0 / 0

إذا وهب الزوج لزوجته منزلا هبة صحيحة ثم ماتت فالمنزل لورثتها من بعدها

السؤال: 182290

منذ 20 سنة تقريبا؛ رجل يملك منزل وله زوجة تصغره بعشرين عام وله ذرية ، فقام هذا الزوج بفتح ملف في التسجيل العقاري لغرض البدء بمعاملة تحويل هذا المنزل إلى زوجته بصيغة “هبة” ، وبالفعل تم فتح ملف في التسجيل العقاري ، ولكن لم تنجز المعاملة ، المهم الآن أن السائل لا يدري هل قام هذا الرجل بالشروع بمعاملة تحويل هذا المنزل إلى زوجته “هبةً” ؛ لأجل أن يحجب الميراث عن أهله ” ، أمه وأبيه وإخوانه ، ويحصر الميراث في أفراد عائلته فقط ، “زوجته وأولاده ” ، أم إنه قام بالشروع بتحويل هذا المنزل باسم زوجته “هبةً” لأجل التحويل فعلياً؟
وبعد أعوام توفيت الزوجة قبل الزوج ، أي الأب ، مالك المنزل ؛ وكانت والدتها على قيد الحياة ؛ ولا أحد يعلم بأن هذه الدار قد تم الشروع بمعاملة تحويلها إلى الزوجة “هبةً” إلا بعد أعوام أيضاً ، حينها كانت قد توفيت الجدة ، والدة الزوجة .
وبعد أعوام أخرى توفي الأب ؛ وبعد سنوات من وفاته أرادوا بيع الدار ، وتقاسمه بين الورثة ففوجئوا بأن الدار قد تم الشروع فيها بمعاملة هبة للزوجة ، غير أن هذه المعاملة لم تتم ؛ الآن الورثة يقولون بأن الدار بالأصل دار الأب ، ومن ملكه الخاص ، والزوجة لا تملك فيها شيئاً ، ولم تشارك في بنائها ، أو شرائها ، لأنها بالأصل ربة بيت ؛ وهم لا يعلمون هل أراد الرجل بالشروع لتحويل المنزل الخوف على زوجته وأولاده من الفقر بعده ؛ فقام بتلك العملية لتحويل المنزل لحصر الميراث لأهل بيته فقط ، ولكن قدر الله بأن توفيت الزوجة أولاً ؛ أم إنه قام بتلك العملية لغرض التحويل الفعلي للزوجة كما أسلفنا .. ؟
الآن ما الحكم ؟ لا سيما وأن الورثة قاموا حديثاً بإرجاع معاملة الهبة إلى الأب المتوفى لأنها كانت معاملة ناقصة ولم تتم ؛ ومن ثم قاموا بتسجيل الدار بأسمائهم باعتبارهم ورثة شرعيين للأب ،. هل في ذلك حرج ؟ وهل يجب عليهم إعطاء حصة من الميراث لورثة الجدة ، أي أم الزوجة ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الدار أهديت أو تم الشروع بمعاملة إهداء للزوجة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
إذا خص الرجل زوجته بهبة دون أولاده ، فلا حرج عليه في ذلك ، ولا يشترط أن يهب لأولاده مثل ما وهب لها .
لكن إذا ثبت أن الواهب أراد بالهبة الإضرار بالورثة فهي هبة محرمة لا تنفذ .
قال بدر الدين العيني رحمه الله :
” وَأما الاحتيال لإبطال حق الْمُسلم فإثم وعدوان ، وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي الْكَافِي : عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ: لَيْسَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ الْفِرَار من أَحْكَام الله بالحيل الموصلة إِلَى إبِطَال الْحق ” انتهى من “عمدة القاري” (24/ 109) .
وقال صديق حسن خان في “الروضة الندية” (2/ 160):
” والحاصل أن الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ، ومخالفة فرائض الله عز وجل : فهي باطلة من أصلها ، لا تنعقد بحال ، وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم ، وما أشبه ذلك ؛ فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله تعالى ، بل أراد المخالفة لأحكام الله عز وجل والمعاندة لما شرعه لعباده ، وجعل هذا الوقف الطاغوتي ذريعة إلى ذلك المقصد الشيطاني ” انتهى .
ثانيا :
لا تلزم الهبة بمجرد الشروع فيها ، وإنما تنفذ ، وتترتب عليها آثارها إذا قبضها الموهوب له قبضا صحيحا .
جاء في “الموسوعة الفقهية” (26/ 96) :
” يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ : وَهَبْتُ، وَأَعْطَيْتُ، وَنَحَلْتُ ، وَلاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ، وَلاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ” انتهى .
وقال الرحيباني في “مطالب أولي النهى” (5 /200) :
” الهِبَة لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ , وَالْقَبْضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ ” انتهى باختصار .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
اشتريت بعض الكتب لإرسالها إلى أخي ليستفيد منها ، وقبل إرسالها وضعتها في مكتبتي الخاصة المتواضعة ، ثم إني بعد ذلك أوقفت جميع كتبي على طلبة العلم في منطقة معينة بعد وفاتي ، السؤال : هل تدخل تلك الكتب التي اشتريتها لأخي في ذلك الوقف ؟
فأجاب : ” نعم تدخل ؛ لأن الإنسان إذا نوى كتابا أو أي شيء من الأعيان لشخص ولم يقبضه الشخص فهو بالخيار : إن شاء أمضاه وإن شاء رده ، فلو أن الإنسان أراد أن يهدي لأخيه كتابا وعينه وكتب عليه اسم أخيه ، ثم بدا له ألا يفعل فله ذلك ؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض. وكذلك لو أن الإنسان عزل دراهم يريد أن يتصدق بها ثم بدا له ألا يفعل فلا حرج عليه ، لأن الفقير لا يملكها إلا إذا قبضها ، وهذه قاعدة اتخذها حتى تنفعك : كل شيء تنويه لغرض ولم تنفذه فهو بيدك : إن شئت نفذ وإن شئت فدع ” انتهى من “اللقاء الشهري” (3 /482) .

ولا يشترط في القبض أن يكون قد سَجَّل الأرض رسمياً باسم زوجته ، بل يكفي أن يكون قد عَرَّفها حدودها ، وصارت متمكنة من التصرف فيها قبل موت الواهب .
وينظر إجابة السؤال رقم (114659) .

فعلى ما تقدم :
إذا كان الزوج قد وهب هذا المنزل لزوجته هبة صحيحة ، فقبضته ، وصارت متمكنة من التصرف فيه تمكّن المالك من ملكه : فهي هبة جائزة صحيحة ، تنتقل بها ملكية المنزل إلى هذه الزوجة ، ويصير هذا المنزل إلى ورثتها من بعدها ، ومن هؤلاء الورثة أمها ، فورثتها من بعدها.

أما إذا كان الزوج قد شرع في هبة هذا المنزل لزوجته ، ثم رجع عن ذلك قبل أن يمكنها منه ويسلمه إياها ، أو لم يكن يريد حقيقة الهبة ، وإنما أراد أن يكتبه لها في حياته ، ليكون ملكه خالصا لها بعد موته ، فالهبة غير تامة ، ولا يترتب عليها شيء من أحكامها ؛ وحينئذ فلا حق لوالدة الزوجة في هذا المنزل ، إنما مآله إلى ورثة الزوج الشرعيين ، وليست الزوجة من الورثة لأنها ماتت في حياة الزوج ، ومن شروط الإرث حياة الوارث بعد موت المورث حقيقةً أو حكماً ، راجع إجابة السؤال رقم (127945) ، ومن ثَمّ فلا حق لأمها في الإرث منه ، ولا حق فيه لورثة الأم بطبيعة الحال .
وإذا لم تتبينوا الحال ، ولم تعلموا هل كانت تتصرف في المنزل تصرف المالك أو لا ؛ فالأصل بقاء الملك على صاحبه ، وعدم انتقاله إلى زوجته ، بالهبة ، أو بالبيع ، إلا بالبينة الشرعية .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android