منذ 20 سنة تقريبا؛ رجل يملك منزل وله زوجة تصغره بعشرين عام وله ذرية ، فقام هذا الزوج بفتح ملف في التسجيل العقاري لغرض البدء بمعاملة تحويل هذا المنزل إلى زوجته بصيغة “هبة” ، وبالفعل تم فتح ملف في التسجيل العقاري ، ولكن لم تنجز المعاملة ، المهم الآن أن السائل لا يدري هل قام هذا الرجل بالشروع بمعاملة تحويل هذا المنزل إلى زوجته “هبةً” ؛ لأجل أن يحجب الميراث عن أهله ” ، أمه وأبيه وإخوانه ، ويحصر الميراث في أفراد عائلته فقط ، “زوجته وأولاده ” ، أم إنه قام بالشروع بتحويل هذا المنزل باسم زوجته “هبةً” لأجل التحويل فعلياً؟
وبعد أعوام توفيت الزوجة قبل الزوج ، أي الأب ، مالك المنزل ؛ وكانت والدتها على قيد الحياة ؛ ولا أحد يعلم بأن هذه الدار قد تم الشروع بمعاملة تحويلها إلى الزوجة “هبةً” إلا بعد أعوام أيضاً ، حينها كانت قد توفيت الجدة ، والدة الزوجة .
وبعد أعوام أخرى توفي الأب ؛ وبعد سنوات من وفاته أرادوا بيع الدار ، وتقاسمه بين الورثة ففوجئوا بأن الدار قد تم الشروع فيها بمعاملة هبة للزوجة ، غير أن هذه المعاملة لم تتم ؛ الآن الورثة يقولون بأن الدار بالأصل دار الأب ، ومن ملكه الخاص ، والزوجة لا تملك فيها شيئاً ، ولم تشارك في بنائها ، أو شرائها ، لأنها بالأصل ربة بيت ؛ وهم لا يعلمون هل أراد الرجل بالشروع لتحويل المنزل الخوف على زوجته وأولاده من الفقر بعده ؛ فقام بتلك العملية لتحويل المنزل لحصر الميراث لأهل بيته فقط ، ولكن قدر الله بأن توفيت الزوجة أولاً ؛ أم إنه قام بتلك العملية لغرض التحويل الفعلي للزوجة كما أسلفنا .. ؟
الآن ما الحكم ؟ لا سيما وأن الورثة قاموا حديثاً بإرجاع معاملة الهبة إلى الأب المتوفى لأنها كانت معاملة ناقصة ولم تتم ؛ ومن ثم قاموا بتسجيل الدار بأسمائهم باعتبارهم ورثة شرعيين للأب ،. هل في ذلك حرج ؟ وهل يجب عليهم إعطاء حصة من الميراث لورثة الجدة ، أي أم الزوجة ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الدار أهديت أو تم الشروع بمعاملة إهداء للزوجة ؟
إذا وهب الزوج لزوجته منزلا هبة صحيحة ثم ماتت فالمنزل لورثتها من بعدها
السؤال: 182290
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
إذا خص الرجل زوجته بهبة دون أولاده ، فلا حرج عليه في ذلك ، ولا يشترط أن يهب لأولاده مثل ما وهب لها .
لكن إذا ثبت أن الواهب أراد بالهبة الإضرار بالورثة فهي هبة محرمة لا تنفذ .
قال بدر الدين العيني رحمه الله :
” وَأما الاحتيال لإبطال حق الْمُسلم فإثم وعدوان ، وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي الْكَافِي : عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ: لَيْسَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ الْفِرَار من أَحْكَام الله بالحيل الموصلة إِلَى إبِطَال الْحق ” انتهى من “عمدة القاري” (24/ 109) .
وقال صديق حسن خان في “الروضة الندية” (2/ 160):
” والحاصل أن الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ، ومخالفة فرائض الله عز وجل : فهي باطلة من أصلها ، لا تنعقد بحال ، وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم ، وما أشبه ذلك ؛ فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله تعالى ، بل أراد المخالفة لأحكام الله عز وجل والمعاندة لما شرعه لعباده ، وجعل هذا الوقف الطاغوتي ذريعة إلى ذلك المقصد الشيطاني ” انتهى .
ثانيا :
لا تلزم الهبة بمجرد الشروع فيها ، وإنما تنفذ ، وتترتب عليها آثارها إذا قبضها الموهوب له قبضا صحيحا .
جاء في “الموسوعة الفقهية” (26/ 96) :
” يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ : وَهَبْتُ، وَأَعْطَيْتُ، وَنَحَلْتُ ، وَلاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ، وَلاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ” انتهى .
وقال الرحيباني في “مطالب أولي النهى” (5 /200) :
” الهِبَة لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ , وَالْقَبْضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ ” انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
اشتريت بعض الكتب لإرسالها إلى أخي ليستفيد منها ، وقبل إرسالها وضعتها في مكتبتي الخاصة المتواضعة ، ثم إني بعد ذلك أوقفت جميع كتبي على طلبة العلم في منطقة معينة بعد وفاتي ، السؤال : هل تدخل تلك الكتب التي اشتريتها لأخي في ذلك الوقف ؟
فأجاب : ” نعم تدخل ؛ لأن الإنسان إذا نوى كتابا أو أي شيء من الأعيان لشخص ولم يقبضه الشخص فهو بالخيار : إن شاء أمضاه وإن شاء رده ، فلو أن الإنسان أراد أن يهدي لأخيه كتابا وعينه وكتب عليه اسم أخيه ، ثم بدا له ألا يفعل فله ذلك ؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض. وكذلك لو أن الإنسان عزل دراهم يريد أن يتصدق بها ثم بدا له ألا يفعل فلا حرج عليه ، لأن الفقير لا يملكها إلا إذا قبضها ، وهذه قاعدة اتخذها حتى تنفعك : كل شيء تنويه لغرض ولم تنفذه فهو بيدك : إن شئت نفذ وإن شئت فدع ” انتهى من “اللقاء الشهري” (3 /482) .
ولا يشترط في القبض أن يكون قد سَجَّل الأرض رسمياً باسم زوجته ، بل يكفي أن يكون قد عَرَّفها حدودها ، وصارت متمكنة من التصرف فيها قبل موت الواهب .
وينظر إجابة السؤال رقم (114659) .
فعلى ما تقدم :
إذا كان الزوج قد وهب هذا المنزل لزوجته هبة صحيحة ، فقبضته ، وصارت متمكنة من التصرف فيه تمكّن المالك من ملكه : فهي هبة جائزة صحيحة ، تنتقل بها ملكية المنزل إلى هذه الزوجة ، ويصير هذا المنزل إلى ورثتها من بعدها ، ومن هؤلاء الورثة أمها ، فورثتها من بعدها.
أما إذا كان الزوج قد شرع في هبة هذا المنزل لزوجته ، ثم رجع عن ذلك قبل أن يمكنها منه ويسلمه إياها ، أو لم يكن يريد حقيقة الهبة ، وإنما أراد أن يكتبه لها في حياته ، ليكون ملكه خالصا لها بعد موته ، فالهبة غير تامة ، ولا يترتب عليها شيء من أحكامها ؛ وحينئذ فلا حق لوالدة الزوجة في هذا المنزل ، إنما مآله إلى ورثة الزوج الشرعيين ، وليست الزوجة من الورثة لأنها ماتت في حياة الزوج ، ومن شروط الإرث حياة الوارث بعد موت المورث حقيقةً أو حكماً ، راجع إجابة السؤال رقم (127945) ، ومن ثَمّ فلا حق لأمها في الإرث منه ، ولا حق فيه لورثة الأم بطبيعة الحال .
وإذا لم تتبينوا الحال ، ولم تعلموا هل كانت تتصرف في المنزل تصرف المالك أو لا ؛ فالأصل بقاء الملك على صاحبه ، وعدم انتقاله إلى زوجته ، بالهبة ، أو بالبيع ، إلا بالبينة الشرعية .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة