0 / 0
125,86022/10/2012

هل يلزم التائب أن يصلي صلاة التوبة عن كل ذنب اقترفه ، أم تكفيه صلاة واحدة عن جميع الذنوب ؟

السؤال: 184354

أريد أن أعرف حكم قولي في دعائي مرة من المرات "يارب اجعلني واحدًا من الطائعين في نظرك" ، هل هذا القول فيه حرمة ؟ ثانيًا : أريد أن أعرف إذا كنت أريد أن أتوب إلى الله عز وجل ، من ذنوب كبيرة قد اقترفتها في الماضي ، هل يجب عليّ أن أصلي صلاة التوبة مرة واحدة لكل الذنوب ، ثم أدعو الله عز وجل وأطلب منه المغفرة ، أم أصلي لكل ذنب صلاة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا : قول العبد في دعائه : " يا رب اجعلني واحدًا من الطائعين في نظرك "
فإن كان يقصد أن لا يسقط من عين الله ، وأن يلاحظه الله تعالى بلطفه وكرمه ؛ كقول ابن القيم رحمه الله ـ في "مدارج السالكين" (1 /474) ـ في وصف المخلص المتجرد :
" لا يخاف إلا من سقوطه من عين الله واحتجاب الله عنه "
وقول بعضهم ـ كما في "مدارج السالكين" (2 /91) أيضا ـ : " من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله " ؛ فهذا معنى صحيح .

وإن كان يقصد " اجعلني واحدا من الطائعين عندك " ، كما يقول العوام " هذا في نظري معناه كذا وكذا " يعني عندي ، فيقصد : اجعلني من المطيعين حقا : فالمعنى صحيح ، ولكن اللفظ لا يصح ، فلا يليق بالعبد أن يخاطب الله تعالى بهذه الألفاظ الدارجة ، فإن الله تعالى يدعى بأسمائه وصفاته ، ويُلتزم في دعائه بآداب الدعاء الشرعية ، ويتأدب العبد مع ربه عند سؤاله ونجواه .

والأولى في مثل ذلك أن يحتاط العبد لنفسه ، ولا سيما في الدعاء الذي هو عبادة ، يرجو أن يكون على وجه مقبول عند ربه ، فينبغي عليه أن يأخذ ما يعرف من الأدعية المأثورة السالمة ، ويدع ما ينكر ، وما اشتبه عليه .

ثانيا :
من أسرف على نفسه ثم تاب : تاب الله عليه ، قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر / 53.
قال ابن القيم رحمه الله :
" قد استقرت حكمة الله عدلا وفضلا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا : أنه يبدل سيئاته حسنات ، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب ، فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق التائبين خاصة " انتهى من "الجواب الكافي" (1 / 116) .

ثالثا :
يشرع للتائب من الذنب أن يصلي صلاة التوبة ، وذلك أن يصلي ركعتين يجتهد فيهما بالإخلاص وحضور القلب والإقبال على الله ، ثم يستغفر الله ويتوب إليه مما فعل من الذنب . راجع لمعرفة المزيد عن صلاة التوبة جواب السؤال رقم : (98030) .

وتشرع هذه الصلاة لكل ذنب صغير أو كبير .

وتكفيك صلاة واحدة عن جميع الذنوب السالفة ، على أن تكون صادق العزم على التوبة النصوح ، فتصلى ركعتين تقبل فيهما على الله وأنت منكسر ذليل خاضع لله ، ثم تستغفر الله وتتوب إليه مما فعلت ؛ وذلك لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا (شك أحد الرواة) يُحْسِنُ فِيهِمَا الذِّكْرَ وَالْخُشُوعَ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، غَفَرَ لَهُ ) رواه أحمد (26998) ، وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3398) .
وروى البخاري (164) ومسلم (226) عن عثمان رضي الله عنه قال : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) .

فتكون هذه الصلاة ، وهذا الاستغفار بمثابة بداية عهد جديد ، أقبلت فيه على الله وعلى العمل فيما يرضيه ، وتركت معصيته وخلاف أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .

ولو أُمِرَ كثير من التائبين أن يصلوا صلاة التوبة لكل ذنب أسلفوه ، لظلوا يصلون حتى يلقوا ربهم ، ولكن التوبة الصادقة تجب ما قبلها كله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مَنْ تَابَ تَوْبَةً عَامَّةً كَانَتْ هَذِهِ التَّوْبَةُ مُقْتَضِيَةً لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ كُلِّهَا ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ أَعْيَانَ الذُّنُوبِ ، إلَّا أَنْ يُعَارِضَ هَذَا الْعَامَّ مُعَارِضٌ يُوجِبُ التَّخْصِيصَ ؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الذُّنُوبِ لَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ ؛ لِقُوَّةِ إرَادَتِهِ إيَّاهُ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَسَنٌ لَيْسَ بِقَبِيحِ . فَمَا كَانَ لَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ : لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّوْبَةِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ لَوْ حَضَرَ بِعَيْنِهِ ، لَكَانَ مِمَّا يَتُوبُ مِنْهُ : فَإِنَّ التَّوْبَةَ الْعَامَّةَ شَامِلَتُهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10 /328) .

على أنه مما ينبغي أن يعلم أن هذه الصلاة ، صلاة التوبة ، ليست واجبة من الأصل ، كما جاء في عبارة السائل ، بل هي من المستحبات ، باتفاق المذاهب الأربعة .

ثالثا :
لا يعني ذلك منعك من كثرة الصلاة والاستغفار ؛ فإن الإكثار من الصلاة والاستغفار مشروع غير محدود بحد ، وهو مما يدل على صدق الإقبال على الله تعالى وصحة التوبة .
وقد روى الطبراني في "المعجم الأوسط" (243) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر ) .
حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3870) .
فدوام الصلاة ودوام الاستغفار مشروع بكل حال ، ولكن لا يلزم أن يكون ذلك بنية التوبة ، بل استكثر من الحسنات : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) هود/114-115 .

راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (14289) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android