيث لم ينقل شيء من ذلك ، فالأصل عدمه ، ودل على أنه لم يقع ، وأنه غير مشروع … " انتهى ، وللبحث تتمة في تقرير المسألة ، طول فيها الإمام الحافظ أبو شامة رحمه الله . ينظر : "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ص(96) وما بعدها .
والحاصل : أنه لا يشرع للجمعة سنة راتبة قبلها ، وإنما المشروع أن يتطوع المرء بما شاء ، من حين دخوله إلى المسجد ، إلى أن يصعد الإمام المنبر .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة